رائدة؛ أم تواجه ألم الفقدان

قبل عام وثمانية أشهر فجعت رائدة حيدر-سالم بمقتل زوجها دون ذنب اقترفه، حضنت أبناءها وحمتهم من قسوة الحقيقة ودافعت عنهم بسلاح حضنها القويّ. المحكمة أدانت المتهم وحكمت عليه بمؤبدين لكن الظلم بفقدان زوجها المحبّ لا يعوّض

رائدة؛ أم تواجه ألم الفقدان

المرحوم سالم ورائد وثلاثة من الابناء قبل الجريمة

قبل عام وثمانية أشهر فجعت رائدة حيدر-سالم بمقتل زوجها دون ذنب اقترفه، حضنت أبناءها وحمتهم من قسوة الحقيقة ودافعت عنهم بسلاح حضنها القويّ. المحكمة أدانت المتهم وحكمت عليه بمؤبدين لكن الظلم بفقدان زوجها المحبّ لا يعوّض.

 

 

 

في الوقت الذي باتت عناوين جرائم القتل مألوفة يمرّ عليها الناس مترحّمين على الضحية غاضبين من انتشار العنف والجريمة ثمّ يقلّبون الصفحة، تعيش عائلات الضحايا المأساة كلّ يوم وتواجه ألم الفقدان وحتمية استمرار الحياة. رائدة حيدر-سالم فجعت قبل نحو عامٍ وثمانية أشهر بجريمة قتل زوجها سالم محسن (36 عامًا) برصاصات اخترقته دون ذنب اقترفه، حزنت عميقًا على فقدان شريك حياتها وبحثت عن مواطن القوة لترعى أبنائها الأربعة (نغم، 9 سنوات)، محمد (7 سنوات) والتوأمين (مجد ونغم 5 أعوام).

صدمة الأبناء بالحقيقة؛ حمل ثقيل زال
لم تحكِ رائدة لأبنائها تفاصيل الجريمة، قالت لهم إنّه توفي بحادث وأنه في الجنة الآن، لكن تداول المواقع الإخباريّة في الأيام الأخيرة لحيثيات الجريمة، بعد إدانة المتهم بالقتل، كشف الحقيقة أمام الأبناء فصدمتهم من جديد، كأنّه رحل عنهم في الأمس القريب.

"كان مِن الصعب عليّ أن أتحدث بتفاصيل بشعة ومؤذية عن المصيبة التي وقعت، لكنّ الحقيقة تكشفت أمام أبنائي، فأزيح عن قلبي حملٌ ثقيل، لم يكُن مِن السهلِ التعاطي معه، لكنّني أحسستُ مع أبنائي بالضياع، يوم تكشفت الصورة كاملة، لم أحُسن الإجابة، شوي شوي "رُقت، وبلشت أتعامل مع الأولاد"، وعُدت لأؤكد لهم أن يطمئنوا، فوالدهم راح ضحية، لكنه في الجنة مرتاحٌ بالحكم الصادر بحق قاتله".

"لن تصدقي كيف انفعلَ أبنائي، بكوا... نغم الكبيرة، التي تأثرت بشكلٍ خاص، رُبما لأنها الأكبر سنًا، انفعلت كثيرًا، قرأت الخبر في الصحيفة، ساعاتٍ طويلة، بعد انهيار الأبناء، حتى بدأوا باستيعاب القصة كاملةً. بعد معرفتهم بالتفاصيل، ومساعدة المربيات في المدرسة، وعلاجٍ نفسي، تجرأ محمد ووقف أمام الطلاب، وتحدث إلى الجميع عن والده وعما جرى، دون أن يعود فينهار، تحدثَ اليهم عن والده الضحية بحزنٍ وحسرة".

