روبرت فيسك: دروس ليبيا انقذت سوريا مثلما انقذت ايران دروس العراق

ما حدث في ليبيا – اي دعم حلف شمال الاطلسي (ناتو) للمتمردين الذين قتلوا القذافي ثم حولوا بلادهم الى سلسلة من الاقطاعيات الاسلامية التي يمكن ان يقتل فيها حتى سفير الولايات المتحدة – يحتمل انه انقذ سوريا. استمع الى ما قالته زعيمة الديموقراطيين في الكونغرس الاميركي نانسي بيلوسي الجمعة. "هذه ليست ليبيا. السوريون عندهم قدرة مضادة للطائرات تجعل الذهاب الى هناك تحدياً اكبر بكثير". هذا صحيح.

روبرت فيسك: دروس ليبيا انقذت سوريا مثلما انقذت ايران دروس العراق

نشرت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية، اليوم الاثنين، مقالاً لكبير مراسليها لشؤون الشرق الاوسط روبرت فيسك يقول فيه، ان هذا الاسبوع كان يفترض ان يكون اسبوع "تغيير في اللعب" في سوريا ولكن لماذا بقي كل شيء على حاله؟ وقال ان ان السلطان قلاوون كان معروفاً في القرن الـ13 بانه "قاهر الثوار"، مضيفاً ان نظيره في القرن الواحد والعشرين ربما كان ينتصر، ولكن الثوار ليسوا مقهورين. وهنا نص المقال:
"الشاعر العراقي (ابو الطيب) المتنبي - القائل "اذا رأيت نيوب الليث بارزةً، فلا تظنن ان الليث يبتسم" – قتل على يد شخص كان قد اساء اليه بهجوه في قصيدة. لذا فان الكتَاب الذين يعيشون في بلدان دكتاتورية شرق اوسطية تبنوا عموماً مواقف سياسية معتدلة كمواقف الشعراء في العصر التيودوري، مثل مواقف شيكسبير في تراجيدياته او الشاعر جون دن. ارو قصتك بالاستعارات.


نقش على جدار قلعة حلب

دائماً، عندما آتي الى سوريا، احمل معي دليل وورنك بول اللطيف عن الآثار القديمة، الذي نشر قبل نحو 20 سنة. وفي دمشق، بينما كنت اتأمل في طبيعة الاستبداد، لجأت الى الدليل بصورة طبيعية والى النقش الموجود على جدار قلعة حلب تمجيداً للسلطان قلاوون الذي حكم في القرن الثالث عشر (الميلادي). "حضرة السلطان الاعظم، الملك الاشرف، العالم، العادل، المظفر، المغوار، حامي الحدود، المنجد، الناصر، قاهر المرتدين...اسكندر عصره". ان دعاية حزب البعث السوري لا تستطيع التفوق على ذلك!.


ولكن بينما كنت اكتب هذه الكلمات في دمشق، تساءلت عن كيفية شعور الساكن في القصر الرئاسي في المدينة بعد مرور سنتين على حمام الدم العنيف عنف ذاك الذي عاش خلاله قلاوون. كان على السلطان ان يواجه اقتتالاً في العائلة – تماما كما تعين على والد بشار الاسد ان يفعل – ولكن كان امام الاخير شوط طويل قبل ان يكتسب تلك الالقاب الاخرى. واعداء بشار يمكن ان يعتبروه مرتداً (وهذا نعت طائفي، لان العلويين ليسوا مهرطقين) ولكن "قاهر المرتدين" لقب لم يستحقه الاسد بعد. ربما كان جيشه ينتصر في الوقت الحاضر، ولكن المتمردين لم "يقهروا". اما في ما يتعلق بـ"حامي الحدود"، فقد فقدت سوريا كل حدودها باستثناء نقطة حدودية واحدة مع تركيا.


