"أعمال شريرة باسم التوراة"

-

يوميا أصغي للصمت- صمت حاخامات ومربين دينيين ليبراليين وأشخاص عاديين يحافظون على الشعائر الدينية، الذين يعرفون أن في دولة إسرائيل، وبشكل أكبر في المناطق، قامت اليهودية بلبس وجه غريب ومخيف، لا يمت لليهودية بصلة. أصغي لصمتهم وسط صخب الأخبار وأحاول فهمها.

إليكم قائمة جزئية لأحداث الشهرين الأخيرين: مستوطنون يدنسون قبور مسلمين في الخليل ويطلقون الشتائم على الجنود ردا على إخلاء بؤرة استيطانية غير قانونية، مزرعة فدرمان. مستوطنون يهاجمون فلسطينيين أثناء جني ثمار الزيتون. مواطنون يهود ينتهكون حرمة يوم الغفران في عكا بالهجوم على سائق عربي. حاخام متدين-قومي معروف يكتب مقالة في نشرة توزع في الكنس، يصف فيها نشطاء حركة "السلام الآن" بأنهم خائنون.

لا جدوى من الإطالة في وصف الأحداث، لأنها معروفة وليست استثنائية. والنزعة معروفة للجميع. ولكن ردود الفعل الدينية لهذا النهج نادرة. في الواقع، أدلى الراف ميخائيل ملكيئور، ممثل التعقل الديني في الكنيست، بتصريحات شديدة اللهجة بعد أحداث مزرعة فدرمان، ووصف البؤر الاستيطانية بأنها «دفيئة سامة لمجموعة خطيرة». فيما كتب الراف شاي بيرون، رئيس "يشيفات هسدير" (مدرسة توراة خاصة لتعلم الدين في إطار الخدمة العسكرية)، في بيتاح تكفا (قامت على أنقاض قرية ملبس الفلسطينية) ، أن المعتدين على المقبرة يجب أن "يكونوا منبوذين، ويلفظون من بين الجمهور".
وبيرون على قناعة أن الحاخامات والمعلمين الدينيين يشرحون لطلابهم بأن هذا العمل غير مقبول. ولكنني أقل قناعة منه، لأن أولادي يتعلمون في مؤسسات تعتبر ليبرالية جدا في الوسط الديني- القومي، وهم لم يستمعوا لدرس تعليمي من هذا النوع مؤخرا. وفي وسائل الإعلام كانت تصريحات ملكيئور وفيرون يتيمة.

من يعيش في وسط غير متدين سيستنتج ربما من ذلك أنه لا يوجد خلاف جدي في الرأي في أوساط الجمهور المتدين. ولكني كرجل متدين أعرف كثيرا من الناس يخالفون التوجه القومي السائد. ويؤمنون أن التساهل إزاء المس بالعرب جسديا أو بممتلكاتهم أو كرامتهم يعتبر كفرا بمبدأ أن كل إنسان خلق على صورة الله. ويدركون أن تحويل مبدأ أرض إسرائيل الكبرى لقيمة عليا يشوه منظومة القيم اليهودية. ومع كل ذلك يمتنعون عن إسماع صوتهم جهارا. لماذا؟

أحد الأسباب هو الارتداع من تسييس الدين على يد اليمين. رد المعتدلين هو: في اليمين يدخلون السياسة للكنيس والمدرسة، لهذا نحن سنمتنع عن ذلك. الحاخامات لديهم يعبرون عن آراء سياسية محرضة. لهذا لا ينبغي أن يتدخل حاخاماتنا في الشؤون العامة.

كل أمر متعلق بالعرب والمناطق يعرف بأنه سياسي. لهذا لا يوجد حديث عن العنصرية. وفقط، حينما يوجه العنف لجنود الجيش، يسمحون أحيانا لأنفسهم بإسماع صوتهم كتعبير عن موقف رسمي. والمعلم الذي كان يخصص ثلاث ساعات لسرقة هاتف نقال من تلميذ على يد تلميذ آخر، لا يقترب من «موضوع سياسي» مثل إقامة بؤرة استيطانية على أرض خاصة لفلسطيني، حتى حينما يذهب تلاميذه إلى هناك.

الارتداع من دمج الدين بالسياسة مفهوم. والحدود الدائمة لدولة إسرائيل لم تكتشف في سيناء. إلا أن التنازل عن تطبيق المبادئ الأخلاقية في الحلبة الجماهيرية يفرغ الدين من مضمونه الأخلاقي. والإعلان عن نشطاء يسار كخونة إلى جانب بناء المستوطنات على أراضي فلسطينية خاصة، والدعوات للتمييز ضد العرب ("عمل عبري") هي أمور تتطلب ردا دينيا. لا يخطئ اليمين حينما يدعي أن الدين لديه ما يقوله حول توجه الدولة الأساسي اتجاه الأراضي وحقوق أبناء شعب آخر. بل يخطئ بفهمه لليهودية.

اتخاذ موقف واضح من هذا النوع يثير الارتداع في أوساط المتدينين الليبراليين لسبب إضافي. مقابل الثقة التامة لدى اليمين، يتمسك الليبراليون بالحاجة للتعددية الدينية. وحينما يتجرأ المعلم الليبرالي على عرض رأيه، يقول: هناك أكثر من طريق واحدة لفهم التوراة؛ إليكم تفسير آخر.

إذن، يجب تجديد ثقافة الاختلاف من أجل السماء. فمطلب النقاش الحر لا يسلب الإنسان الحق والواجب لقول حقيقـته كحقيقة. حينما يستنكر معلم عملية الانتقام من الغرباء كقيمة دينية، لا يسمح له بعرض رأيه كتفسير من تفسيرات كثيرة، وكأن الحديث يدور عن صياغات مختلفة للصلاة.

إضافة إلى ذلك، هناك تخوف اجتماعي بسيط، مفهوم وتدميري. فطوال سنوات أستمع لملاحظات على شاكلة " لا يمكنني الحديث حول أرائي في الكنيس، لأن لا أحد هناك يوافقني الرأي". وأنا دائما مندهش: ربما ذلك الجالس يصلي يخفي هو أيضا رأيه، وكلاهما ساكتان.

الحاخامات يخافون أن يصنفوا كيساريين إذا عبروا عن رأيهم، وأن يتوقف التلاميذ عن الالتحاق بمدرستهم. ولكن التلميذ الذي يقلق ليس فقط على مستقبل الدولة بل أيضا على مستقبل اليهودية، يبحث عن حاخام شجاع – ولا يجده.

ويتواصل الصمت إزاء أعمال الشر باسم التوراة.



التعليقات