31/10/2010 - 11:02

أهميّة الملتقى العربي لحّق العودة../ رشاد أبوشاور

أهميّة الملتقى العربي لحّق العودة../ رشاد أبوشاور
بمناسبة الذكرى الستين للنكبة، والذكرى الستين لإصدار القرار 194 القاضي بحّق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم التي شرّدوا عنها، والذكرى الستين للإعلان الدولي لحقوق الإنسان الذي يصون حقوق البشر في العيش على أرضهم، ويضمن حّق العودة لمن طردوا من وطنهم قسرا وقهرا، سينعقد في دمشق يومي 23 و24 تشرين ثاني الجاري، وبدعوة من عدّة جهات حزبيّة ونقابيّة عربيّة، يتقدمها المؤتمر القومي العربي، ومؤتمر الأحزاب العربيّة، ملتقى عربي وعالمي، تحضره مئات الشخصيّات الناشطة المعروفة بمصداقية ونزاهة مواقفها تجاه القضيّة الفلسطينيّة، وحّق شعب فلسطين غير القابل للتصرّف، والرافضة للمساومة على حّق العودة.

يأتي هذا الملتقى في مواجهة محاولات التنازل عن حّق العودة، عربيّا رسميّا، وبتواطؤ من أشخاص فلسطينيين استمرأوا عقد الصفقات واللقاءات، والاتفاقات، من وراء ظهر الشعب الفلسطيني، في جنيف، وكوبنهاغن، وأبدوا الاستعداد لتمويت حّق العودة، وتمييع مفهومة، وتبديد جوهره.

الملتقى يعيد القضيّة الفلسطينيّة إلى عروبتها، بعد أن مسخها الخطاب الإقليمي، وادعاءات تخليصها من هيمنة الرسميّات العربيّة، في الوقت الذي يتحالف أصحاب هذا الخطاب مع الجهات الرسميّة العربيّة التي ترتبط مع الكيان الصهيوني بما سمّي اتفاقات السلام، وبعلاقات دبلوماسية مفضوحة، وبصلات تبرّر بادعاء الحرص على الحّق الفلسطيني، وها هي تتوّج بلقاءات ظاهرها ديني وجوهرها كفر بحقوق الأمّة، وبمقدساتها، واستجابة للإملاءات الأمريكيّة، وحرصا على المصلحة في دوام وتوارث الحكم والاستبداد برقاب الناس.

انعقاد هذا المؤتمر العربي والدولي، يعني حضور مئات المناضلين العرب من كافة الأقطار العربيّة، ومن المهاجر والشتات والمغتربات، ورفع الصوت بأن فلسطين لا يمكن إلاّ أن تكون قضيّة قوميّة، بل القضيّة العربيّة الأولى بامتياز، والتي يفترض أن تحشد لها كافة طاقات الأمّة، في مواجهة كّل أعدائها الداخليين والخارجيين المتحالفين، والذين يواصلون التآمر على فلسطين، والذين دمّروا العراق، وانحازوا ضد المقاومة في لبنان، ويصعّدون الخطاب الطائفي الزائف باتجاه إيران - التي لا تخفى علينا أخطاؤها في العراق، ومن قبل احتلالها للجزر العربيّة التي تعود لدولة الإمارات العربيّة - حرفا للمعركة عن الوجهة الصحيحة: الكيان الصهيوني، والاحتلال الأمريكي...

يأتي هذا اللقاء في دمشق بعد العدوان الأمريكي الآثم على قرية (السُكريّة) قرب (البوكمال)، وقتل عدد من المواطنين السوريين، بهدف إخافة دمشق وتركيعها، ناهيك عن تبرير بقاء قوّات الاحتلال الأمريكي في العراق، وفرض الاتفاقيّة الأمنيّة الأمريكيّة التي تقونن الاحتلال ونهب ثروات العرق، وتشرعن جعل العراق منطلقا للعدوان على أي بلد يرفع رأسه، ولا ينصاع للأوامر الأمريكيّة ( الإسرائيليّة) المشتركة وهيمنتها في المنطقة.

من دمشق سيصدر عن الملتقى في ختام أعماله ( إعلان دمشق لحّق العودة)، وستكون الوثيقة بمثابة عهد، وميثاق، ونهج عمل، وبرنامج مواجهة عربي شعبي، وترسيخا للبناء المتين للعلاقة بين العربي وفلسطين، وعودة لخطاب فلسطين القومي العربي، وإعلاء لثقافة المقاومة الشعبيّة في مواجهة ثقافة الاستسلام والعجز واليأس و(الواقعيّة) التي تبرّر التنازل عن حقوقنا.

حّق العودة لا يعني حّق عودة الفلسطيني لوطنه حسب، ولكنه أيضا عودة الوطن الفلسطيني لشعبه، فالفلسطيني لا يطالب بالعودة للعيش تحت الاحتلال، فالعودة لا تكون بأي ثمن، فالفلسطينيون يناضلون ليعودوا أحرارا لا عبيدا، في وطن حّر سيّد، كما هو شأن كل الأوطان والشعوب.

