05/10/2023 - 21:28

عشبة ستيفيا: من الاكتشاف إلى الانتشار العالميّ

لم يلفت هذا النبات انتباه العلماء إلّا في أواخر القرن التاسع عشر، في عام 1887، حيث انطلق عالم نبات سويسريّ يدعى مويسيس سانتياغو بيرتوني في رحلة استكشافيّة إلى باراجواي لدراسة النباتات في البلاد، وخلال أسفاره، التقى بيرتوني بشعب الغواراني واستخدامهم لنبتة

عشبة ستيفيا: من الاكتشاف إلى الانتشار العالميّ

(Getty)

في عالم يهيمن عليه السكّر والمحلّيّات الصناعيّة، وجدت عشبة ستيفيا كبديل طبيعيّ خال من السعرات الحراريّة، والّذي أحدث ثورة في عالم الطهي، ويعود تاريخ هذا النبات الّذي يعود موطنه الأصليّ إلى أمريكا الجنوبيّة، إلى قرون مضت، إلّا أنّه لم يحظ باعتراف عالميّ كبديل للسكّر إلّا في العقود الأخيرة.

وتبدأ قصّة ستيفيا في قلب أمريكا الجنوبيّة، حيث اكتشف شعب الغواراني الأصليّ في باراجواي والبرازيل لأوّل مرّة حلاوة النبات الرائعة. أطلقوا عليه اسم "ka'a he'e"، والّذي يترجم إلى "عشب حلو"، ولعدّة قرون، استخدمت قبائل الغوارانيّ أوراق ستيفيا لتحلية المشروبات والأطعمة، بما في ذلك شاي المتّة التقليديّ، وظلّت العشبة الحلوة سرًّا محفوظًا جيّدًا بين السكّان الأصليّين، مخفيًا عن بقيّة العالم.

وبدأت رحلة ستيفيا إلى الشهرة العالميّة عندما وصل الغزاة الإسبان إلى أمريكا الجنوبيّة في أوائل القرن السادس عشر، وتمّ تقديمهم إلى ستيفيا من قبل قبائل الغوارانيّ وأذهلتهم حلاوتها الطبيعيّة، ومع ذلك، ظلّ استخدام النبات محلّيًّا نسبيًّا لعدّة قرون، مع انتشار المعرفة المحدودة عنه خارج أمريكا الجنوبيّة.

لم يلفت هذا النبات انتباه العلماء إلّا في أواخر القرن التاسع عشر، في عام 1887، حيث انطلق عالم نبات سويسريّ يدعى مويسيس سانتياغو بيرتوني في رحلة استكشافيّة إلى باراجواي لدراسة النباتات في البلاد، وخلال أسفاره، التقى بيرتوني بشعب الغواراني واستخدامهم لنبتة ستيفيا، وإدراكًا لإمكاناته، أجرى بحثًا مكثّفًا حول ستيفيا، ووثّق حلاوته وخصائصه الفريدة.

ووضع عمل بيرتوني الأساس لمزيد من الاستكشاف العلميّ للستيفيا، وطوال القرن العشرين، بدأ الباحثون في كشف التركيب الكيميائيّ للنبات، وخاصّة مركباته الحلوة المعروفة باسم جليكوسيدات ستيفيول، وتمّ العثور على هذه الجليكوسيدات، بما في ذلك ستيفيوسيد وريباوديوسيد، أكثر حلاوة بمئات المرّات من السكروز (سكّر المائدة) بينما لا تحتوي على سعرات حراريّة، ممّا يجعل ستيفيا محلّيّ بديل جذّاب.

ومع تزايد الاعتراف بقدرات التحلية الّتي تتمتّع بها ستيفيا على نطاق واسع، بدأ السباق لتسويقها، حيث بدأت مستخلصات ستيفيا في الظهور في المكمّلات الغذائيّة والأغذية الصحّيّة في السبعينيّات، خاصّة في اليابان وباراجواي، حيث تمّت الموافقة عليها كمضافات غذائيّة. ومع ذلك، واجهت رحلتها إلى الشهرة العالميّة تحدّيات عديدة.

