28/03/2012 - 18:26

يافا عروس آذار.. / رائد دلاشة

كانت شمس الصباح تغازل قطرات الندى على طريق مرج ابن عامر، في ذلك الصباح، تمردت الشمس على أمطار أسبوع كامل، احتفاء بلقاء حبيب.

يافا عروس آذار.. / رائد دلاشة

 

- يافا  -

كانت شمس الصباح تغازل قطرات الندى على طريق مرج ابن عامر، في ذلك الصباح، تمردت الشمس على أمطار أسبوع  كامل، احتفاء بلقاء حبيب.

كنت في مركبتي ومعي السيدة فيروز عبر الأثير القادم من عمّان، في الطريق إلى اللقاء المرتقب، أستمتع بمنظر شقائق النعمان على الطرف الأيمن للشارع، على أنغام "سألتك حبيبي لوين رايحين".

على غير عادة لم أتلكأ ساعة الاستيقاظ باكرًا، رغم ساعات النوم القليلة. كان اللقاء يشغلني وأفكاري تجول، فالطريق إلى يافا لم يكن يومًا سهلاً. كنت أبحث عن ملامحها في ظلمة الليل الدامس، شهور طويلة انتظرت هذا اللقاء، لكي أراها أمامي، أحضنها وأقبل خديها.

لم أنم، ربما، تداخلت لدي مشاعر الترقب بسهر المساء الفائت، أعود إلى هاتفي المحمول أبحث عن صورتها، أتأمل عينيها، أتمعن في تقاسيم وجهها، أبتسم،  يخفق قلبي بسرعة، يذكرني بنبضات اللقاء الأول قبل منتصف الليل بساعة.

لم أحتسي قهوتي، كنت أنتظر السفر بتلهف، ومعي حقيبة جهزتها يوم أمس، سأقدمها لها بما فيها لأن الوقت حان، فكيف يطيب اللقاء بلا هدية للذكرى..

في الطريق الطويل إلى يافا كان جبل الطور بشموخه يحييني، تزيّن بالأخضر ابتهاجًا.. كل شيء أراه اليوم خاصًّا كاللقاء المرتقب، أريد أن أشاهد الأشياء على طريقتي وأغني على ليلاي، أريد أن أبالغ في الأوصاف، أريد أن أعيش اللحظات وأستبق الزمن،  قررت أن أتجرد من كل شيىء في حياتي، سوى التفكير في الموعد القريب.

قررت أن ألبس أجمل ما عندي، لبست لونًا زاهيًا وتعطرت بأجمل رائحة اشتريتها من "الفري شوب" عند عودتي من البلقان، أريد أن أكون بأحلى طلة، لا أريد لطلتي هذه أن تزول من ذاكرتها للأبد..

وصلت إلى العفولة بعد الاستقبال الاحتفالي الذي حظيت به عند جبل الطور، بدأت أبحث عن موقف مجّانيّ، دون جدوى. سريعًا عبرت في مخيلتي صورتها فقررت أن أدخل الموقف، دفعت الرسوم بلا تذمر (هذه المرة)، فاليوم عيد استثنائي!

كنت أسير على الممر المعلق متجهًا إلى البناية المنشودة، حاملاً محّملاً، مثقلاً بالأحلام الوردية وبأكياس الهدايا وبعض قطع الملابس الجميلة التي اخترتها بعناية فائقة من أشهر الماركات التي تصل إلى بلادنا عبر البحار، هكذا تختار ملابس العيد!

كنت أترنح يمينا ويسارا، فرحا وتعبًا بالحمولة التي لم أعتد أن أرفعها، سرت مبتسمًا، ومن رسغي يتطاير بالونٌ كبيرا كتب عليه بالإنجليزية "هذه طفلتي" .

 كان الجميع ينظر إلي وكنت سعيدا بذلك، ربما أعجبوا بالبالون، أو بجارزتي الربيعية ذات اللون الزاهي! ("لون للصبايا" كما قالت لي صديقة).

أحببت هذه العبارة كثيرا، كما أحببت اللون أكثر، ربما هذا أجمل إطراء سمعته منذ أن تغزلت حبيبتي بعيني قبل ما يزيد عن عقد. فهذا اللون اخترته خصيصا لهذا اللقاء الحميمي.

دخلت إلى الغرفة، وجدتها كالملاك، اقتربت منها ببطىء كنت مرتبكًا، سرعان ما خفق قلبي بسرعة، لمست خدّيها، صارت تفتح عينيها وتغمضهما، تريد أن تتعرف إليّ أكثر.. تنظر إليّ، أو يخيل لي ذلك، تفتح عينيها من جديد.. لم أتمالك نفسي..  قبلتها كثيرًا..  قبلتها من فمها تحديدًا (عذرًا حماتي لم أصغ لتعليماتك)..

 هذه يافا.. بحر من التفاصيل والمشاهد الجميلة، أصابعها كالماس نعومة وصفاء، فمها صغير رقيق عذب، عيناها واسعتان براقتان، لونهما يضع ألف علامة استفهام، يافا بجبينها الفسيح (على ما يبدو) وشعرها الحريري الأسود (حتى الساعة)، تعطي للبراءة معنى أوسع..

يافا طفلة آذار عمرها أسبوعان، استطاعت أن تسحرني كما سحرتني شواطئ يافا وقلعتها، وأن تغير تفاصيل نهاري، هي حلوة بهدوئها وبكائها، بابتسامتها العفوية برائحتها الزكية التي تصل أعلى جبال الجليل.

يافا هكذا في عيني، حبٌّ يكبر كلما سرقت مني النوم..

التعليقات