"نوف هجليل": ردُّ الالتماس نقطة انطلاق لإقامة مدرسة عربية

أعلن الملتمسون في قضية إقامة مدرسة عربية في مدينة "نوف هجليل" أنهم لن يستسلموا لقرار المحكمة العليا الإسرائيلية التي ردت التماسهم قبل أيام، وأكدوا أن المدرسة ستقام عاجلا أم آجلا، داعين إلى ضرورة التحرك الشعبي والجماهيري.

بلدية "نوف هجليل" (عرب 48)

أعلن الملتمسون في قضية إقامة مدرسة عربية في مدينة "نوف هجليل" أنهم لن يستسلموا لقرار المحكمة العليا الإسرائيلية التي ردت التماسهم قبل أيام، وأكدوا أن المدرسة ستقام عاجلا أم آجلا، داعين إلى ضرورة التحرك الشعبي والجماهيري وألا يقتصر نضالهم المستمر منذ أكثر من ثماني سنوات على المسار القضائي فحسب، بل ممارسة الضغط على البلدية من خلال وقفات احتجاجية والتوجه برسائل إلى المسؤولين في البلدية.

وكانت المحكمة العليا قد ردت، الأسبوع الماضي، التماسا تقدمت به جمعية حقوق المواطن باسم عدد من أهالي الطلاب في مدينة نوف هجليل (نتسيرت عيليت) سابقا، من أجل إقامة مدرسة عربية في المدينة المختلطة التي يشكل العرب ثلث سكانها.

ثلث المواطنين في نوف هجليل عرب لا تتوفر مدرسة لأولادهم في المدينة (عرب 48)

وعلى الرغم من قيام أعلى سلطة قضائية في إسرائيل، برد الالتماس إلا أن "حلم" إقامة المدرسة العربية لم يتبدد، خاصة أن القرار في جوهره لم يقتصر على رفض الالتماس فحسب، بل ينص على إلزام البلدية ووزارة التربية والتعليم توفير إطار أو مؤسسة تعليمية تدرس الطلاب العرب بلغتهم.

"ليس نهاية الطريق"

وقال أحد الملتمسين، رشدي سلايمة، لـ"عرب 48" إن "رد الالتماس ليس نهاية الطريق بالنسبة لنا، هو دون شك قرار عنصري ينسجم مع هذه الفترة التي تتفشى العنصرية فيها بالبلاد، لذلك لم نكن نستبعد مثل هذا القرار رغم التوجه الإيجابي الذي لمسناه في المحكمة منذ بدء المسار القضائي".

رشدي سلايمة

وأضاف أن "المحكمة عقدت بهيئة ثلاثة قضاة، بينهم قاضية قررت الشروع ببناء مدرسة عربية فورا، لا بل إنها في الجلسة الأخيرة طلبت من البلدية الشروع بتسجيل الطلاب ليلتحقوا بالسنة الدراسية المقبلة، بينما كانت هناك تحفظات لدى أحد القضاة، فيما رفض القاضي الثالث إقامة المدرسة، وبالتالي جاء القرار برفض الالتماس، لكن الجانب الإيجابي في القرار والذي يهمنا هو إلزام بلدية نوف هجليل بالعمل على إيجاد إطار تعليمي للطلاب العرب الذين يرغبون بتلقي التعليم في المدينة باللغة العربية".

وأشار سلايمة إلى أنه "مع بدء التسجيل للتعليم للمرحلة الابتدائية يتوجه الطلاب عادة إلى البلدية بهدف الحصول على نموذج يتيح لهم إمكانية التعليم خارج حدود المدينة (أي في مدارس مدينة الناصرة أو قرية الرينة المجاورة) وجاء قرار المحكمة الأخير ليلزم البلدية بتوجيه سؤال لكل طالب عند التسجيل وهو ‘لو أتيحت لك إمكانية التعليم باللغة العربية في مدينتك (نوف هجليل) هل ستوافق؟’ فإذا كان الجواب نعم فإن هذا الأمر يلزم البلدية بفتح صفوف أو مدرسة للطلاب العرب، فهي حسب قرار العليا ملزمة بتوفير هذا الإطار التعليمي".

وأكد أنه "سيعقد اجتماع بين الملتمسين وبين أعضاء البلدية من القائمة المشتركة، قريبا، للتنسيق ودراسة ديناميكية تنفيذ هذا القرار والخطوات المستقبلية".

