09/03/2012 - 04:11

تراتيل مقدسيّة / يونس العموري

غريب عن المكان.. ولعلي بالمواقيت الخاطئة أتي.. أو عساني لا أستوعب آهاتي.. وصرخاتي... وعذابات ذاتي.. أجلس الليلة وحيدًا.. بعد أن كان نهاري صاخبًا.. كيف قدس؟ وكيف أهلها؟ وبشرها وحجرها؟ وهل ما زالت عنيدة؟ أبية؟ صامدة؟ أم تراها استسلمت لمغتصبيها؟ كيف هم مجانينها؟ وعشاقها؟ ونساء القدس أما زلن جميلات؟ وحواريها؟ أما زال أحد بالانتظار بأزقتها لحبيبة بعد أن تسلل الظلام؟ كيف هي موسيقاها؟

تراتيل مقدسيّة / يونس العموري

 

غريب عن المكان.. ولعلي بالمواقيت الخاطئة أتي.. أو عساني لا أستوعب آهاتي.. وصرخاتي... وعذابات ذاتي.. أجلس الليلة وحيدًا.. بعد أن كان نهاري صاخبًا.. كيف قدس؟ وكيف أهلها؟ وبشرها وحجرها؟ وهل ما زالت عنيدة؟ أبية؟ صامدة؟ أم تراها استسلمت لمغتصبيها؟ كيف هم مجانينها؟ وعشاقها؟ ونساء القدس أما زلن جميلات؟ وحواريها؟ أما زال أحد بالانتظار بأزقتها لحبيبة بعد أن تسلل الظلام؟ كيف هي موسيقاها؟

أجلس غريبًا الليلة بعد أن انفض الجمع من حولي.. وكانت التساؤلات بعيونهم..  فللقدس تناقضاتها .. كما أنا.. بقليل من الصبر يستمعون الى كلامي وحديثي.. ولربما لا يحتملون أكثر.. ولعلهم قد شاهدوا صورتك مرتسمة بالتماع عيوني.. فحينما أحدثهم عن القدس تحضرين يا أميرتي.. كفراشة تحوم بالمكان.. تأتيني  صارخة الجمال.. حاضرة بقسوة الشجن والأحزان.. وحينها تترقرق دمعتين ليس أكثر.. وتتشكل شظايا الصورة.. وبلحظة اشتياقي.. أنظم كلماتي.. وتختلط حروفي.. وأحلّق بأحاديثي.. وتصبحين أنت القدس والوطن.. وأستشعر اغتصابها.. وأزماتها.. وأشجانها  بوجهك سيدتي.. وكما هي القدس منتظرة..  فأنت أيضًا تنتظرين.. لصفاء اللحظة.. ولهدوء الريح.. ولشبق أنوثتك.. وأنا الغريب دومًا عن المكان واللحظة.. استمع لموسيقاي وأسافر نحوكِ.. وأبدأ برحلة في مملكتي.. تكونين أنت.. فرعونية.. كنعانية.. بابلية.. مقدسية.. تتربع على عرش الحكاية.. وأعود لأحدثهم عن قدس الحكايا.. وممالك العشاق فيها.. ومن كان ينتظرها بمقهاه منذ أن كان.. وما هي إلا لحظات حتى أتكور على ذاتي وإياك.. لأنتظر معجزة اللقاء.. وعند انبلاج اللحظة من عالم الخيال إلى الوقائع المستحدثة يكون الكابوس بأن يأتيني ويقض مضاجع الحلم.. وروما أعلنت عن خيانتها وصكوك الغفران قد مُنحت للقاتل أخيرًا وأصبح المقتول ممعنًا بالجريمة، وما كان له أن يُقتل لولا أنه قد جاء بالدين الجديد.. والعشاء بعرف هؤلاء كان الكذبة الكبيرة.. ووفقًا لمقاييس حبرهم وعطاءات كهنتهم فلا بد من صياغة النصوص المقدسة لتستوي المعاني وفقًا للمتغيرات المتفق عليها..

انقلبت الموازين أيها السادة في قبائل روما الحاكمة، ودموع العذارى على معابد الرب قد صارت مشهدًا مزعجًا بأعراف القوانين الغازية لدهاليز كهنوت الضفة الثانية على شواطىء المتوسط.. ومنذ اللحظة قد صار للرواية مكامن أخرى وللحكاية وجهة مختلفة وللعشاء الأخير سيرة متعاكسة بأفئدة القابعين المنتظرين للبعث الجديد للسيد المسيح، وقد يكون ممكنًا منذ الآن تصديق رواية كبير سدنة المعبد القديم بأن ابن البتول ما كان له أن يأتي هناك.. ولم يتكلم بمهده وإن لم يشف المريض..

... يا ابن مريم أُنبأتك أن معبدك قد دنس.. فسادة الروم بالرماح قد عادوا ليصلبوك مرة أخرى على مشانق أغصان الزيتون المقطعة أوصالها بجوار أسوار البلدة العتيقة.. وأنا هنا قابع بالمكان منتظرا للمعجزة من إشارة وبشارة..

وتلوح بالأفق جميلة تخترق الحواجز لتلقي مزاميرها وتجبرنا على الانصياع للنداء الأخير بالربع الساعة الأخيرة بالظرف الراهن، فقد تكون أورشليم قد أضحت الحقيقة ويكون التجوال سيد الموقف لسادة الفقراء في أقاصي الدنيا لنصرة عشاق القدس ومجانينها..

نعتلي المنصة ونمارس فن الصراخ كانعكاس للحظة التوق من قيود دبلوماسية الكلام، وللكلام أن يعبرعن كينونة الخوف فينا من أن تتغير أسماؤنا، ونتوه بصحاري التيه مرة أخرى باحثين لاهثين خلف سراب الماء المتدفق من هناك حيث العطشى للأمل... نقف لبرهة من الزمن قبل الصراخ وافتعال الضجيج... ويكون القرار بأن لابد من ممارسة أعتى أشكال الجنون..

كان العبور صعبا اتجاه الميادين، فالكل يبحث عن موطىء قدم لقوت يومه وسط الزحام واختطاف الكلام، والاجتهاد أن تعلو كلمة القدس فوق الأشهاد فيه الكثير من وجهات النظر.. كنا نحمل ثقل السنين والأنين..

نأتي إليكم محملين بآهاتهم ووجعهم، ونحاول أن نكون المؤدبين المؤدلجين الذين يجيدون احترام النساء، وكيفية الجلوس عند ارتشاف القهوة والعبث بالأسماء، ونستذكر أن لنا حاجة عندكم، فنجتهد بالتحليل والشرح وتقديم المعلومة وتفنيدها على أعتاب صناع القرار بالصحراء، وقبل ذلك كنا قد عبرنا إلى حيث صياغة التاريخ الجديد، لعل الضمير يؤنب من كان غافلاً على نصرة أم المدائن العتيقة، وكان الشاهد على الذبح من الوريد إلى الوريد.. قلنا الكثير من الكلام وحذرنا من لحظة الصحوة من أن تأتي متأخرة بعد أن تلفظنا القدس وتبكينا وتبكي رجالها ونساءها وعشاقها، وبكاء القدس حينها سيكون الأقسى..

التعليقات