عقود السَّلَم في فلسطين في العهد العثماني.../د.محمد عقل

السَّلَم شرعاً: هو بيع شيء موصوف في الذمة بلفظ السَّلَم أو السلف، بمعنى أن المشتري يعطي الثمن مقدماً على أن البائع يأتي بسلعة موصوفة بالذمة غير موجودة الآن، في وقت يتفقان عليه، ولا بد من تحديد الوقت، ولا بد من تسليم الثمن في مجلس العقد كاملاً من غير تأجيل شيء منه

عقود السَّلَم في فلسطين في العهد العثماني.../د.محمد عقل

السَّلَم شرعاً:
هو بيع شيء موصوف في الذمة بلفظ السَّلَم أو السلف، بمعنى أن المشتري يعطي الثمن مقدماً على أن البائع يأتي بسلعة موصوفة بالذمة غير موجودة الآن، في وقت يتفقان عليه، ولا بد من تحديد الوقت، ولا بد من تسليم الثمن في مجلس العقد كاملاً من غير تأجيل شيء منه.

دليل مشروعية السلم:

ودليل مشروعيته ما رواه ابن عباس رضي الله عنه من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يُسلّفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: "من أسلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" متفق عليه. وأيضاً ما روي عن عبد الرحمن بن أبزئ وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قالا: "كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يأتينا أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزيت إلى أجل مسمى، قيل: أكان لهم زرع أو لم يكن؟ قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك". رواه البخاري.

الحكمة من مشروعية السلم:

والحكمة من مشروعية السلم مع أن فيه بيع الشخص لما ليس عنده هي: التيسير على الناس ومراعاة أحوالهم وحوائجهم، وذلك لأن أصحاب الصناعات والأعمال، وكذلك أصحاب الأراضي والأشجار ونحوهم، كثيراً ما يحتاجون إلى النقود من أجل تأمين السلع الأولية لمنتجاتهم، أو تهيئة الآلات والأدوات لمصانعهم، وكذلك الزراع ربما احتاجوا للنقود من أجل تأمين البذار وشراء بهائم للحراثة، أو تسديد نفقات مشروع زواج، وقد لا يجد هؤلاء النقود بطريقة أخرى فيسر الشرع الحكيم لهم أن يستلفوا على أساس أن يسددوا ذلك من منتجاتهم من زرع أو ثمر أو سلع أو نحو ذلك.

شروط السلم:

ومن شروطه تسليم رأس المال (الثمن) للمسلم إليه في مجلس العقد، وأن يكون المسلم فيه مما يمكن ضبطه بالوصف الذي تختلف فيه الأغراض، بحيث تنتفي الجهالة عنه، وأن يكون معلوم الجنس والنوع والقدر والصفة للمتعاقدين، وأن يكون المسلم ديناً أي شيء موصوف في الذمة، وأن يكون مقدوراً على تسليمه بأن يغلب على الظن وجود نوعه عندما يحين استحقاقه، وكذلك تعيين الأجل الذي يجب تسليمه، وتعيين موضع تسليمه.

أوضاع الفلاح الفلسطيني:

كان معظم سكان فلسطين في القرن التاسع عشر من الفلاحين العاملين في قطاع الزراعة الذي ازداد إنتاجه نتيجة تطبيق سياسة التنظيمات واتساع المساحات المستصلحة من الأراضي وتزايد الطلب الأوربي على منتوجات فلسطين الزراعية. بيد أن الإنتاج الزراعي بقي متأثراً بالظروف المناخية كالحرارة والأمطار والرياح، وبالأوبئة والأمراض التي كانت تصيب البهائم والمحاصيل الزراعية والأشجار، كما كان يتضرر، أحياناً، من انتشار الجراد، وإلى جانب ذلك عانى الفلاحون من ارتفاع الضرائب ومن تجنيد شباب القرى ومن هجمات البدو على القرى الزراعية. وقد أدت هذه العوامل إلى تدهور الأوضاع المالية والمعيشية للفلاحين، فلجأ الفلاحون إلى الاستدانة من التجار الأغنياء وكبار الملاكين الأمر الذي دفع الكثيرين منهم إلى بيع أراضيهم، أو رهنها لتجار المدن لتوفير الأموال اللازمة لنفقاتهم اليومية (غنايم، لواء عكا في عهد التنظيمات، ص 397-409)..

عقود السلم في فلسطين:

كثر في القرن التاسع عشر استعمال عقود السلم في فلسطين بخاصة في جبل نابلس، حيث كان تجار الصابون  يشترون زيت الزيتون من القرى ويدفعون مقدماً ثمن السلعة. في تلك الأيام تزايد الطلب الفرنسي على السمسم فراح التجار يشترون السمسم بالسلم قبل عام من يوم حصاده. عادةً ما كان المشتري يستفيد من عقد الصفقة لأنه كان يشتري السلعة بأقل من السعر في وقت حصول السلعة، فمثلاً في سنة 1883م كان سعر كيل الحنطة الوارد في عقد السلم في قرية عرعره 26 قرشاً، وعلى البيدر 55 قرشاً (د.محمد عقل، وثائق محلية من فلسطين العثمانية).