واعتبر سلايمة أن "القضية أخذت اتجاهين مختلفين، أحدهما واضح المعالم والآخر مبطّن وغير واضح. الاتجاه الأول هو الاستبيان الذي أجرته البلدية في أوساط المواطنين العرب للكشف عن رغبتهم الحقيقية في إقامة مدرسة عربية والحصول على التعليم في المدينة، أي فحص العرض والطلب. والبلدية تدّعي أنه في الواقع لا توجد مطالبة حقيقية من قبل الأهالي بإقامة مدرسة عربية نظرا إلى أن 87% من الطلاب العرب في نوف هجليل تسجلوا في مدارس أهلية بالناصرة والرينة، لكن القضية المبطنة هي امتناع المحكمة عن تسجيل سابقة قضائية ببناء مدرسة عربية في مدينة إسرائيلية صهيونية، خشية أن تتبعها كرميئيل أو العفولة أو المدن التي فيها تواجد عربي بارز. أعتقد أن الأساس هو خوفهم من تسجيل سابقة قضائية وهو ما حال دون قبول الالتماس".

وختم سلايمة بالقول إنه "لن نرفع أيدينا. نضالنا مستمر منذ ثماني سنوات، وسنجتمع خلال الأسبوع الجاري مع المحامي من جمعية حقوق المواطن والقائمة المشتركة لطرح أفكار جديدة تقربنا من تحقيق الهدف".

"نقطة انطلاق"

وقال عضو بلدية "نوف هجليل" وأول المطالبين بإقامة مدرسة عربية في المدينة، د. رائد غطاس، لـ"عرب 48" إن "بناء مدرسة عربية في مدينة نتسيرت عيليت قبل أن تصبح نوف هجليل، كان في مقدمة سلم أولوياتنا في العام 2008 حينما تم تشكيل القائمة العربية المشتركة في المدينة. اتبعنا مسارين متوازيين لإقامة المدرسة العربية، المسار الجماهيري الشعبي المدعوم من قبل أعضاء البلدية العرب، ولاحقا دخل المسار القضائي الذي تبنّته جمعية حقوق المواطن وقدمت التماسا باسم بعض الأهالي وقد استغرق هذا المسار عدة سنوات، بدأ في زمن رئيس البلدية السابق شمعون غابسو، صاحب مقولة ‘على جثتي لن تقوم مدرسة عربية’. منذ تلك الفترة حدثت تغييرات كثيرة في البلدية وجاء رئيس مؤقت إلى حين انتخاب الرئيس الجديد، رونين بلوط، الذي لمسنا في بداية فترته أنه مستعد للتجاوب مع طلب الأهالي في الوقت الذي استمر فيه المسار القضائي".

رائد غطاس

وأشار إلى أنه "نحن ككتلة في البلدية فضلنا دائما المسار البلدي، وأن يصدر قرار إقامة المدرسة العربية عن البلدية. خلال هذه الفترة جرت نقاشات في البلدية وفي أروقة المحاكم لبحث الالتماس، وكنا نصرّ دائما على حق التلاميذ في التعليم بمدينتهم وبلغتهم، وحصلنا على موافقة من رئيس البلدية على هذا المطلب، وهذه العبارة تحديدا ووعد البلدية هما سبب الإلزام الذي فرضته العليا في قرارها الأخير على البلدية بتوفير التعليم باللغة العربية للطلاب العرب".

وأضاف غطاس أن "هناك من يتهمنا بأننا وافقنا على رد الالتماس في المحكمة المركزية، قبل التوجه إلى العليا، لكن في الواقع نحن وافقنا في حينه على رد الالتماس بناء على تعهد البلدية بتوفير حل يقضي بإقامة مؤسسة تربوية للطلاب العرب بلغتهم وفي مدينتهم. صحيح أن المسار القضائي انتهى، لكنه يجب أن يشكل نقطة انطلاق لنا في المسارين البلدي والشعبي، ونحن ندعو الأهالي لمطالبة البلدية بإقامة مدرسة عربية لتفنيد ودحض ما تتذرع به البلدية وتدعي بأن الطلاب العرب لا يرغبون بالتعلم في نوف هجليل ويفضلون المدارس الأهلية في الناصرة والرينة".

تجدر الإشارة هنا إلى أن عدد الطلاب العرب في نوف هجليل نحو 2500 طالب، 80% منهم يتعلمون في المدارس الأهلية بالناصرة و10% في المدارس الرسمية (الحكومية) في الناصرة، و10% فقط في المدارس اليهودية في نوف هجليل.

وختم غطاس بالقول إنه "لكي تتوقف بلدية نوف هجليل عن الادعاء بأن الطلاب العرب الذين يتعلمون في المدارس الأهلية ونسبتهم 80% لا يرغبون بالتعليم في مدارس المدينة يتوجب على الأهل الذين يصلون إلى البلدية للحصول على نموذج التعليم خارج المدينة أن يقولوا إنهم يرغبون بالتعلم في مدرسة عربية في نوف هجليل لو توفرت لهم هذه الإمكانية، أو أن يبعثوا برسائل إلى البلدية يطالبون فيها بتوفير التعليم باللغة العربية لأبنائهم في مدينتهم، وأن يبعثوا نسخا عنها إلى أعضاء البلدية وإلى الرئيس أيضا، من أجل تفعيل ضغط شعبي على البلدية. التحرك من قبل الأهالي ضروري ومهم جدا، وليس حصر الموضوع في المسار القضائي، بل أدعوهم أيضا إلى رفع شعارات وعقد اجتماعات مع المسؤولين وألا تقتصر المطالبة على الملتمسين".

