31/12/2011 - 21:11

2011 / علي نصوح مواسي

ونحن نحاول إقناع أنفسنا أنّ العام المنقضي كان خيرًا، علينا ألا ننسى بقع الظّلام في صفحات بياضه. ونحن نحاول إقناع أنفسنا أنّ العام المنقضي كان شرّا، علينا ألا ننسى بقع البياض في صفحات ظلامه.

2011 / علي نصوح مواسي

ونحن نتذكر صرختنا، قفزتنا، دمعتنا، رجفتنا تعبيرا عن نشوتنا الأسطورية أمام شاشة تقول: "عاجل - عمر سليمان: مبارك يتنحّى من الرئاسة"، علينا ألا ننسى جرحا لم يندمل بعد في الميدان.

ونحن نتأمل مدّا بشريّا في شارع بورقيبة يغرّد: "إذا الشعب يوما أراد الحياة"، وهتافات متحرّرٍ للتوّ، تعلن النّصر: "يا توانسة ياللي عذبوكم، ياللي قهروكم، ياللي غبنوكم، ياللي سرقوكم، تنفسوا الحرية.. بن علي هرب من الشعب التونسي، تحررنا، الشعب التونسي حر"، علينا ألا ننسى ألمًا يأكل جسد محمد البوعزيزي وهو يحترق ليمنحنا الخلاص.

ونحن نفكّر بمواكب الفرح في شوارع طرابلس وبنغازي، بدراماتيكيّة سقوط سفّاحٍ عن صهوة الطّغيان، علينا ألا ننسى مواكب الآهات والدّموع، وكم نحن، حتّى في لحظات نصرنا، دمويّون.

ونحن نستردّ مشهد طاغيةٍ محترقٍ يوقّع على تنحّيه، علينا ألا ننسى أصوات رصاصاتٍ ما زالت تزعق في سماء صنعاء وتعز.

ونحن نرقص ونغني احتفالًا بانتهاء عامٍ مضى وبداية آخر جديد، علينا ألا ننسى في سوريا شعبًا يتحدّى الموتَ كلّ يومٍ، بالرّقص والغناء.

ونحن نصنّف مشاعرنا تجاه ما تقدّم من ثوراتٍ وانتفاضاتٍ واحتجاجات، نؤيّد أو نعارض، علينا ألا ننسى معنى الحرّيّة لدى الأمم والشّعوب.

ونحن نسجّل أحاسيسنا الفريدة عن هبوب ريح وحدةٍ ولمّ شملٍ عربيين بعد عقودِ انقطاع، علينا ألا ننسى بأنّنا لم نفعل شيئًا كي لا يتمزّق السّودان، وأنّنا تعوّدنا ضياعَ العراق.

ونحن نستعيد زغاريد وأهازيج استقبال الأسرى المحرّرين من سجون الاحتلال الاسرائيليّ، علينا ألا ننسى آلافا بقوا وراءهم، ينتظرون لحظة معانقتهم الضّياء.

ونحن نستلّ من خواطرنا مشاهد العائدين من اللّجوء العابرين للحدود، علينا ألا ننسى أنهم لم يعودوا بعد.

ونحن نتلذّذ بمذاقات الطّعام والشّراب على موائد الاحتفالْ، علينا ألا ننسى قوافل من الجوعى والعطشى في الصّومال.

ونحن نحتفي بأنفسنا تحت أسقف بيوتنا الدّفيئة، بين صحبنا وأحبّتنا وأهلنا، علينا ألا ننسى البيوت المهدّمة، والملايين المشرّدة.

ونحن نعدّد أمجاد بشريّتنا العلميّة والتّكنولوجيّة والبحثيّة، نقول: "الحمد لله إنّه فيه فايسبوك وآيفون"، نربّي بها رفاهيّتنا والكسل، علينا ألّا ننسى فوكوشيما.

ونحن نتحدّث عن منجزات ثقافتنا، ومعرفتنا، وفنوننا في العام الماضي، علينا ألّا ننسى أطفالًا بلا مدارس، وملايينًا من الأميين، وأطنانًا من الكتب لا تجد من يقرأها، ومسرحًا ببغداد يغلق، ومتحفًا يسرق، وذاكرةً تحرقُ في المجمع العلميّ بالقاهرة دون أن يلتفت أحدٌ إليها.

ونحن نغدق من جيوبنا مقابل سويعاتٍ من سعادة، علينا ألا ننسى رائحة الفقر والحرمان تحاصرنا في كلّ مكان.

ونحن نحاول إقناع أنفسنا أنّ العام المنقضي كان خيرًا، علينا ألا ننسى بقع السّواد في صفحات بياضه.

ونحن نحاول إقناع أنفسنا أنّ العام المنقضي كان شرّا، علينا ألا ننسى بقع البياض في صفحات سواده.

ونحن نعلن أمنياتنا للعام القادم، علينا ألا ننسى وطنًا جريحًا اسمه "فلسطين".

ونحن..

التعليقات