كلّه مكتوب: تحرّر حنان أبو الزلف من الزواج العنيف

حنان أبو الزّلف

بإرادة صلبة وعزم، وقفت الحكواتيّة حنان أبو الزلف على مسرح سينمانا في الناصرة، لتروي رحلة 14 عامًا من الحزن والألم، القوّة والأمل، منذ الطفولة حتّى الأمومة وما بعدها، حيث قدّمت عمل 'كلّه مكتوب'، من كتابتها وأدائها، متناولة تجربتها الشخصيّة، زوجةً وامرأةً تعرّضت للعنف والاغتصاب الزوجيّ والضغوطات الاجتماعيّة تحت مسمّيات مختلفة، كاشفة عن نموذج نسائيّ استطاع النجاة من واقع أليم.

العنف ضدّ المرأة وحياتها بعد الطلاق، ومفاهيم العيب والحرام التي لا يُفسّرها المجتمع المحافظ سوى بكلمة 'هيك!'، وقوّة المرأة وقدرتها على تغيير واقعها، والقسمة والمكتوب، كلّها مضامين عالجها العمل بجرأة، وقد اعتمدت أبو الزلف في تقديمه على أدائها فقط، إذ لم تستعن بأيّ موسيقى أو مؤثّرات فنّيّة وأضواء، وكأنّ صدق التجربة الذاتيّة كافية لجعل الحكايات جاذبة ومؤثّرة؛ وقد عمدت إلى تغيير بعض التفاصيل كي لا تكون الشخصيّات التي تعرضها مطابقة للواقع.

قسمة ونصيب؟!

'كلّه مكتوب'، عنوان يشير إلى إيمان المجتمع بـ 'القسمة والنصيب'، إذ أنّ كلّ شيء مقدّر سلفًا للإنسان، لا سيّما فيما يتعلّق بالزواج. تقول أبو الزلف في حديث خاصّ مع فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة، إنّه 'ما من شيء مكتوب، إذ نحن من نكتب سعادتنا وقدرنا، وقراراتنا هي التي تكتبنا وتحقّق الاختلاف في حياتنا، وليس الله، فالله لا يرضى بالظلم ولا يريد النساء معنّفات ومظلومات. الله يريدنا سعداء كي نستطيع متابعة مسيرتنا. الضربة التي لا تكسرنا تقوّينا، ومن الألم نصنع الأمل. يمكن للخير الإنسانيّ أن يتغلّب دائمًا على الشرّ والعنف والحرب.'

كُتب العرض بداية باللغة العبريّة وقُدّم للمجتمع اليهوديّ عشرات المرّات، بعدها تُرْجِمَ إلى العربيّة وعُرِضَ على عدد من المسارح العربيّة، وهو يُترجم إلى الإنجليزيّة حاليًّا، ليُعرض في الولايات المتّحدة، في إطار منحة حصلت عليها أبو الزلف، التي تأمل في أن يصل العرض إلى أكبر عدد ممكن من الأماكن، عسى أن يستطيع توعية المجتمع، ولو قليلًا.

'إنسانة عظيمة'

من سخنين إلى الناصرة، أتى باسل أبو ريّا، ليكون من بين رجال قلّة يحضرون العرض، في دلالة على تفاعل الرجال القليل مع عروض من هذا النوع في مجتمعنا، ذات مضامين نسويّة. وقد قال لفُسْحَة: 'لقد استطاع العرض إثارة عاصفة من المشاعر لديّ، لا سيّما مقدّمته. القضيّة التي يتناولها تهمّنا جميعًا، وهي ليست قضيّة المرأة وحدها، وعلى كلّ رجل أن يذوّت هذه المضامين في نفسه وفي أبنائه وبناته، فدون ذلك لن يتقدّم مجتمعنا ولن يحصل على أمنه واستقراره؛ على المرأة ألّا تصمت إزاء الظلم، بل عليها وضع حدّ له.'

أمّا كرستين صايغ، فقالت لفُسْحَة حول العرض: 'رسالة العرض مهمّة جدًّا ويجب أن تصل إلى كلّ امرأة في مجتمعنا، لا سيّما أنّ النساء غير واعيات تمامًا لحقوقهنّ، وأوّل حقّ من هذه الحقوق هو أن يُحترم كيان الأنثى وروحها، لا سيّما في إطار علاقتها الزوجيّة. لقد استطاعت حنان أبو الزلف تقديم رسالة لم أتعرّض لمثل قوّتها من قبل. هي إنسانة عظيمة فعلًا!'

وأضافت صايغ: 'من تنفصل عن زوجها بسبب تقييد حرّيّتها وظلمها ليست مطلّقة، بل منطلقة، منطلقة إلى الحرّيّة والكرامة والعدالة. تستطيع النساء المعنّفات جسديًّا ونفسيًّا واقتصاديًّا أن يتخلّصن من واقعهنّ وأن يفتحن بيتًا جديدًا لأسرهنّ، يعشن فيه سعيدات. المرأة هي من تختار مستقبلها، وثمّة جمعيّات ومؤسّسات مساعدة، وهي تستطيع العمل والتغلّب على جميع الصعوبات إن اختارت حرّيّتها وكرامتها.'

آمنة ياسين...

جاء العرض بعد يومين من حادثة قتل المغدورة آمنة ياسين وجنينها، ذي الأشهر التسعة، في طمرة بالجليل الفلسطينيّ، على يد زوجها الذي كان يعنّفها بشدّة. وكانت قد لجأت بسبب معاملته هذه إلى منزل عائلتها، لتعود إلى بيتها لاحقًا بعد تعهّدات ووعودات من زوجها بألّا يتعرّض لها بأيّ أذًى، فما كانت النتيجة سوى أن طعنها وتركها مضرجة بدمائها.

لم تنج ياسين من العنف، إلّا أنّ حنان أبو الزلف استطاعت أن تنجو وتتحدّى، وهو ما تنتظره آلاف النساء في مجتمعنا، اللواتي يتعرّضن للعنف على اختلاف أنواعه، الاقتصاديّ والجسديّ والنفسيّ، والذي قد يبدأ صغيرًا ومحدودًا، إلّا أنّه قد يتحوّل دون منظومة تحمي المرأة إلى القتل.

في ختام العرض، قدّم مدير سينمانا، محمّد بيطار، باقة ورد لحنان أبو الزلف، شاكرًا إيّاها على مشاركتها تجربتها مع جمهور سينمانا، فاتحًا المجال أمام الجمهور لمناقشة العمل مع صاحبته.