19/05/2011 - 22:12

ثلاثة نصوص لبلال سلامة*

كيس ابتسامات مجهول \ قصة بيع وتوقيع مع فراشة \ الذئب لا يعود إلى البيت

ثلاثة نصوص لبلال سلامة*

 

كيس ابتسامات مجهول

قرب جرة الغاز في المطبخ، عثر على كيس أسود مليء بالابتسامات المتنوعة

لم يعرف من أين جاء ومن وضعه هناك، في الواقع لم يسأل كثيرا،

كان مأخوذا بنوع الابتسامات الجديدة التي لم يكتشفها من قبل في حياته.

صار يخرج كل يوم من بيته واضعا ابتسامة مختلفة على وجهه، فعل ذلك قرابة ثلاثة أشهر وخمسة أيام،

في الأمس فقط، في اتصال هاتفي، أخبرني أنه لن يستطيع الخروج من البيت بعد الآن.

وعندما سألته عن السبب

قال: أنت تذكر جيدا كيس الابتسامات الذي حدثتك عنه ذات يوم.

قلت نعم.

قال: اليوم جرة الغاز انتحرت.. فبكى الكيس عليها

وأنا في حالة صدمة طويلة.

 

قصة بيع وتوقيع مع فراشة

في الصباح، اليوم، الآن، يصحو سعيد مرة أخرى في المدينة الباردة، الشتاء لغة الروح، أما البرد للذين يقضون الليل وحدهم، جوع هائل وشتيمة مقصودة.

يتجه إلى المطبخ الصغير، مطبخ البيت الصغير – ليست إشارة ملعونة للقياس-، يسحب سكينًا ويجرح عرقا من عروق يده، هكذا يفعل ما أمرت به الفراشة التي زارته في المنام.

يفعل هذا كل صباح، حتى صار الأمر عادة يومية طيبة ومستحبة، مثل عادة النوم، والأكل، والاغتسال والصراخ.

سعيد هذا، لا يعرف أي شيء عن أيّ شيء، لكن مرّة من المرّات أخبرته الفراشة أن لون دمه أزرق.. ولا أعرف كيف استطاع تصديق الأمر، ولم يصدق أي أمر آخر!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الذئب لا يعود إلى البيت

كل يوم أخرج من البيت، في التاسعة صباحا، أتجه للعمل مباشرة، ولا أحتاج سيارة توصلني، فمكان العمل قريب من البيت، والبيت قريب من الحارة، والحارة قريبة من البلد، والبلد قريبة من الكرة الأرضية، والكرة الأرضية ليست قريبة من السماء بما فيه الكفاية، لأصدق كل يوم أني وصلت سالما وبلا أي جروح.

السيارات المارّة كل يوم، تزعج الشارع، ومع هذا لا يتذمر ولا يتشاكى ولا يبكي، هذا الإسفلت يعرف كيف يحافظ على هيبته، مع أنّهم خرّبوه.. الرصيف المسكين وحده يبكي عادة، أما الشارع يمارس صبره بحكمة، لن يسود ولن يساد، يحافظ على علاقته السرية مع أقدام المارّة، لا يلعن الرجال ولا الشبّان الصغار، لكنه يعبس بامتعاض عندما يدوسون عليه، ويبتسم كشجرة عندما تمر الجميلات الجامحات.

ليست لديه أي مشكلة مع دوره الذي اختير له (مدعوس وللدعس)، ويعرف أنها حكمة أو تلاعب طفيف مع القدر حتى لا يموت، يدرك أنه غشّ مدروس، ويتقبّل الأمر ويسهر كل ليلة.

كل يوم لا أعود للبيت إلا وقد أضعتُ إما هاتفي، أو ولاعتي، أو فردة حذاء، أو مفاتيح البيت، ومرة رجعت للبيت وقد أضعت ابتسامتي، كان هذا يحدث في الأعوام الماضية، أما الآن إذا رجعت فقد أخسر أشياء أخرى.

في الشهر الأول من هذا العام، خسرت صديقا وذاكرة، وصدقت نفسي أنني ربحت سيارة، سلّموني مفاتيحها فقط، في الشهر الأول أيضًا، خسرت ابتسامتي وطردني طبيب الأسنان، وفي الأمس رجعت للبيت بلا رأس، حجزه الحلاق بحجة أني لم أدفع، خسرت ساقي اليمين تحت سيارة كبيرة، واحتج السائق وهو يصرخ لماذا لا أنتبه للطريق، ولم ينتبه هو أني بلا رأس اليوم.

الأمس فقط مررت أمام العجوز بائعة البقدونس، وقد استعدت رأسي، رمقتني بابتسامة لم أجد لها تفسيرا حتى الآن، من نوع الابتسامات الذي يجعلك تمشي تركل كل شيء، حتى تصل لعامود كهرباء تخبط رأسك بسرعة مجنونة ولا تلتفت للوراء أبدا.

نعم.. نوع الابتسامة نفسه التي أنهيتِ حديثك بها ذات مرة، وجَعَلتني أعود إلى البيت بلا نَفَسِي.

 

* كاتب من رام الله

التعليقات