وفي الولايات المتّحدة وأوروبا، أدّت المخاوف بشأن سلامة ستيفيا إلى تأخير اعتمادها على نطاق واسع، وكان لدى الوكالات التنظيميّة، مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكيّة (FDA) والهيئة الأوروبّيّة لسلامة الأغذية (EFSA)، في البداية تحفّظات بشأن سلامة ستيفيا، وقد استغرق الأمر عدّة عقود من البحث والضغط من قبل الصناعة للحصول على الموافقة لاستخدام ستيفيا كمحلّيّ في هذه المناطق.

وجاءت نقطة التحوّل للاعتراف العالميّ بنبات ستيفيا في القرن الحادي والعشرين عندما بدأت تحظى بالقبول في الأسواق الرئيسيّة، بما في ذلك الولايات المتّحدة وأوروبا، وفي عام 2008، منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكيّة حالة "معترف به عمومًا كآمن" (GRAS) لبعض جليكوسيدات ستيفيول، ممّا يسمح باستخدامها كمضافات غذائيّة، وحذّت الهيئة الأوروبّيّة لسلامة الأغذية حذوها في أوروبا، وتمّت الموافقة على استخدام جليكوسيدات ستيفيول في الاتّحاد الأوروبّيّ في عام 2011.

وفتحت هذه الموافقة التنظيميّة الباب على مصراعيه لاعتماد ستيفيا على نطاق واسع في صناعة الأغذية والمشروبات، وبدأت شركات الأغذية والمشروبات الكبرى في دمج مستخلصات ستيفيا في منتجاتها لتزويد المستهلكين بخيار التحلية الطبيعيّ الخالي من السعرات الحراريّة، وبدأت المشروبات الغازيّة والمياه المنكّهة والزبادي وحتّى العلكة تضمّ ستيفيا في قوائم مكوّناتها.

وبصرف النظر عن حلاوته الطبيعيّة وطبيعته الخالية من السعرات الحراريّة، فإنّ ستيفيا تزخر أيضًا بفوائد صحّيّة محتملة، حيث لا يؤثّر على مستويات السكّر في الدم، ممّا يجعله خيارًا مناسبًا لمرضى السكّريّ، وعلاوة على ذلك، تمّت دراسة ستيفيا لخصائصها المضادّة للالتهابات ومضادّات الأكسدة المحتملة، ومع ذلك، من الضروريّ استهلاك ستيفيا باعتدال، لأنّ الاستخدام المفرط يمكن أن يؤدّي إلى طعم حلو بشكل مفرط وقد يؤثّر على إدراك النكهات الأخرى في الطعام.

واليوم، أصبح ستيفيا اسمًا مألوفًا في العديد من البلدان، وهو معروف بحلاوته الطبيعيّة وفوائده الصحّيّة المحتملة، حيث أصبح عنصرًا أساسيًّا في النظام الغذائيّ للأفراد الّذين يتطلّعون إلى تقليل تناولهم للسكّر وإدارة وزنهم، وقد نما سوق ستيفيا العالميّ بشكل ملحوظ، مع توفّر مجموعة واسعة من المنتجات القائمة على ستيفيا، بما في ذلك محلّيّات المائدة، وخليط الخبز، وحتّى الحلويّات الخالية من السكّر.

ويمتدّ تأثير ستيفيا إلى ما هو أبعد من صناعة الأغذية والمشروبات، حيث توفّر زراعتها فرصًا اقتصاديّة للمزارعين في دول مثل باراجواي والصين وكينيا، حيث تتمّ زراعة ستيفيا على نطاق تجاريّ، علاوة على ذلك، تتوافق شعبيّتها مع الطلب المتزايد للمستهلكين على خيارات غذائيّة أكثر صحّة واستدامة.

التعليقات