"نيويورك تايمز": تركيا تكتشف حدود قوتها بالرغم من كلامها الجريء عن الصراع في سوريا

واورد التحقيقف انه بينما تكثف الحكومة السورية قمعها القاتل، تكافح تركيا في وجه ازمة متصاعدة على عتبة بابها وتعري حدود زعامتها في المنطقة.


نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" اليوم السبت تحقيقاً عن موقف تركيا من الصراع الجاري منذ اكثر من سنة في سوريا وتخوف انقرة من اشعال حرب اقليمية اذا هي تدخلت عسكرياً في جارتها الجنوبية بينما هي تخشى ايضاً من فشل قراراتها المتصلة بالازمة السورية وانعكاس ذلك على مكانتها الاقليمية:

"واورد التحقيقف انه بينما تكثف الحكومة السورية قمعها القاتل، تكافح تركيا في وجه ازمة متصاعدة على عتبة بابها وتعري حدود زعامتها في المنطقة.

وفي السنة التي انقضت منذ بدء الصراع في سوريا، سعت الحكومة التركية الى لعب دور قيادي في انهاء الازمة، فانخرطت في جهود دبلوماسية في الجامعة العربية، ودعت في وقت احدث الى اقامة ممرات انسانية في سوريا لحماية المدنيين. وقد شبه وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو الرئيس السوري بشار الاسد بالزعيم الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش الذي اغرق بلاده في حرب اهلية محركها عرقي.

ولكن تركيا، بالرغم من كل وعيدها وكلامها الصاخب، وجدت ان قدرتها على عمل اي شيء ملموس مقيدة. ويقول مسؤولون ومحللون ان تركيا حذرة للغاية من الشروع في اي عمل عسكري من جانب واحد، لوعيها بمخاطر اشعال حرب طائفية على حدودها، وتأليب الرأي العام العربي او، وهو الاسوأ، اشعال حرب اقليمية عن غير قد.

لقد اتاح الصراع في سوريا لتركيا فرصة منطوية على المخاطر وواعدة في آن معاً.

وقال سولي اوزال، وهو كاتب عمود في صحيفة "هابرتورك" التركية ذات النفوذ: "لرهانات عالية جداً لتركيا في سوريا. اذا اثبتت تركيا انها غير فعالة في حسم الصراع السوري، فان كل ادعاءاتها عن مكانتها الاقليمية البارزة ستتعرض للطمة قوية".

ويقول المسؤولون الاتراك انهم لم يستبعدوا مشاركة قواتهم المسلحة في خطة دولية لايجاد قطاع عازل في حال واصل الرئيس الاسد قتل شعبه وتسبب هذا في تدفق اكبر للاجئين. وقد اثار رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان هذه الامكانية مرة اخرى الجمعة، وقال للصحافيين في العاصمة انقرة ان "قطاعاً عازلاً، قطاعاً امنياً، من الامور التي تدرس حالياً". ولكن تلك الفكرة نوقشت منذ الايام المبكرة للصراع من دون اتخاذ اي خطوات ملموسة من جانب تركيا او دول اخرى نحو تنفيذها.

لكن ما تسارع هو تدفق اللاجئين بالرغم من وجود قوات سورية على الحدود مع تركيا. وقال مسؤولون اتراك الخميس ان اكثر من الف سوري اجتازوا الحدود في الساعات الـ24 السابقة، مع وجود اكثر من 14،700 سوري الآن في خمسة مخيمات في محافظة الاسكندرون التركية على الحدود مع سوريا.

وقال مسؤولون اتراك ان بلادهم تعد خطط طوارىء لمواجهة احتمال تدفق كبير للاجئين، لان السوريين يظهرون استعداداً للمخاطرة بعبور منطقة حافلة بالالغام وقوات عسكرية مستعدة لاطلاق النار على مدنيين غير مسلحين. واضاف المسؤولون ان تركيا ستفتح مخيماً للاجئين قرب مدينة كيليس الجنوبية الشهر المقبل لايواء 10،000 آخرين من اللاجئين السوريين. ويجري بناء مخيم آخر تشلانبينار، قرب الطرف الشرقي للحدود، لما يصل الى 20،000 شخص.

لكن هذا هو اقصى ما تبدي تركيا استعداداً لعمله من جانب واحد، كما يقول محللون. وهي لن تتصرف وحدها لفرض قطاع عازل في سوريا لأن روسيا وايران تدعمان سوريا، كما يقولون، وتركيا لا تريد المجازفة بمجابهة. ويضيفون ان تركيا تخشى ايضاً من ان وضع جنود على الارض يمكن ان يقوض شعبيتها في منطقة ما زالت فيها ذكريات الحكم العثماني عميقة.