هذا الملتقى هو تصحيح للعلاقة بين فلسطين والعروبة، بين قلب الوطن العربي وجسد الأمة مشرقا ومغربا، فاستقلاليّة القرار الفلسطيني الموهومة، وعلى مدى عقدين وأكثر فصمت العلاقة بالجماهير العربيّة، ومكّنت نظم حكم عربيّة من اللعب بالقضيّة وبحجّة دعم الأشقاء الفلسطينيين، والتنصّل من القضيّة بوضعها على كاهل الفلسطينيين وحدهم، وهذا ما برّر السباق على نسج علاقات مع الكيان الصهيوني( للمساعدة في دفع عمليّة السلام).

خطاب الإقليميّات العربيّة، من مصر إلى موريتانيا، عزل الشعب الفلسطيني، وحاصر نضاله، ودفع به ليكون مكشوفا وعاريا ووحيدا تحت ضربات العدو الصهيوني وحليفه الأمريكي.
هذا الخطاب الانتهازي الفاجر رفع في وجه المناضلين القوميين في كل قُطر عربي، مع مقولة مضللة: أأنتم فلسطينيّون أكثر من الفلسطينيين!

هذا الخطاب أوجد مناخا لظهور فلسطينيين ضعاف الإيمان، وصوليين، أرهقهم طول ومشقّة الطريق إلى فلسطين، فحسبوها واختاروا مكاسب الشهرة والمال والقبول حتى من العدو، وتخلّوا عن الحّق الفلسطيني، وعن دماء الشهداء والجرحى وأنين الأسرى، فاحتضنتهم نظم حكم روّجت لهم على إنهم يمثلون شعب فلسطين، وحاصرت الشرفاء المشهود لهم، فهل هناك تزييف وتزوير وتدخل في الشأن الفلسطيني أفدح ضررا من هذا التدخّل، ومن هذه الوصاية ؟!

حدث هذا، ويحدث، في غيبة الجماهير العربيّة، وعزلة ووحشة مسيرة شعبنا الفلسطيني المستفرد به من أعداء الأمّة.

هذا الملتقى العربي سيضّم شخصيّات فلسطينيّة لا بصفتها راعية للملتقى، أو مشرفة ووصية عليه، ولكن باعتبارها شخصيّات عربيّة ولادتها فلسطينيّة، وهذه الولادة ليست هي التي تمنحها قدرها وقيمتها، ولكنه نضالها وكفاحها واستقامة مسيرتها.

دعوة عدد كبير من الشخصيات الأجنبيّة القانونيّة والفكريّة لحضور الملتقى يعيد للقضية الفلسطينيّة وهجها العالمي الذي خبا، ويمنح حّق العودة بعد الإنساني العالمي، ويجدد خطاب رفض اقتلاع شعب من أرضه بحجّة وعد التوراة، وخطاب الأساطير والخرافات الذي ينافي حقائق التاريخ والجغرافيا، ناهيك عن العقل والمنطق.

إذا وجد هذا الملتقى من يدعمه ماديّا، فإن أعدادا كبيرة من الشخصيّات العربيّة المحترمة، وذات القيمة فكريّا وثقافيّا ووطنيّا، يمكن أن تحضر، وتضيف إلى الحشد الكبير المتوقّع، وهذا ما سيضيف للملتقى أهميّةً وثقلاً.

كثير من المناضلين العرب سيحجمون عن الحضور بسبب من ظروفهم الماديّة، فالسفر بالطائرة مكلف خاصة للقادمين من بلدان عربيّة بعيدة، والإقامة في الفنادق حتى مع تخفيض الأسعار بتدخل من الجهة المشرفة على المؤتمر مكلفة أيضا.

إن ثريّا عربيّا ( وطنيّا) واحدا يمكن أن يغطّي ( كّل ) تكاليف الملتقى - ونحن هنا لا نتحدث عن المضاربين بالبورصات العالميّة الذين خسروا المليارات، والجاهزين لضّخ المليارات لإنقاذ اقتصاديات أمريكا وبريطانيا _ تعبيرا عن انتماء لفلسطين، ولأمته، ولمن يجودون بدمهم على ثرى فلسطين، ومن يموتون من حصار عربي قبل أن يكون حصارا صهيونيّا أمريكيّا.

القائمون على المؤتمر وضعوا العناوين الإلكترونيّة وأرقام الهواتف والفاكسات، التي تضمن التواصل لمن يستفسر، أو يريد التبرّع والدعم لملتقى سيحضره مئات المشاركين عربا وأجانب...

موسكوفيتش الصهيوني الأمريكي يدير عدّة أندية قمار في لاس فيجاس، ويحضر كّل عام ومعه مئات الملايين من الدولارات، دعما لمشاريع الاستيطان، باذلاً جهودا محمومةً لشراء أراضي الفلسطينيين وبيوتهم في القدس تحديدا!.

أين أثرياء فلسطين والعرب.. الشرفاء؟! بمقدورهم التبرّع دون إعلان حتى لا تشّن عليهم حملات صهيونيّة أمريكيّة، مع إن حّق العودة مقّر في الأمم المتحدة، ودعمه عمل شرعي، ناهيك عن إنه وطني وإنساني وأخلاقي!

الملتقى العربي الدولي لحّق العودة حدث يجيء في وقته، وفي مكانه، ليكون وقفة ينطلق منها خطاب غُيّب طويلاً، خطاب هو خطاب عروبة فلسطين، والوقوف بالمرصاد لكّل من ينوي التلاعب بحّق العودة الذي يختصر كّل جوانب الصراع...

التعليقات