"مطلب حق"

وقالت إحدى الملتمسات من سكان نوف هجليل، المحامية راوية حندقلو، لـ"عرب 48" إن "إقامة مدرسة عربية في نوف هجليل ليس حلما إنما هو مطلب حق وحاجة ماسة لطلابنا وأولادنا، والنضال في سبيل تحقيق هذه الغاية مستمر منذ سنوات طويلة، ومجموعة الملتمسين الحالية هي من أمسك بزمام المبادرة وباشرت بالمسار القانوني".

وعن قرار المحكمة العليا، قالت المحامية حندقلو، إن "قرار رفض الالتماس من قبل المحكمة له وجهان، الأول هو السلبي والذي يفهم منه أنه في السنة القادمة لن تكون هناك مدرسة عربية في نوف هجليل، والجانب الآخر هو المتفائل الذي يعترف بحق الطلاب العرب في أن يتعلموا بلغتهم وعلى وزارة التربية والتعليم والبلدية توفير الحلول للواقع الراهن، ويلزم القرار البلدية باستفتاء الطلاب لدى توجههم للتسجيل بالسؤال عما إذا كانوا يفضلون تلقي التعليم في إطار تعليمي عربي بمدينتهم. لا ندري إذا كانت البلدية ستطبق هذا الشرط أم تتجاهله!".

راوية حندقلو

وأكدت أنه "عاجلا أم آجلا ستكون هناك مدرسة عربية في نوف هجليل. نحن الأهالي اجتمعنا وناقشنا القرار والخطوات المستقبلية، نحن مستمرون".

وانتقدت المحامية حندقلو موقف أعضاء البلدية العرب بالقول إن "موقفهم لم يكن واضحا ومفهوما، وكانت هناك إجراءات بدت ظاهريا أنها مهنية ولا أريد هنا الخوض في السياسة، ولكن أقول إننا حين نختار ممثلين لنا في مؤسسات وهيئات اتخاذ القرار يفترض منهم أن يلعبوا اللعبة السياسية وأن يمثلوا مصالحنا الجماهيرية والمطلبية وليس المصالح السياسية الضيقة. قُدم اقتراح من البلدية لإطار تربوي يتعلم فيه الطالب العربي في المدرسة اليهودية دروس اللغة العربية في شعبة خاصة، وكذلك الطالب الروسي، ولكنني أرى في هذا الاقتراح استهتارا بكوننا أقلية إثنية موجودة في مدينة مختلطة، فضلا عن أن هناك تبعات لموضوع اللغة، فالأمر لا يتوقف عند درس باللغة العربية وإنما من تبعات اللغة العربية التربية والحضارة والثقافة والهوية العربية، والإنسان حين يتحدث بلغته فهذا حق بديهي له تنص عليه كل المواثيق الدولية، لذلك نحن مستمرون ولن نقبل بأنصاف حلول، وإنما بحل شمولي يعطي لنا كأهال حرية اختيار الإطار التعليمي المناسب لأبنائنا".

وعن الاستبيان الذي أجرته بلدية نوف هجليل، واعتمدته المحكمة العليا، قالت حندقلو إنه "استبيان فاشل أرسلت الاستمارات بواسطة البريد على أن تتم تعبئته وإرساله مرة أخرى بالبريد، وهو ما حال دون نجاح الاستبيان، فضلا عن أن الاستبيان يحمل تهديدا مبطنا من قبل البلدية لمن يؤيدون إقامة مدرسة عربية بحرمانهم من رسوم السفر وغير ذلك".

ولفتت إلى أن "جزءا من معارضة البلدية لإقامة مدرسة عربية في المدينة يعود إلى خوفها من نشوء نسيج اجتماعي بين سكان نوف هجليل العرب، فالمدينة فعلا تستقطب أفرادا من العرب القادمين إليها من مناطق مختلفة ومستويات مختلفة، لكن لا يجمعهم نسيج اجتماعي".

مطلب العرب في نوف هجليل إقامة مدرسة لأولادهم بلغتهم (عرب 48)

وختمت حندقلو بالقول إن "مدرسة عربية لن تكون فقط إطارا تعليميا باللغة العربية وإنما ستساهم في خلق نسيج اجتماعي وتقارب وبناء علاقات اجتماعية وتواصل بين أهالي الطلاب، فنحن اليوم لا نعرف بعضنا البعض وليس بيننا أشياء مشتركة، وربما هذا ما تخشاه البلدية".

التعليقات