أن تواجهي الغياب...
"غياب سالم أتعبنا، موته صدمة كبيرة، رغم وقوفي على رجليْ، لكنني بيني وبين نفسي كثيرًا ما أكون ضعيفة، قوتي بالاستناد إلى الله والإيمان بأنّ سالم عاشَ ومات إنسانًا مُحِبًا للجميع" تقول رائدة، "في البداية لم اكن لأصدّق ما جرى، كنتُ أظن أنني في حلمٍ، ثم أصحو فجأة مِنه، ليتحول إلى كابوس، وكانت التساؤلات الكبيرة والمستمرة توجعني مِن أطفالي، فنغم تقف دومًا تحت صورته، وتُناجي والدها، وتحدثه بتفاصيل حياتها وتبكيه".

"أطفالي كانوا ينامون في حضني طوال الفترة الماضية، خوفًا على بعضهم البعض، وعلى غيابي، وأقسى ما كان يؤلمني عندما تمرُ الأعيادُ فيستذكر الأطفال والدهم، راغبين بأن يُعيّد معهم، هي فترةٌ مؤلمة، أوجعتنا جميعًا".

وتضيف: "صرتُ أخاف على أبنائي من كل شيء، لم أعد أشعر بالأمان، في الأشهر الأولى مِن رحيل سالم، كنتُ أخاف فتح الشبابيك أو الأبواب، اليوم، قررتُ أن أتغلب على خوفي، بالتحدي، واستمرار علاقاتي مع الناس، فالبكاء والبقاء في البيت لن يعيدا سالم، فأنا مُجبرة على العيشِ رغم الظروف القاسية".

"ساعدتني إحدى مديرات المدارس، التي أكِنُ لها كُل الود والاحترام، لأنها وقفت إلى جانبي، ورفعت معنوياتي، وجعلتني استغلُ شهادتي كمساعِدة صف أول وثاني، كي أساعد الطلاب دون مقابل، حتى قُمْتُ مِن مأساتي، مُجبرة، فمعي أربعةُ أطفالٍ بحاجةِ إلي، وكنتُ أستعيب بالمعاش الذي يصلني من التأمين الوطني، حتى تسير الحياة، في ظلِ الواجبات اليومية، وفي كُلِ صغيرة وكبيرة،  رغم فقدانِ سالم".

الظلم يبقى بعد الحكم
أدانت المحكمة، يوم الخميس الماضي 28.05.2012، بتشكيلة هيئة القضاة في المحكمة المركزية في مدينة حيفا المكونة من القاضي يوسيف اليرون والقاضي موشيه جلعاد والقاضي ابراهام الياكيم، صبيحة الأحد الماضي، المتهم عدنان سباعنة (52 عامًا) من سكان مدينة شفاعمرو بضلوعه في جريمة قتل أبناء العم فارس وسالم محسن من عبلين على خلفية نزاع بينهما، وحكمت عليه بمؤبدَين.

بعد الحكم، وجّهت رائدة كلامها لزوجها الراحل "حقك ما ضاع، الحق عمره ما بضيع"، ثمّ وجهته لي "الحكم لا يُعيد الأحباء الذين فقدناهم، لن يقدّم ولن يؤخِر في شيء، لكنه يشفي الغليل".

أخذت تبكي وتحكي "أحتاجُ بين فترةٍ وأخرى للبكاء، أشعرُ بظلمِ الحياةِ والمجتمع، ظلمتُ أنا وأبنائي وسالم، سالم لا يؤذي نملة، لماذا يُقتل؟!، لم يكن له أيُ خلفياتِ، سالم، أصلاً، علاقاته محدودة جدًا من البيت للشغل، ومِن الشغل للبيت، أبعد مكانِ يزوره بيت أشقائه، وإذا أراد أن يخرُج، يأخذ أبنائي الأربعة ويتجول بهم في السيارة، ليس له علاقاتٍ خارج حدود الأسرة، لذا جاءَ خبر وفاته كالصاعقة".

