31/10/2010 - 11:02

الأمن مقابل التفاوض والانقسام مقابل الكلام../ د.جمال زحالقة

الأمن مقابل التفاوض والانقسام مقابل الكلام../ د.جمال زحالقة
كثُرَ الحديث في الأسابيع الأخيرة عن مسألة النجاح والفشل في لقاء أنابوليس، ولو أنّ هذه الثنائية لا تصحّ في هذا السياق، لسبب بسيط وهو أنّ هذا اللقاء لا يمكن أن ينجح إذا نظرنا إليه بمنظار السلام العادل والحقوق التاريخية لشعب فلسطين. فنجاحه فشل وفشله فشل. آخذاً بعين الاعتبار تعنت الموقف الإسرائيلي والأمريكي، فإنّ الإمكانية الوحيدة لما يسمونه نجاحاً هو تمرير إملاءات أمريكا وإسرائيل وتنازل عن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني. أما في حال الفشل فستجري التغطية عليه بأكوام من الخدع الإعلامية وبثّ الأوهام الكاذبة، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر على مصير القضية الفلسطينية.

بعيدا عن التكهنات وثنائية الفشل والنجاح، وقريباً من مجريات الأمور في الواقع، فإنّ هناك صفقة واضحة المعالم، جرى الاتفاق عليها قبل حفلة أنابوليس، ولا يستطيع أحد إنكارها. هذه الصفقة هي باختصار: الأمن والانقسام في مقابل التفاوض والكلام. إسرائيل أصرّت والسلطة الفلسطينية التزمت بالمحافظة على أمن إسرائيل من خلال تطبيق المرحلة الأولى من خارطة الطريق، بلا تغيير أو تحفظات. هذا شرط إسرائيلي للتفاوض ويكاد يتحول إلى شرط فلسطيني أيضاً.

الخلاف الوحيد في هذه القضية هو أنّ إسرائيل تريد أن تحتفظ لنفسها بحق الحكم على مدى التزام الطرف الفلسطيني بالمحافظة على أمنها، وتقترح في هذا السياق مُحّكماً واحداً ووحيداً هو صديقتها وحليفتها الولايات المتحدة، أما المفاوض الفلسطيني فيقترح تسليم الحكم على تطبيق الالتزامات الأمنية إلى لجنة ثلاثية أمريكية-إسرائيلية-فلسطينية.

في كل الأحوال، إسرائيل تدّعي أنّ الفلسطينيين مُقصّرون، وتطلب منهم المزيد، وباب الابتزاز الإسرائيلي لا يغلق. ما دام هناك اتفاق على المبدأ، إسرائيل هي التي تحدّد الثمن.

لم تقبل إسرائيل الكلام مع الطرف الفلسطيني المفاوض، إلا على أساس الانقسام الفلسطيني وقطع أية علاقة مع حركة "حماس" واستمرار حالة الانفصال السياسي عنها. ليس هذا شرطاً إسرائيلياً للتفاوض، فحسب، بل شرط لمجرد الكلام مع حكومة فياض. لم تكن هناك حاجة لضغط إسرائيلي أو أمريكي على السلطة في رام الله لقبول هذا الشرط، فهي تبرّعت به عن طيب خاطر لاعتباراتها هي الخاصة.

هناك طبقة سياسية فلسطينية كاملة لا تعوّل إلا على المفاوضات، ولا تملك أية إستراتيجية سواها، ونراها قد أدمنت عليها. إسرائيل تعي ذلك جيداً، وتعمل على ابتزازها مقابل كل جرعة تفاوض.

بغضّ النظر عمّا سيتمخض عنه لقاء أنابوليس، وخلال التحضير له، إسرائيل حصدت انجازات هامة من ناحيتها. فهي استطاعت أن تضع على الطاولة مطلب الاعتراف بها كدولة يهودية، دون ان يستطيع أو حتى يحاول المفاوض الفلسطيني إزالته عنها، حتى لا يعرقل المفاوضات. وهي حصلت على التزام من طرف فلسطيني بالمحافظة على أمنها وتثبيت الانقسام الفلسطيني، وكذلك موافقة من دول عربية مهمة لحضور لقاء معها دون أن تقدم هي أي التزام من طرفها حتى ولا التزام بالتعامل بجدية مع مبادرة السلام العربية، التي بادرت إليها هذه الدول.

يبدو أنّ لقاء أنابوليس يجب أن يُقرأ بالشقلوب: نتائجه الفعلية جاءت قبله وليس بعده. فلن تعقبه سوى محاولة إسرائيلية لفرض الإملاءات والشروط، يسمونها مفاوضات.

التعليقات