"سوريا وفلسطين أولا"..

-

مرة كل عدة أشهر تخلي التقارير حول المفاوضات مع الفلسطينيين مكانها لأنباء حول المسار السوري. وكان النبأ هذا الأسبوع أن رئيس الوزراء إيهود أولمرت قال للمراسلين الأجانب إنه على استعداد لإحلال السلام مع سوريا، وأعرب عن أمله بأن تسمح الظروف بتجديد المحادثات مع دمشق.

سبق ذلك تسريبات عن اتصالات سرية بوساطة تركية ورسائل علنية عن طريق روسيا. ومرة أخرى يكرر السياسيون الادعاء بأن التعامل مع النظام السوري أسهل وأضمن من التعامل مع حكومة محمود عباس العاجزة. ومرة أخرى يكتب المحللون أن اقتراب تل أبيب من دمشق سيبعدها عن طهران ويمس ذلك بقوة حزب الله ويلجم حماس. أي أربعة عصاقير في مفاوضات واحدة.

ومرة أخرى، وقبل أن يتضح إذا ما كان الحديث يدور عن تطور حقيقي تعود وتعلو الدعوات "سوريا أولا". إلى أن تحين المرة القادمة.

بهذا الشكل يحلق الخيار السوري في الفضاء السياسي ويعكس الأوهام الحلوة، أنه إذا انتهى المسار الفلسطيني – لن تكون إسرائيل وحيدة. فخلف الزاوية تنتظرها سورية. نوقع أولا اتفاق سلام مع سوريا، وفي المستقبل البعيد وبعد أن يتحول الفلسطينيون إلى فنلنديين، كما قال دوفي ويسغيلس "كأن السوريين سوديين" سنتباحث معهم على ما يتبقى من الضفة الغربية والقدس الشرقية.

سيكون نوعا من قلة المسؤولية العودة على خطأ إيهود باراك الاستراتيجي، حيث أدخل ياسر عرفات إلى الثلاجة إلى أن ينضج الاتفاق مع حافظ الأسد. فإسرائيل لديها مع سوريا إسرائيل صراع حدود -إلى أن يثبت غير ذلك- وبالمقابل- الصراع مع الفلسطينيين يمس جذور الهوية الوطنية الإثنية للدولة ورموزها.

فالقدس مقدسة للعرب، ومن ضن ذلك للفلسطينيين، وليست كمجدل شمس. وقد يقود اتفاق سلام مع الفلسطينيين يعرض حلا متفقا عليه للخلاف بشأن "جبل الهيكل"(الحرم القدسي ) تغييرا جذريا في علاقة إسرائيل مع العالم العربي والإسلامي. ومن الصعب الافتراض أن تغييرا من هذا النوع سيجري في أعقاب سلام مع سوريا، في الوقت الذي يتواصل الصراع الدموي مع الفلسطينيين والذي في مركزه قضية القدس واللاجئين.

فلنفترض أن باراك لم تساوره الشكوك في اللحظات الأخيرة وعاد في يناير كانون الثاني عام 2000 من مباحثات شبردز-تاون وبجيبه اتفاق سلام مع سوريا. فقد تضمن البند المركزي في مسودة الاتفاق التي قدمها الرئيس كلينتون للجانبين انسحابا تاما من هضبة الجولان. ولو كانت سوريا حصلت على الهضبة، لكان عرفات سيُدفع نحو تصليب مواقفه في الشأن الإقليمي بشكل عام وفي القدس بشكل خاص. واليوم، المواجهة مع حماس تقلص أكثر فأكثر هوامش التنازلات بالنسبة لعباس.

من جانب آخر مقاطعة سوريا لا تساعد في التقدم في المسار الفلسطيني. فالخيوط من دمشق وطهران تصل إلى معاقل حماس في قطاع غزة. ومن هناك تدخل إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهنا وهناك، تصل إلى البلدات العربية في داخل إسرائيل. السؤال إذن ليس إذا كانت إسرائيل معنية بتجديد المفاوضات السياسية مع سوريا وفتح الطريق لتسوية مع لبنان. فلا مجال للمبالغة بقيمة اتفاق سلام مع دولة عربية مجاورة تخزن ترسانة صواريخ بعيدة المدى.

وحتى لو لم تسارع سوريا للانفصال عن إيران وقطع علاقاتها مع حزب الله وحماس، فنهاية الصراع بينها وبين إسرائيل سكون إنجازا للمحور البرغماتي " مصر والسعودية والأردن" في صراع القوى مع المحور الشيعي السني المتطرف.

قد يتضح أن الأسد معني فقط بالمفاوضات وليس بالنتيجة. مع ذلك يتعين على أولمرت أن يضع جدية نوايا الرئيس السوري أمام اختبار حقيقي.

يجب الحديث مع الجميع، حول كل شيء كل الوقت. فها هو أولمرت يدعي أنه يقبل مبادئ المبادرة العربية. مكتوب هناك: السلام الكامل مقابل الأراضي. دون أي استثناء. ومن أجل الحصول على تخفيضات يتطلب الأمر مفاوضات.



التعليقات