31/10/2010 - 11:02

قراءة في مجموعة الساقطة للكاتبة د.هيفاء بيطار \ نسب أديب حسين 15\7\2010

المسرح الوطني الفلسطيني ـ ندوة اليوم السابع ـ القدس ـ

قراءة في مجموعة الساقطة للكاتبة د.هيفاء بيطار
\ نسب أديب حسين 15\7\2010
عنونت الكاتبة هيفاء بيطار مجموعتها القصصية بعنوان "الساقطة" والتي شملت 14 قصة. إن هذا العنوان المُجمل بزخم من المعاني السلبية والنظرات الجارحة وكل العقبات التي تواجه من تحمل هذه الصفة في مجتمعنا، يأتي هذا العنوان كصرخة صريحة في وجه القارئ.
كأني بالعنوان يواجه القارئ ويسخر منه بألم ويقول له : " ساقطة تقول عني هذا ، أجل أعترف سمني كما شئت، ولكن تعال لأريك لماذا أنا كذلك" .
إن العنوان أو هذه الكلمة " ساقطة" يمكن أن يطلقها القارئ على معظم بطلات المجموعة القصصية. لكن القصة التي حملت العنوان أتت على غير ما تتوقع منها ، وتشعر أنّ فيها كمًا هائلا من السخرية.
قبل قراءة القصة خلتها ستتحدث عن امرأة تتحرك خلف شهواتها كيفما اتفق وربما جاء هذا جراء ما يحدثه العنوان في نفوسنا.. لكنني وجدت امرأة مسكينة، طيبة، قضت عمرها تقدم كل ما تملك لمن، حولها دون مقابل. فقد توفي ولدها وهي في العاشرة من عمرها وراحت تعتني باخيها وأختها اللذان يصغرانها.. بعدما راحت نفسية الام الارمل الشابة تتدهور، وتتزوج عجوزًا كي تجد معيلا، ثم تعشق شابًا يصغرها في السن ويتخلى عنها. بعد وفاة الزوج العجوز يصبح مصروف البيت من مسؤولية "حنان" البطلة التي تتكفل بأمها وشقيقيها، حتى وفاة الام وزواج الاخوة، وتربية أبناء الأخ وبذل كل غالٍ ورخيص لأجلهم دون كلمة تقدير أو شكر..
ونجد حنان الدميمة التي لم يفكر أي رجل ممن وضعهم القدر في طريقها الارتباط بها ( كانت في أوقات متباعدة تتساءل ما هو الرجل ؟ فتحس بشوق غامض مبهم، ماتت حاجتها لنصفها الاخر مع تعاقب الايام أليس الزمن مقبرة للشهوات؟ لم تحلم يومًا أن كون بين أحضان رجل، انها كائن لا جنسي ماكينة عمل انما بقلبٍ يخفق أبدًا بالحب".
ثم تقع البطلة في الحب وهي في الثالثة والخمسين من عمرها.. بعد ثلاثة وخمسين عامًا من العطاء والتضحية لأجل الاخرين تفكر لأول مرة بنفسها ، وتسعى لأول مرّة لأجل مصلحتها وأهوائها الشخصية، فنجد أخاها يهددها بطردها من المنزل وصديقاتها اللواتي كُنَ يسألنها بسخرية " ألم يلمسك أحد؟ ألا تعرفين رجلا؟ ألم يطلبك أحد للزواج" نبذنها، وتأتي القمة في تصرف ابن الاخ البكر الذي رأت فيه ابنها الذي لم تلده. فقد تبعها الى الحي الذي يسكنه حبيبها، ( اعترض سبيلها وصرخ بها " انسانه ساقطة مثلك يجب أن أربيها " صعقها كلامه، فغرت فاهها وهي تردد: غير معقول، أمسكها من ساعدها بقبضته الحديدية وقال : " هيا الى البيت" ، دفعته من صدره وهي تقول بحزم، ابتعد عن طريقي، لا علاقة لك بي. هوت صفعة مدوية فوق خدها جعلتها تترنح) هنا بين كلمة ساقطة والصفعة يضيع تعب السنين ، هذا الطفل الذي ربته وقدمت له اموالها وحنانها وكانت من ساعده للحصول على النجاح والتفوق، هذا من عولت عليه هو واخوته أن يعتنوا بها حين ستطاردها الحياه وتهدها الشيخوخة ، هذه هي النتيجة. ومع ذلك عندما يتحلق حولهما جمع من الناس تصرفهم وتقول أنه مجرد سوء تفاهم بين أم وابنها، ويأتيها تعليقٌ ساخر جارح، يريها واقعها المر " لم نر ابنًا يضرب أمه من قبل".
هكذا في لحظاتٍ قليلة ضاع تعب عمرها واكتشفت أن فلذة كبدها لا تعنيه بشيء.. تبقى وحيدة، وتعود اليها صورة والدها مسجى في التابوت.. كان وجهه الأقرب الى روحها.. هنا نرى أن الأب هو الرجل الوحيد الذي يخصها، الوحيد الذي يهمه أمرها وتعنيه مصالحها، بقيت روحه ترافقها بعد 43 عاما من وفاته لأنها كانت في جيل يصعب أن تنساه عند وفاته مثلما حصل مع أخيها الذي كان في الخامسة من عمره ، فبكى يوم قالوا له أن البابا صار ملاكًا في السماء، ومع الايام نسي.. هي لم تنسَ بل كانت صورته تتضح أكثر مع السنين ، كان الوحيد الذي أحبها دون مصالح ودون أنانية ، لأنه الوحيد الذي تهمه سعادتها الشخصية ويفهمها ولن يُلحق هذا الحب بكلمة ساقطة.

