31/10/2010 - 11:02

الناصرة كمثال../ راجي بطحيش

الناصرة كمثال../ راجي بطحيش
تعاني شعارات المرشحين للانتخابات المحلية وخاصة في مدينة الناصرة (كونها مركز المتروبولين العربي الأكبر وشبه الوحيد في البلاد) من فجوة صارخة بين مضمونها ودلالاتها وبين التغييرات الكبيرة التي تمر بها هذه المدينة...

ولا شك أنني وبصفتي ممن يغيبون خلال أيام الأسبوع ويعودون إلى الناصرة في نهايته قد أشاهد الأمور بوضوح أكبر... فالمدينة وخلال العامين الأخير أصبحت أكثر تلونا وأقل محلية، وبالتالي أكثر كوسموبوليتيكيةً وجذبا سياحيا (يمكنك أحيانا أن تمشي بالشارع دون أن تعرف أو يعرفك أحد)..

ولا شك أن تكريس منطقة السهر والمقاهي في محيط "العين" وشمالي السوق قد زاد جاذبية المدينة، وأضاف لها لمعانا طالما كانت تتهم الناصرة بأنها تنتجه ثم تندم عليه وتنسحب إلى سباتها... ولا شك أن الجو الثقافي التعددي هذا قد شجع العديد من المبادرات الشابة بأن تعمل من داخل المدينة ومن قلبها على خلق مشهد فني وثقافي بديل ويميز مجمع مدني أعتقد أنه تجاوز إشكالية الأسرلة أو السلفية الوهابية. فالمناخ المؤاتي هو الذي ينتج الصخب الثقافي والاجتماعي وليس بالعكس...

فمن يحاول أن يلخص الناصرة نهاية 2008 فوتوغرافيا يصل إلى نتيجة أكثر تركيبا وأعمق مما يحاول المرشحون للانتخابات تسويقه.. فالصورة هي مزيج مثير (إيجابيا) من الناس بمشارب ولغات وأجندات مختلفة ومتباينة اختارت أن تلتقي في مركز مدينة... حيث تتلاقى العلمانية مع التديّن والفقر مع الثراء والجهل مع الثقافة و الكتاب المصري مع الكتاب اللبناني، الصحيفة العبرية مع الصحيفة البعثية... حتى أن الإسبرسو الإيطالي يلتقي مع القهوة العربية بالهيل.... وهذا لا يتماشى مع شعار للاستهلاك المحلي مثل "مدينة عصرية لكل أهلها" فالمركز (إذا أراد أن يكون مركزا) لا يكتفي بساكنيه بل بزائريه أيضا... ولكن البعض يقول "معا نحمي ونصون الناصرة"...(من ماذا؟ نحميها ونصونها من من؟ لا أعرف... من المغول أم التتار... من هو العدو؟؟)...أو "معا نقود فجر التغيير".. (وهل القصد هنا فجر التغيير نحو الظلامية واللون الواحد والانغلاق؟؟)..

ويضحكني شعار "سنعيد للناصرة مكانتها ومركزيتها" سؤالي الأول: إلى أي نقطة انطلاق بالضبط علينا العودة... ونصيحتي بالعامية: إطلع انت بس منها وهي بتظل مركزية ومكانتها بخير... وهنالك من لا يزالون يندبون على نقل المكاتب الحكومية وبعض المصانع إلى "نتسيرت عليت" التي أثبتت خلال العشر سنوات الأخيرة أنها مجرد مدينة ظل باهتة وميتة أصلا....

وثمة من لا يزال يحدثنا عن وجوب دعم الحركة الاقتصادية في البلد (كاستمرارية للابتزاز المتواصل لتجار شارع بولس السادس للناس والبلدية على حد سواء وفحش الأسعار في المتاجر المحلية إذا قارناه بالشبكات والمتاجر الكبرى)...

الإنسان العادي الذي يستيقظ صباحا وتغمره رغبة ملحة أن يعيش حياة كريمة في "مدينة عصرية" لا يأبه بإيديولوجيات وطائفة وهوايات وعائلة من يقدم له الخدمة، بل أعتقد انه يرغب بالخروج من البيت دون العبور بين جبال القمامة المتراكمة منذ أسبوعين أمام البيت.. وكذلك يرغب ويتمنى ألا يسقط في حفرة نسيت البلدية أن تردمها... وألا يسقط في فخ من "بلطجة" الجيران المقربين من المهمين... ويرغب كذلك أن تصل مواصلات ميسرة وبسعر معقول إلى حيه (تبلغ أجرة السفر بالتاكسي داخل الناصرة بالمعدل أكثر منها في تل أبيب أو القدس لنفس المسافة)..

كما يرغب الإنسان العادي أن يجد مكانا لإيقاف عربته في أي لحظة معطاة دون أن يطعن بالسكين وحديقة محترمة يجلس فيها لقراءة صحيفته بعد خروجه للتقاعد... وأن يجد لأولاده حديقة ألعاب إنسانية في الحي كي لا يدهسون مثل القطط..و..و..
إذا فلا معنى لكل ما أطلق من شعارات على خلفية مدينة "عصرية" تغيرت احتياجاتها بتاتا...

التعليقات