وبالرغم من ان مجال المناورة امام تركيا محدود، فانها تسارع الى وضع نفسها في مركز نفوذ في سوريا ما بعد الاسد. وهي تستضيف المعارضة السورية، بما فيها المجلس الوطني السوري، والجيش السوري الحر الذي يضم نحو 000،10 جندي يقيمون في معسكر للجيش في تركيا قرب الحدود السورية. ولم تثبت اي من المجموعتين انها متماسكة او فعالة بما يكفي لتشكيل تحد جدي لقوة الحكومة السورية.

الراعي لقوات معارضة ضعيفة.

وكانت تركيا قد لعبت دورا رئيسيا في دعم قيام ائتلاف يؤدي الى ضغط دولي على سوريا. في الوقت نفسه، فان المسؤولين الاميركيين والاتراك يقولون ان الازمة السورية جعلت من (رئيس الوزراء التركي رجب طيب) اردوغان حليفا للرئيس اوباما لا يمكن الاستغناء عنه، يساعد في التغلب على بعض التوترات التي نشأت بسبب تهاوي العلاقات بين تركيا واسرائيل.

الا ان الصراع كشف بوضوح مدى قوة تركيا في المنطقة. فقبل نشوء الصراع السوري، بدأت تركيا تظهر على انها اقرب الحلفاء لسوريا، واخذت الدولتان تعقدان جلسات حكومية مشتركة وقام اردوغان والاسد بقضاء الاجازة سوية. وحدود تركيا مع سوريا البالغ طولها 500 ميل هي اطول الحدود السورية، وتضاعفت التجارة بين البلدين الى اكثر من ثلاثة اضعافها لتصل الى 2.5 بليون دولار في العام 2010.

ولكن رغم سنوات التعاون الدبلوماسي والاستثمار الاقتصادي، فان تركيا لم تستطع ان تقنع الاسد بوقف اعمال العنف والسير في طريق الاصلاح السياسي. ويُنظر الى الصراع في سوريا على انه تجربة قاسية لتركيا في نضالها من اجل استعراض عضلات سياستها الخارجية الجديدة في المنطقة. وظلت تطلعات تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوروبي تراوح مكانها. ثم ان النزاع مع قبرص يبدو مستعصيا على الحل مثلما كان في اي وقت سابق. وتوقفت جهود التوصل الى حل بشأن ارمينيا في طريق مسدود. وجُمدت العلاقات مع اسرائيل نتيجة اقتحام كوماندوز اسرائيليين لسفينةٍ حاولت الوصول الى غزة في أيار (مايو) 2010 آتيةً من تركيا. وتظل الشكوك تعتمل في ايران تجاه موافقة تركيا على استضافة درع صاروخي لحلف الـ"ناتو".

وتركيا الدولة السنية التي يبلغ عدد سكانها 79 مليونا وتشترك في حدودها مع سوريا والعراق وايران تخاطر في ان تغرق في خضم الانقسامات الطائفية التي تعم الدول المجاورة لها. وفي الوقت الذي تنزلق فيه سوريا نحو حرب اهلية، فان العراق تمزقه النزاعات الطائفية بينما تقف ايران بقوة وراء حكومة الاسد.

وقد اشار سامي كوهين، الكاتب المتخصص في الشؤون الخارجية في صحيفة "ميليت"، وهي من اكثر الصحف التركية انتشارا، الى ان في تركيا طائفة مهمة من الذين يطلق عليه الـ"ألافيز"، وهم طائفة مسلمة تشارك طائفة الاسد العلوية بعض معتقداتها، ومنهم مجموعة تتعاطف مع الاسد ويمكن ان تصطبغ بالصبغة السياسية.

في الوقت ذاته، فان المسؤولين الاتراك اعربوا عن قلقهم من ان سوريا التي تدعمها ايران يمكن ان تدعم حزب العمال الكردستاني كوسيلة للانتقام من تركيا بسبب دعمها للمعارضة السورية.

وبينما تستطيع تركيا ان تفيد من وراء الاطاحة بالاسد، فان المراقبين يرون ان الدول العربية تكره ان ترى تركيا وقد امتد نفوذها الى حد كبير. وقال اوزيل، الكاتب الصحافي في صحيفة "هابرتورك" ان "الدول العربية تريد من تركيا ان يقتصر دورها على تبديل الحاكم في سوريا، باعتبار ان العرب هم العرب، والاتراك هم الاتراك".
 

التعليقات