في مرآة شكسبير - لقاء مع الفنان عامر حليحل

التقينا مع عامر قبيل مغادرته، تحدثنا عن هذا الإنجاز الفني والثقافي، عن حيثيات هذه النقلة النوعية والأدوار التي سيؤديها في لندن، وعن تشخيصه للحظة المسرحية الآنية هنا، وعن الإمكانيات التي توفّرها العولمة للفنانين، وعن الشخصيات المسرحية التي سيشتاق إليها وتلك التي سيبنيها في لندن.

في مرآة شكسبير - لقاء مع الفنان عامر حليحل

لقــــــــاء مع الفـــنان عامـــر حليحـــل قبيـــــل مغــــــادرته إلى لنــــــــدن

 

فصل المقال/ اياد برغوثي

كان الفنان عامر حليحل يحلم بالمشاركة في أول عمل احترافي فلسطيني لأحد أعمال شكسبير، ثابَر ونشط ووقف في مركز خشبة المسرح الفلسطيني المحلي ولمع نجم موهبته في حيفا وسائر الجليل والوطن، حتى التقت موهبته واجتهاده في فرصة نادرة التقطها في فرقة شكسبير الملكية في لندن، أحد أهمّ وأشهر المسارح العالمية، ليمثّل أعمال شكسبير في عقر داره.
التقينا مع عامر قبيل مغادرته، تحدثنا عن هذا الإنجاز الفني والثقافي، عن حيثيات هذه النقلة النوعية والأدوار التي سيؤديها في لندن، وعن تشخيصه للحظة المسرحية الآنية هنا، وعن الإمكانيات التي توفّرها العولمة للفنانين، وعن الشخصيات المسرحية التي سيشتاق إليها وتلك التي سيبنيها في لندن.
 
 
عرفنا أنك ستغادر خلال الأيام القريبة إلى لندن لمدة عام لتشارك في أعمال مسرحية ضمن فرقة شكسبير الملكية، من هي هذه الفرقة؟ وما هي الأهمية الفنية والمعنوية لهذا الإنجاز؟ 
فرقة شكسبير الملكية هي إحدى أهمّ وأشهر المسارح لإنتاج أعمال شكسبير في العالم، الإنجاز ينعكس في أننا أول عربيين وفلسطينيين يصلان إلى هذا المكان، وهو مكان ذو قيمة وشهرة كبيرتان عالميا. الإنجاز ليس شخصيا فقط، بل هو عام أيضًا. الأمر مُوازٍ لمخرج سينمائي يحصل على جائزة في مهرجان دولي، أي أننا نكسب كفلسطينيين عموما هذه الجائزة. أنت تضع فلسطين على الخارطة خارج المعضلة السياسية، بل في سياق ثقافي يثبت أننا نملك الطاقات والمواهب إذا أخذنا الفرصة، هذا شيء آخر إضافي جيد مثل حصول إيلي سليمان على جائزة مهرجان „كان” أو ترشيح هاني أبو أسعد للأوسكار.
 
كيف نجحت في الوصول إلى هناك؟ كيف أنجزت هذه النقلة النوعية، من مسرح „الميدان” وفرقة „شبر حر” في حيفا إلى أشهر مسارح لندن؟

درويش يقول في „لاعب النرد”: „الحظ حليف الموهبة إذ تجتهد”، وأنا برأيي هذا هو الموضوع، الحظ هو لقائي بالمخرج نزار زعبي وعملي معه، وعلاقته بلندن ومسرح „يانغ فيك”، والحظ بعرض مسرحياتنا في لندن أيضًا، وبالتالي لقائي بالمخرج البريطاني في مسرح شكسبير وحبه لعملي ورغبته بأن أكون شريكًا. هذا يمثل التقاء الحظ مع الموهبة، يعطيك اجتماع محليتك في حيفا والبلاد مع بعض الانكشاف للخارج الإمكانية لتكون جيدًا في كل مكان. لا يجب أن تبدع وتعيش في أوروبا كشرط لأن تكون جيدًا. الإمكانيات اليوم مفتوحة تقنيا للتعلم والاكتساب وأنت هنا. الظروف اليوم تسمح لي بالتعلم والبحث أكثر بكثير من ممثل آخر عاش في الثمانينات هنا مثلا.
 
اليوم يمكنك كفنان التعلم والسعي نحو المهنية، وجمهورك هنا يستأهل أن تعطيه أقصى حد من المهنية. تعودنا أن يلعب الجمهور دور الداعم؛ لا، من حق الجمهور أن يرى مسرحًا جيدًا مثل باقي الأماكن. ويمكننا ذلك لأن الفن ليس ماديات فقط، بل هو موهبة وتقنيات وقدرات أشخاص.
 