في قصة الصرخة تطرح الكاتبة قضية الصراع الداخلي عند المرأة العانس ، الصراع ما بين الحاجة الجنسية من جهة وما بين المجتمع والعادات والتقاليد من جهة أخرى. في هذه القصة تخرج البطلة العانس من سيرورة حياتها العادية وتكتشف وهي في الثالثة والاربعين من عمرها ما هو الرجل ، تحمل منه، وتحلم وتفرح بالحياة التي تدب في أحشائها وسرعان ما يُحكم على هذا الحلم بالاعدام، حينما يطلب منها رجلها التخلص من الطفل . تقع المفارقة في المصطلح ( الصرخة الرحيمة) وهي الصرخة التي يطلقها الرحم حين يتخلص من حمله، كان حريًا بتلك الصرخة أن تسمى " الصرخة القاتلة"، التي أتت إثر نزوة حب ، قتلت أملا شع على حين غرة وتركت مرارة لا تنسى في ذاكرة البطلة.

طرح آخر حول استغلال المرأة لمفاتنها من أجل تحقيق مكاسب في الدراسة والعمل نجده في قصة شطارة، متمثلا في شخصية البطلة فلك التي تمكنت اعتمادًا على هذا من الحصول على اللقب الاول في المحاماة، افتتاح شركة حواسيب والتقدم بشكل ملحوظ في حياتها المهنية ، في المقابل نجد النظرة تجاه سيدة أعمال مثلها ومع ما صارت تملك من قوة ونفوذ أنها "شاطرة" وأنها تشاطرت .
أما البطلة الأخرى صديقتها رهام التي كانت تؤمن بالمبادئ والاخلاق، تزوجت على أعتاب الثلاثين وتطلقت بعد أربعة أعوام وراحت تعاني من الفقر.. الى أن التقت بصديقتها القديمة فلك.. تحاول سهام اتباع طريقة فلك بسبب فقرها، لكنها تفشل في تحقيق المكاسب المرجوة من خلال تقديم جسدها.. فتتراجع وتفضل حفظ روحها من الاهتزاز والنخر على متعة الجسد المتمثلة بالمال والجنس.
في الواقع وجدت أن الكاتبة تخلص الى هذه النتيجة أيضًا في روايتها " امرأة من هذا العصر" حينما تكتشف البطلة بعد اقامة العديد من العلاقات الجنسية المتشعبة أن بغض النظر إن كان المجتمع مع أو ضد هذا الموضوع ، أن هناك انكسار في روحها.. وعندما توقفت عن مطارحة الغرام بناءً على شهوة الجسد ، إثر اصابتها بالسرطان وقطع ثديها، راجعت أمور حياتها ووجدت أنها كانت ترضي جسدها لكنها تكسر روحها وكرامتها في كثير من الاحيان.

أما في قصة صفير النهاية فإن كلمة ساقطة تأتي لتنفجر بألم هذه المرة في طفلة لا تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها، تحمل جنينًا في احشائها إثر اغتصاب والدها لها ، والام تسافر بها من أجل التخلص من الجنين وتقرر الصمت على فعلة الأب كي لا يلقي بها وبأبنائها الى قارعة الطريق.
والسؤال هنا ـ هذه الطفلة التي فقدت عذريتها دون ذنب، أيُ مستقبل مجهول ينتظرها؟ من المذنب الأب لوحده، الام ، المجتمع ؟ اذا حدث وانزلقت الى الدوائر المحرمة اجتماعيًا هل سيبحث أحد عن الجاني الحقيقي؟ أم سيكتفي الجميع بكلمة " ساقطة".

أخيرًا وجدت في هذه المجموعة مضمونًا جيدًا واقعيًا أفضل من الشكل الادبي ، فالقصص تكاد تخلو من التعابير البلاغية، اللغة أقرب الى أن تكون بسيطة ، لكنها لا تخلو من التشويق وتشد القارئ للمتابعة وقراءة القصص الأخرى واتمام الكتاب.

.

التعليقات