06/03/2012 - 03:34

بدنا نتحرّر يابا / آلاء سلطاني

"لكي نكون عظماء علينا أن نحزن بصمت" أتنهّد وأغلق دفتري. مؤخّرًا صار كلّ شيءٍ يبدو مختلفًا جدًّا، تغيّرت عادات الكلّ حتّى أنا "الدّنيا قايمة قاعدة" هكذا تقول أمّي بصوتٍ بدا لوهلةٍ وكأنّه ليس صوتها.

بدنا نتحرّر يابا / آلاء سلطاني

"لكي نكون عظماء علينا أن نحزن بصمت"

أتنهّد وأغلق دفتري. مؤخّرًا صار كلّ شيءٍ يبدو مختلفًا جدًّا، تغيّرت عادات الكلّ حتّى أنا

"الدّنيا قايمة قاعدة"

هكذا تقول أمّي بصوتٍ بدا لوهلةٍ وكأنّه ليس صوتها.

***
في الفترة الأخيرة ما عادت أنا هي نفسها أنا؛ ما عادت مناظر القتل والدّم والبكاء والتّشرّد على شاشات التّلفاز تثير بي ذلك الجزع المجنون، وما عدت أبكي كما بكيت قبل سنتين في الحرب على غزّة، صار الأمر عاديًّا؛ أن أتفرّج على نشرة الأخبار العاجلة مباشرةً من غزّة وأنا أتناول وجبة الغداء، وأشلاء البشر ينفجر منها الدّم غاضبًا أمام عينيّ، أتنهّد، وأشُمّ رائحة احتقارٍ تنبعث من داخلي، مناظر تعذيبٍ ومشاهد غير إنسانيّة، بكاء نساءٍ ونظرات أطفالٍ تائهة، غضب رجالٍ وموت.. ونحن نأكل بصمت، ولا نفقد شهيّتنا يومًا.

أتساءل في سرّي: لماذا يحتاج الرّؤساء إلى الكثير من الوقت للاستيعاب بأنّ شعوبهم قد ملّت الصّمت، وأن لا رجعة فيما وصلنا إليه حتّى اليوم، لماذا تحتاج كلّ ثورةٍ إلى عددٍ موجعٍ من الشّهداء لكي تنجح؟ ألا يحقّ لهم أن يشهدوا يوم النّصر كإخوانهم "المحظوظين"؟!

أبتلع غصّتي وتساؤلاتي، وأحزن بصمت.

***
أصوات فرحٍ في حارتنا، الأصداء تصل إلى مسمعي؛ وأنا مستلقيةٌ بسكونٍ على سريري، متكومةً كقطّةٍ حزينةٍ أو أيّ كائنٍ بشريٍّ آخر مثيرٍ للشّفقة، "الله يهدّي بال الجميع يمّه"، لا يزال البشر يحملون في أحشائهم رغباتٍ لا متناهيةً بالفرح، الزّغاريد تبلّل رأسي بالخجل، رنّانةً هي أكثر ممّا يجب.

***
يتنهّد أبي ويقول: الآخرة قرّبت والله أعلم.

يطأطئ رأسه بصمتٍ ثمّ تلمع عيناه فجأةً وينظر إليّ "ولا عمرك بحياتك تخيّلتي إنّو مبارك ينحط بالسّجن؟" لا أجيب، أبتسم له فقط فيهزّ رأسه ويقول: "إيــه الله كبير".

أدير وجهي إلى الشّاشة، أجسادٌ ملقاةٌ على الأرض، وأفراد قوّات الأمن السّوريّة يدوسونها وأيديهم تضرب ببطش.
العجز يزحف باستفزازٍ إلى حلقي فأبتلع حسرتي، وتلك الحرقة في رأس أنفي تجبرني على إطلاق سراح دموعي، وأحزن بصمت.

***
"لسّة استنى يابا لـ 15/5 وشوف شو رح يصير عنّا بفلسطين.. بدنا نتحرّر يابا"، تقول أختي.

أتأمّلها
أنظر إلى أبي

وأحزن؛ أيضًا بصمت.

التعليقات