العائدون إلى الحيدرية... قصة من حلب

قبل أربعة أعوام، اضطرت كفاء برفقة زوجها، لمغادرة منزلها الواقع في شرق حلب، وعلى مدى الأيّام، لم تستطع الانتظار للعودة إلى منزلها، الذي وجدته حطامًا غير قابل للسكن.

العائدون إلى الحيدرية... قصة من حلب

قبل أربعة أعوام، اضطرت كفاء برفقة زوجها، لمغادرة منزلها الواقع في شرق حلب، وعلى مدى الأيّام، لم تستطع الانتظار للعودة إلى منزلها، الذي وجدته حطامًا غير قابل للسكن.

كانت عيناها تبرق أثناء حديثها عن العودة لمنزلها، وتتحدث بحماس خلال الرحلة التي استقلتها في باص حكومي متجه إلى حي الحيدريّة، أحد الأحياء التي تمكن النظام السوري من السيطرة عليه قبل أيّام. وفي الطريق إلى بيتها المنكوب قالت 'خرجت من منزلي منذ أربعة أعوام... وأشعر بفرحة غامرة'، وأضافت 'لم أنم منذ ثلاثة أيّام... سأزغرد عندما أصل وأرى منزلي سالمًا'.

عاد المئات إلى حلب. عادوا يستقلون الحافلات لتفقّد منازلهم التي هجروها، مع تقدّم قوات النظام خلال الأيّام السابقة.

وبينما كان سائق الباص يوزّع البطاقات على الركّاب، قالت كفاء 'سأعود للسكن في المنزل مهما كانت حالته، لقد تعبنا من الإيجار، واشتقنا لمنزلنا وأهلنا وجيراننا'.

ومثل الكثيرين، غادرت كفاء التي كانت تعمل مصففة شعر، مع زوجها في تموز/يوليو 2012، بعد اندلاع المعاركة في المدينة.

كان الزوجان قد انتقلا إلى حي السريان في حلب، واستأجرا غرفة مع منتفعاتها دون أن يأخذا معهما أيّا من أغراضهما الشخصية.

يقول الزوج 'تشردنا وعانينا من ارتفاع الإيجار وتكلفة المعيشة، نريد استعادة حياتنا الطبيعيّة مع العائلة والجيران'.

(أ.ف.ب)

الابتسامة لم تغب عن وجه الزوجين منذ انطلاقهما من غرب حلب، لكن ما أن اجتاز الباص حي بني زيد في الطريق إلى حي الحيدرية، تبدّلت ملامحهما عند رؤيتهما لحجم الدمار على جانبي الطريق.

صدمة بعد طول انتظار

بعد صمت استمر لدقائق، همس تاج الدين مراراً وهو ينظر إلى الأبنية المهدمة من نافذة الباص، 'حسبي الله ونعم الوكيل'. لم يسلم بناء واحد من دمار كلي أو من تصدع كامل أو من فجوات كبيرة في جدرانه.

لدى وصول إلحافلة الى دوار الجندول، راحت كفاء التي ارتدت معطفاً وغطت راسها بوشاح أسود، تستعيد ذكريات عزيزة على قلبها. فهنا كانت تتنزه مع زوجها قرب شلالات المياه التي كانت تزين الدوار، على حد قولها.

بينما كان زوجها يتجاذب أطراف الحديث مع راكب آخر، مشيرًا بإصبعه إلى معالم كانت مألوفة وغدت دمارًا.

مع الاقتراب من حي الحيدرية، بدأ صبر كفاء ينفذ وما كان منها إلا ان طلبت من زوجها إكمال الطريق سيرًا بين الأبنية المدمرة اختصارًا للوقت.

وبدت الصدمة واضحة على وجه الزوجين لدى وصولهما إلى المكان، واغرورقت عينا كفاء بالدموع: مبنى متصدع ونوافذ محطمة، زجاج متناثر وحجارة تسد مدخل المنزل الرئيسي، ما يعيق دخول الزوجين إلى بيتهما الذي اشتاقا إليه كثيرًا.

وكان الزوجان يقيمان في الطابق الارضي من مبنى من ثلاثة طوابق فيما والدا تاج الدين وشقيقه يسكنان في الطابقين الآخرين.

بحيرة وصدمة، تنقلت كفاء من نافذة إلى اخرى، محاولة الوقوف على رؤوس أصابع قدميها لتتمكن من رؤية محتويات منزلها المبعثرة.

واستعادت بحزن شديد كفاحها مع زوجها طيلة سنوات لبناء المنزل وتجهيزه. 'بنيناه حجرًا فوق حجر. حرمنا أنفسنا لشراء كل غرض فيه، حتى يكون لدينا براد وغسالة... الان لا شيء فيه والبيت مهدوم وغير قابل للسكن'.

وأخذت تردد باللهجة المحكية 'يا ربي دخيلك' قبل ان يقاطعها تاج الدين قائلًا 'الحمد لله على الصحة والعافية'.

وتذكرت كفاء حفلات كانت تقيمها في منزلها مع الأقارب 'على إيقاع البزق، وكنا نغني في السهرات'، مضيفةً 'عندما رأيت البيت بهذه الحالة، تذكرت كل تلك الامور الجميلة'.

وصمتت قليلاً قبل ان تسأل نفسها 'كم تعبنا حتى أصبح المنزل كذلك؟ كيف سنعيد البناء، كيف؟ وضع أقاربنا مماثل لوضعنا، من سيساعدنا؟'.

بعد أن مل الزوجان من معاينة منزلهما، جالا في الحي متفقدين منازل الجيران المدمرة بدورها.

على بعد أمتار، كان هيكل سيارة محترقة مركونًا الى جانب الرصيف.

قبل مغادرة الحي رغما عنها، تأسف كفاء كون كل ما عاشته في هذا المكان 'أصبح مجرد ذكرى'، لكنها تضيف 'الحمد لله على الأمن والأمان'.

 

التعليقات