في بعض السنين كان منتوج شجرة الزيتون ينخفض فيقع الفلاح في ورطة، فقد أورد بشارة دوماني قصة فلاح من قرية عقربة في جبل نابلس، هو عبد الرحمن الشيخ حسين، اضطر في أوائل نيسان 1864م إلى بيع قسم من أراضيه إلى تاجري صابون من مدينة نابلس، هما سليمان هاشم الحنبلي ويوسف هاشم الحنبلي، لعجزه عن تنفيذ عقود السلم على زيت الزيتون المعقودة معهما. (دوماني، إعادة اكتشاف فلسطين ص 195).

عمل التجار في تلك الأيام على تصدير المحاصيل الزراعية للأسواق الأوربية وعلى تنظيم الإنتاج المحلي من خلال عقود السلم حيث يروي بشارة دوماني قصة "عقد السلم" المعقود في أوائل شهر أيار سنة 1851 بين تاجر من يافا، هو الخواجه خليل متري، الذي استثمر أمواله في إنتاج السمسم، بعد تزايد الطلب الفرنسي عليه، وبين فلاح نابلسي من قرية عقربة، هو عبد الرحمن الخليل، والذي قام بموجبه التاجر اليافاوي بتسليف الفلاح النابلسي مبلغاً من المال كي يمده بكميات من السمسم الذي كان يزرعه، بعد أن تعهد التاجر بأن يتحمل نفقات النقل إلى يافا (دوماني، إعادة اكتشاف فلسطين..، ص 171-174).

قراءة في عقد سلم من عرابه:

أورد الأستاذ أحمد محمد مسعد حسين في رسالة ماجستير بعنوان"عرابة-الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية (1804-1918) نص عقد سلم قديم دون أن يعلق عليه، أو يحلله، ونحن نشكره على نشره لهذه الوثيقة النادرة، وفيما يلي قراءة علمية في هذا العقد:

1. ملخص عقد البيع: استلم يوسف بن محمد القاسم من أحمد أفندي نجل فخر الأمراء الكرام محمد أفندي حسين مبلغا قدره 2400 قرش على أن يُسلمه نظير ذلك بعد عام 50 كيلاً وثلاث صاعات سمسم، ولأجل ضمان حقه رهن يوسف لديه قطعتين من أراضيه في قرية عرابة قضاء جنين بطريقة البيع الوفائي.

2. حررت الوثيقة في 22 رجب سنة 1283ﻫ/30 تشرين الثاني 1866م. من هذا التاريخ بدأت السلمية لغاية شهر جمادى الثانية 1284ﻫ/ شهر تشرين الأول سنة 1867م. أي أن مدة السلمية كانت نحو سنة هجرية. تبدأ بخريف السنة المذكورة في ذيل العقد وتنتهي بالخريف المقبل حيث اشترط تسليم خمسين كيلاً وثلاث صاعات سمسم، وهو من المزروعات الصيفية.

3. اسم المُستلم يوسف بن محمد القاسم من عائلة سنان الذي كان سابقاً من سكان الناصرة وقدم إلى قرية عرابة في قضاء جنين واشترى فيها أراضي واستقر بها. من الجدير بالذكر أن عائلة سنان لا تزال تعيش في عرابة. واسم المسلف: أحمد أفندي نجل فخر الأمراء الكرام محمد أفندي الحسين. وعائلة حسين لا تزال موجودة في عرابة وكان منها أفندية وأمراء.

4. ورد في العقد أن يوسف بن محمد القاسم قبض رأس مال السلم بيده تماماً بعد عده وضبطه في المجلس الشرعي، وقدره 2400 من الدراهم الأسدية الصاغ السلطانية صاغ نابلس، على أن يسلمه المسلم فيه 50 كيلاً و3 صاعات سمسم نظيف يصلح للبيع والشراء.

5. وردت في العقد أسعار تبديل العملات:- ليرة مجيدية= 119 قرشاً.- ليرة فرنساوية 103= قروش.-الوزري= 7 قروش. ما يدل على فقدان الثقة بالعملة العثمانية لعدم ثبات أسعارها حيث اختلف السعر من منطقة إلى أخرى، وأحياناً من قرية إلى أخرى فمثلاً كانت هناك عملة أم الفحم وعملة عرعره وهكذا دواليك. في الوثيقة اعتمد الدرهم الأسدي المسمى بالصاغ السلطانية حسب أسعار الصرف المستعملة في نابلس(صاغ نابلس)، واعتمد صاع عرابه السالك ما يدل على أن المكاييل لم تكن موحدة في جميع المناطق.

6. ورد في عقد السلم أن ثمن كيل السمسم ثمانية وأربعون قرشاً إلا الربع، ويبدو أن هذا السعر كان أقل من سعر كيل السمسم على البيدر. في مثل هذه العقود كانت هناك فائدة مستترة. من الجدير بالذكر أن القرش كان يساوي 40 بارة.