ماذا ستفعل عينيًا في فرقة شكسبير الملكية؟
سأشارك في موسم مسرحي كامل في المسرح هناك، بثلاثة أعمال: العاصفة، الليلة الثانية عشر (إخراج: دافيد فار) وكوميديا الأخطاء التي سيخرجها نزار زعبي. الأدوار واضحة ومتفق عليها في الأعمال الثلاثة. الدور الرئيسي الواضح حتى الآن هو دور „كاليبان” في العاصفة، وفي كوميديا الأخطاء سأؤدي دور „بالتيزار”.
 
كيف ستتجاوز تحدي اللهجة البريطانية الشكسبيرية المعروفة بصعوبتها؟
في السبعينات كان الانفتاح في أوروبا متمركزًا في باريس وكانت لندن محافظة ومتزمتة. اليوم العكس؛ باريس تعود إلى المحافظة في المسرح وتنغلق على نفسها ولندن تنفتح هي وجمهورها. شكسبير الذي كان إحدى البقرات المقدسة، صار اليوم يُعالج بأساليب مسرحية عصرية وحتى مع إعداد نصي. أعتقد أنّ تشغيل ممثل غير إنجليزي في مسرح شكسبير لم يكن ليحدث قبل عشرين سنة. ولكن هذا جزء من الانفتاح، أن يتحدث أحد الممثلين بلهجة إنجليزية ليست أصلية تمامًا، وأن يكون هذا مقبولا، هذا أمر طبيعي صار مقبولا وهو متعلق بعملية الكلام ومخارج الألفاظ لدى الشعوب المختلفة، وهذا واضح مثلا في الاختلاف الكبير بين العربية والفرنسية أو الإنجليزية.
 
ماذا على مستوى المبنى المسرحي الشكسبيري واختلاف التجربة؟
أحد أحلامي كان أن أشارك في أول عمل احترافي فلسطيني لأحد أعمال شكسبير. من الصعب أن تنتج مسرحا آخر، ما بعد الحداثة، واقعي، مسرح معاصر... كل هذه التسميات، من شبه المستحيل أن تصنع هذه الجانرات إذا لم تمرّ بعد على شكسبير والإغريق. هذا ضروري لي ولجمهوري. يجب على جمهوري أن يمر معي كمسرحي في مراحل التطور المختلفة، من الصعب على الجمهور أن يتفاعل مع مواد ما بعد حداثوية من دون انكشاف سابق على المراحل التأسيسية.
„خادم السيدين”، مثلا، هي مسرحية كتبت قبل 300 سنة، للوهلة الأولى أكل الدهر عليها وشرب منذ زمن. لكن جمهورنا يحبها لأنه فجأة يرى مسرحًا يتحدث إليه، الجمهور يريد أن يرى الكلاسيكيات، وديكورًا كبيرًا وملابس مسرحية مبالغ بها، ورواية القصة بمبناها الكلاسيكي. الجمهور يفرح بهذا. في أوروبا لا زالت هذه المسرحية تعرض يوميًا. لماذا نقتلها؟ هناك استعلاء من أهل المسرح والفن بأنهم يفهمون في الفن أكثر من الجمهور. أولا هذا طبيعي ومنطقي لا حاجة للتباهي بذلك. الطبيب يفهم بالطب أكثر من المريض والمسرحي يفهم بالمسرح أكثر من الجمهور. هذه بديهيات لا حاجة لتسخيرها للاستعلاء والفوقية، من باب: جمهورنا لا يفهم، وغير مستعد ولا يستطيع تحليل الأعمال المسرحية.
 