تقول: "لن تتصوري حجم الظلم الذي أشعرُ بِه، وما وصلنا اليه من وضعٍ خطر، إننا مجتمعٌ مخيف، رهيب، صارَ السلاح كالأكل والشرب، في متناول الأيدي، ذلك القاتل الذي لا يفكر بعائلته ولا بوالديه، ثم يُنهي حياة أناسٍ أبرياء، لا ذنب لهم. القتلة لا يفكرون إلا بأنفسهم، ويتحكمون بمصائر البشر، آنَ لهؤلاء أن ينالوا جزائهم".

"أما أنا" تختم رائدة بالقول "فأحمي أولادي بكل قوتي، ليس لدي سلاح، والسلاحُ أصلاً، ليس الحل الوحيد كي أدافع عن أعز ما في حياتي، فرفعُ السلاحِ مصيبة، ولا شيء في الدنيا يستحق أن نظلم ونقتل البشر.. فمثل سالم خسارة أن يذهب، آخر شخصٌ توقعنا أن نخسره، إنه لا يستحق هذه النهاية، لو أنه توفي بصورة طبيعية، لاكتفيتُ بحمد الله، ولو كان قد توفي نتيجة المرض، لحمدت الله، واكتفيتُ بالترحم عليه، لكن أن يموت بهذه الصورة البشعة، فإني أقول بأعلى صوتي "الله أكبر ع الظلم"، كلُ من عرف سالم، يعرف كم هو إنسانٌ يستحقُ الحياة".

ما زلنا نجلس قرب النافذة ونضحك..!
"لعلّ تفاصيل سعيدة كثيرة تُطلُ عليّ بين فترةٍ وأخرى، تجعلني ابتسِم لِسالم، الذي أحبّ أطفاله وأحبني، حينَ نجلس قرب النافذة، في صالون البيت، نتناقل الأحاديث، يضحك من كل قلبه، هي اللحظات التي أشعر أنني لا زلتُ أحياها، مَع سالم، دون أن يشعُر بِهِ أحد سوايْ، هي لحظاتٌ حلوة، لن تُمحى من ذاكرتي، إنه الإنسان المُحب، المخلص، الذي لا يُعَوّض".

_______________________________________________________________________________

الجـــــريــمــــــة 

خلاف على ديْن و"اصطياد" في الطريق إلى العمل
(بحسب لائحة الاتهام)
التقى المتهم المُدان عدنان سباعنة (52 عامًا، من شفاعمرو) في يوم 23.10.10، مع الشاب المرحوم فارس محسن (34 عامًا) وشقيقه خير، في قطعة أرض في عبلين تعود ملكيتها للمتهم، وطالبه فارس بإعادة مبلغ من المال كان مديناً له به، الأمر الذي تسبب بنشوب خلاف ونزاع كلامي بين الطرفين، قام خلاله المرحوم فارس بالاستيلاء على مفاتيح سيارة سباعنة، وقال له إنه لن يعيد له المفاتيح إلا عندما يسدّد له الديْن، مما دفع السباعنة لتهديد فارس عندما قال له: "ستدفع ثمن أعمالك باهظاً".


حاز سباعنة، بعد هذا الشجار، على مسدس بقطر 9 مم، وفي تاريخ 28.10.10، أي بعد مرور أيام عديدة فقط، وصل المتهم الى اعبلين بسيارته، التي أزال عنها لوحات الترخيص واللاصقات التي تحمل اسم مصلحته عنها، وبحوزته المسدس، وتوقف عند مفترق اعبلين في الطريق التي يسلكها المرحوم فارس في طريقه إلى عمله يوميًا، ولدى وصوله برفقة ابن عمه سالم إلى المفترق المذكور، قطع سباعنة الطريق عليهما وترجّل من سيارته وأطلق عددًا من العيارات النارية صوب فارس، ورصاصات أخرى على سالم الأمر الذي ادى إلى مقتلهما على الفور.

يذكر أنّه خلال جلسات المداولة والتحقيق في القضية، نفى المتهم أي علاقة له في الجريمة المذكورة، وانه وصل الى عبلين يوم 28.10.10، وحتى انه حمل سلاحًا، كما نفى مجرد الفكرة لقتل فارس محسن، وحتى سالم ابن عمه!

التعليقات