7.  رهن المستلف قطعتي أرض بطريقة البيع الوفائي ليضمن حق الدائن، وأعطى للدائن حق جني نما  القطعتين حتى يسدد الكمية المطلوبة منه عيناً وهي 50 كيل و3 صاعات سمسم. لم يكن ذلك مجرد ضامن وإنما در عليه، كذلك، ربحاً آخر.

8. في ذيل العقد وردت أسماء شهود الحال وأختام بعضهم، وهؤلاء هم لفيف من الوجهاء الحاضرين للمجلس الشرعي الذي تمت فيه الاتفاقية.

الوثيقة:

الحمد لمستحقه والصلاة والسلام على محمد خير خلقه.
بمجلس الشريعة الغراء المحمدية الطاهرة الزاهرة المرضية أجلها الله تعالى، أخذ وتسلم الرجل الكامل الأوصاف شرعاً يوسف بن محمد القاسم من عائلة سنان القاطن حينذاك بمدينة الناصرة من الرجل الكامل الأوصاف شرعاً جناب أحمد أفندي نجل فخر الأمراء الكرام محمد أفندي الحسين، وذلك المأخوذ مبلغا قدره من الدراهم الأسدية الصاغ السلطانية ألفان قرش- ثنتان- وأربعمائة قرش صاغ نابلس عن الليرة المجيدية مائة وتسعة عشر قرش، والليرة الفرنساوية مائة وثلاث قروش، والوزري سبع قروش وذلك المبلغ أسلمه أحمد أفندي ليوسف المحمد في خمسين كيل سمسم، وثلاث صاعات سمسم في صاع عرابه السالك بها موضوع في قرية عرابة سمسما نضيف (نظيفا) يسلك للبيع والشراء، اسلم الكيل ثمانية وأربعون قرش إلا ربع مؤجل ذلك المسلم فيه من تاريخه إلى شهر جمادى الثاني الآتي بعد تاريخه الكائن في سنة 84 أربعة وثمانين سلماً شرعياً بصيغة الإيجاب والقبول والقبض والإقباض، وكون رأس مال السلم قبضه يوسف بيده تماماً بعد عده وضبطه في المجلس وغير ذلك من الشروط المعتبرة في ذلك شرعاً، ثم بعد إتمام ذلك وإبرامه على الوجه المشروح أعلاه باع يوسف المذكور إلى أحمد أفندي المذكور ما هو ليوسف وملكه وجار تحت تصرفه التصرف الشرعي وذلك المبيع جميع ما يخصه في الأرض الكائنة في أراضي عرابة المعروفة بأرض الذخيرة وقدر ما يخصه الثلث ثمانية قراريط من كامل أربعة وعشرين قيراطاً شركة أخيه عباس بن محمد القاسم في الثلثين الباقيين المعلومة تلك الأرض الحدود والجهات لكل من المتعاقدين حسب إقرارهما يحدها جميعا من القبل أرض دار عيسى وأرض دار خضر، ومن الشرق أرض دار عبد العزيز من حمولة دار أبو عبيد، ومن الشمال أرض خليل الرحال، ومن الغرب الطريق السالك بمبلغ معلوم وهو خمسون كيل وثلاث صاعات سمسم عينية وهي المذكورة أعلاه الثابتة بذمة البائع يوسف المحمد القاسم شرعا، وصدر بيع وشراء بإيجاب وقبول وقبض وإقباض وتسلم وتسليم وسبق نظر وخبرة ومعرفة المبيع معرفة تامة وغيرها من شروط البيع المعتبرة فيه شرعا، فلما تم الحال على هذا المنوال عهد ووعد المشتري احمد أفندي انه متى رد البائع أو من يقوم مقامه له أو لمن يقوم مقامه الخمسون كيل وثلاث صاعات سمسم المرقومة ليردن عليه المبيع حيث أن البيع بيع وفائي وأباح يوسف المحمد القاسم لأحمد أفندي جميع نما الأرض المرقومة وما ينتج من سنة 84 الأربعة وثمانين الآتية بعد تاريخه فصاعدا مدة بقاء السمسمات بذمته إباحة شرعية، وطلب تسطيره حفظا للحال وخوفا التقلب خصوصا في مثل هذا الزمن الخبيث غالب أهله، حمانا الله منهم بمنه وفضله وحسب الطلب سطر وحسبما وقع حرر والله اعلم.  حرر في 22 رجب 1283 ه.

شهود الحال:
جاد الله جابر الأحمد، عباس المحمد القاسم، احمد الشيخ محمد سنان، محمود حسين الأحمد،
إسماعيل محمد سنان، محمد حسن سنان، عباس يونس الحماد، صالح محمد القاسم.

كما وقع كل من التالية أسماؤهم بجانب خاتمهم الرسمي:
سعيد محمد عبد الهادي، صالح المحمد الحمدان، محمود العبد الرزاق، خليل قشطة، إبراهيم
العطاري، إبراهيم العبد الغني، البدوي إبراهيم السيد، محمد عبد الرزاق الحمدان، موسى حسن
الموسى، الإمام مصطفى المخزومي الخالدي العرابي.
 

التعليقات