أين نحن موجودون اليوم مسرحيًا؟
نحن اليوم على حافة بداية لانقلاب في المفاهيم من حيث نظرتنا نحن ونظرة المجتمع لفن لم يتعود أن ينظر إليه بثقة. جمهورك اليوم يرى: مجموعة ممثلين في هوليوود؛ مخرجون يصلون إلى أهم المهرجانات ويحصلون على أهم الجوائز؛ كتاب يُقرأون ويترجمون. لم يعد الجمهور يراك فنانا محليا مسكينا يبحث عن الدعم، بعد أن تربى على النظر للفنانين كمجموعة ذات حاجات خاصة بحاجة للدعم. ما يحدث في الفترة الأخيرة هو تغير في هذا التوجه، وهذا يعود إلى الانفتاح والقصة الشخصية للعالم توسعت. لم تعد القصة الشخصية محلية اليوم، هناك عولمة ولها آثارها الجيدة في هذا المجال من ناحية منالية المعلومات وتبادل قدرات العمل. المواهب لدينا ليست جديدة. لدينا مواهب كبيرة منذ سنوات طويلة، ولكن لم يكن بمتناول العالم أن يلمسها ويراها.
الممثل قبل 40 سنة كان يعمل من حيفا مثلا وتوسعه في العالم كان حلمًا صعب التحقق. اليوم من أجل أن تنجح في هوليوود مثلا لست بحاجة لأن تكون في هوليوود. يمكنك أن تعمل على نطاق عالمي وأن تلتصق بمكانك.. هذه القفزة من هنا لهناك كانت تستوجب في السابق سنوات إقامة وعمل وتطور في لندن كي تتم، على عكس اليوم.
 
هناك خوف شرعي بعد بروز عامر على خشبات المسرح المحلي بعدم عودته من لندن وتمركزه هناك...
أنا لدي نفس المخاوف. ليس لدي حلم بالعيش في لندن اليوم وبالبقاء هناك طيلة العمر. ولكن في نفس الوقت إذا سنحت الفرصة فإنني سأفكر مئة مرة قبل الرفض. هناك شيء مُغر في النجاح الشخصي ولا أحد يستطيع إنكاره. أتخيل أنني سأمضي سنتين أو ثلاث ثم أعود.
 
وماذا عن مقولة إن الفلسطيني يمكنه أن يفيد بلده من أي مكان في العالم؟
أستطيع أن أفهم عدم وجود فلسطيني في البلد لأسباب واضطرارات، ولكن أن تكون هنا وتعمل هنا يجعلك تفهم أهمية وجودك هنا وأن تكون جزءًا من مشاريع هامة.
 
ماذا مع أعمالك هنا وأدوارك المتميزة؟ كيف تشعر تجاهها قبيل هجرها؟ هل ستشتاق لها؟
بعد أن تؤدي الشخصيات على الخشبة وتدفع شخصية إلى الحياة في المراجعات، هناك شعور مختلط كبير. هذا جزء من حياتك. هؤلاء يصبحون أناسا تعرفهم وستنفصل عنهم فجأة. هذه الشخصيات تعيش معها كل يوم ولذلك هذا ينتج شعورا بالحزن، مثلما سأبتعد عن أصدقائي وحبيبتي وعائلتي؛ ولكن من جهة أخرى أنت ذاهب إلى بناء شخصيات أخرى. المريح أن هذه الشخصيات لن تعاتبك ولن تشتاق لك، مثل الأصدقاء والعائلة. ولكن بلا شك، أنا سأشتاق لهذه الشخصيات.
 
____________________________________________________________________________
 

بطاقة هوية

(حليحل في مسرحية "دياب")
 
عامر حليحل
من مواليد قرية الجش (ابن لعائلة مهجرة من قرية قديتا)، خريج قسم المسرح – جامعة حيفا.
اشترك في العديد من المسرحيات، أهمها:
في مستوطنة العقاب – شبر حر
وبمزيد من الحزن والأسى – شبر حر
خادم السيدين – مسرح الميدان
العذراء والموت – مسرح الميدان
إذ قال يوسف – شبر حر
حارق المعبد – مسرح الميدان
دياب (مسرحية وحيد) – حائزة على جائزة أفضل ممثل في مهرجان مسرحيد 2005
يوم من زماننا – مسرح الجوال
درويش يا سيد (مسرحية وحيد) – حائزة على الجائزة الأولى في مهرجان مسرحيد 2003
 
أخرج العديد من المسرحيات، أهمها:
القصة وما فيها – مسرح الميدان
خبر عاجل – مسرح الميدان
طبيب رغما عنه – مسرح الكرمة
بشر العرافة – مسرح المرايا
 
شارك في العديد من الأفلام السينمائية:
الزمن الباقي – إخراج إيليا سليمان
الجنة الآن – إخراج هاني أبو أسعد – الحائز على جائزة „جولدن جلوب” ومرشح لجائزة الأوسكار
أمريكا – إخراج شيرين دعيبس

من دون موبايلإخراج سامح زعبي

 

من مسرحية "بمزيد من الحزن والاسى":

(تصوير موقع عرب48)

 

من مسرحية "في مستوطنة العقاب":

(تصوير موقع عرب48)

 

من مسرحية "دياب":

التعليقات