فاين نقف الآن بالنسبة الى سوريا؟ ان ما حدث في ليبيا – اي دعم حلف شمال الاطلسي (ناتو) للمتمردين الذين قتلوا القذافي ثم حولوا بلادهم الى سلسلة من الاقطاعيات الاسلامية التي يمكن ان يقتل فيها حتى سفير الولايات المتحدة – يحتمل انه انقذ سوريا. استمع الى ما قالته زعيمة الديموقراطيين في الكونغرس الاميركي نانسي بيلوسي الجمعة. "هذه ليست ليبيا. السوريون عندهم قدرة مضادة للطائرات تجعل الذهاب الى هناك تحدياً اكبر بكثير". هذا صحيح.


الأسد وقلاوون

لقد نسي الصحافيون – ولكني اراهن على ان بيلوسي لم تنس – ان الطائرات الاميركية هاجمت القوات السورية في لبنان في ثمانينات القرن الماضي. واُسْقِطَت احدى قاذفات القنابل في سهل البقاع، وقتل احد طياريها واحتجز الآخر لاسابيع في دمشق الى ان قرر جيسي جاكسون "كسر حلقة العنف" والتوسل لدى الاسد الاب ليطلق سراحه. لذا، فان "ناتو" لن يقصف دبابات النظام السوري بالقنابل.


وبالطريقة نفسها الى حد كبير، من المحتمل ان العراق انقذ ايران من هجوم اميركي. صحيح ان القطريين والسعوديين يسلحون متمردي سوريا ولكن – بما يكفي فقط لمنع هزيمتهم من دون ان يكفي للسماح لهم بان يكسبوا. ويتساءل المرء: هل ينطبق الشيء نفسه على الروس وهم يعيدون تزويد سلاح الدبابات السوري؟


اذا كان قد تعين على السلطان قلاوون ان يهزم الصليبيين (الآتين) من الدول الكبرى في اوروبا ومن اعداء اقليميين مثل ايران، فان بشار الاسد امامه واشنطن والاتحاد الاوروبي، والكثير من ملوك الخليج المحليين وتشكيلة متنوعة من المتمردين ذوي المؤهلات الاسلامية المتنوعة.
وهذه المرة، تقف ايران الى جانبه.


ومع ذلك، فان التاريخ رفيق غريب. انظر الى السنتين الماضيتين. هل تذكر حالات الانشقاق الجماعي، والجيش السوري الحر وعشرات الآلاف الذين كان من المنتظر ان ينضموا الى صفوفه؟ انضم آلاف. ولكن لم ينضم عشرات الآلاف.


هل تذكر الجنرال مناف طلاس الذي انشق في تموز (يوليو) الماضي؟ متى سمعنا منه آخر مرة؟ انشق رئيس وزراء - وعين بديل له. كانت قوات الاسد تنهار في حلب او هكذا قيل لنا. لقد قال لي احد الجنرالات الحكوميين في آب (اغسطس) الماضي انه سيسترد الشوارع القريبة خلال 10 ايام. وهو لم يتمكن من ذلك حتى الآن. واذا استطاعت حلب ان تصمد، فلماذا لا تصمد دمشق؟.


انسوا الخطوط الحمراء

ثم هناك اسلحة سوريا الكيميائية. لقد حولت العناوين المخيفة في الاسبوع الماضي عن "الخط الاحمر" اوباما الى الملك لير ("سأفعل مثل هذه الاشياء – اما ما هي هي، فاني لا اعلم بعد...") بلغته المزدوجة كالعادة: "هذا سيكون (تطوراً) مغيراً للعب"، ولكنه ليس سوى "تقييم اولي". لذا انسوا الخطوط الحمراء.


لذا فليس هناك تغيير. سنتا حرب اخريان؟ ثلاث؟ ان التاريخ سيد قاس. اذ ان ذلك النقش الرائع ازيل نسفاً عن جدار قلعة حلب بمتفجرات المتمردين. هذا ما حصل لحامي الحدود وقاهر المتمردين".

التعليقات