31/10/2010 - 11:02

في الوطن: على أعتاب الشهر الفضيل../ راسم عبيدات

في الوطن: على أعتاب الشهر الفضيل../ راسم عبيدات
.....في ظل حالة الانفلات بأشكالها وتعبيراتها المختلفة، وعلى كل الصعد وفي مختلف الميادين وفي ظل غياب المحاسبة والمساءلة وفرض السيادة والقانون، وتحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الكثير من أبناء شعبنا الفلسطيني، بسبب الحصار الظالم وسياسة القمع الإسرائيلية، وفي حالة انتفاء واختفاء وغياب الضمير والوازع الأخلاقي والديني والوطني عند فئة من التجار ممن تركوا العنان لجشعهم وطمعهم والبحث عن طرق الإثراء غير المشروع، حتى لو كان ثمنه قتل الآخرين، أو إصابتهم بأمراض خطيرة ومزمنة، نرى أن هذه الفئة من التجار تستغل تلك الظروف الصعبة والقاسية وحاجة الناس وجوعهم وفقرهم، لكي تعمل على تسويق الكثير من البضائع الفاسدة ومنتهية الصلاحية، والتي أغلبها يكون قادم من المستوطنات والمناطق الإسرائيلية، وتعمل على طرحها في الأسواق مع بداية الشهر الفضيل بأسعار منخفضة تغري الفقراء والمحتاجين بشرائها وسد رمق جوع أطفالهم وعائلاتهم، وخاصة بعد يوم طويل من الصيام، حيث أن ظروفهم الاقتصادية الصعبة، وعدم توفر الأموال الكافية لا تمكنهم من شراء سلع وبضائع بأسعار مرتفعة.

ونسمع ونقرأ يومياً عن الكثير من السلع الفاسدة المضبوطة ، والتي يحاول هؤلاء العابثون بأمن وصحة المواطن من تجار الموت وممن لهم الكثير من الارتباطات المشبوهة مع الاحتلال، طرحها وترويجها في الأسواق. ونعتبر هذه الحرب على صحة المواطن لا تقل خطورة عن الحرب الشاملة التي يشنها الاحتلال على شعبنا الفلسطيني في المجالات الأخرى.

ومن هنا يجب التعامل مع هذه المسائل، والتي ترتقي إلى حد الخيانة والجرائم الكبرى، بالكثير من التشدد والإجراءات العقابية الرادعة، لكي تمنع وتحد من النشاط والمخاطر الإجرامية واللا أخلاقية لمثل هذه الفئات الجشعة والنهمة والفاقدة لانتمائها الوطني والمتجردة من أخلاقها وقيمها الإنسانية.

والشهر الفضيل يجب أن تكون قيم التعاضد والتكافل والتضامن حاضرة فيه بقوة، وبالتالي الكثير من العائلات المستورة والفقيرة، سواء كانت حاجتها لظروف وأوضاع اجتماعية أو بفعل سياسات الاحتلال وإجراءاته، من منع للعمل أو اعتقال لرب الأسرة أو حصار وإغلاق وتجويع وغير ذلك، فيجب العمل على توفير حياة كريمة لهم وتقديم العون المساعدة لهم، بعيداً عن لغة تحميل الجمائل أو أن ما يقدم لهم هو صدقة ومنّة من هذا الطرف أو ذاك أو هذه الفئة أو تلك، أو إشعارهم بعجزهم وحاجتهم. وبمعنى آخر أن لا نكون نحن والزمن والظروف عليهم، وأن لا تكون قيم التعاضد والتكافل مجرد شعارات مرفوعة أو عبارات"وكليشهات" يجري ترديدها والتغني بها في المناسبات والمؤتمرات والندوات والمحاضرات..الخ، وليس لها أية ترجمات وتطبيقات عملية.

وفي هذا الشهر الفضيل الكثير من الأمهات والزوجات والأبناء والأخوة والوالدين، ينتظرون أن يعود غيابهم من السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وهم في كل وجبة إفطار تدمع عيونهم وتخفق قلوبهم،على أحبتهم في السجون، ما يعانونه ويقاسونه من ظروف صعبة، والمسألة أن الكثير من الأهالي طال انتظارهم، بحيث أن الكثير ممن تركهم أباؤهم أطفال كبروا وتزوجوا وأنجبوا، وما زالوا هم في السجون. وكذلك هناك الكثير من الآباء والأمهات من غادروا هذه الدنيا، وهم يمنون النفس أن تكتحل عيونهم برؤية أبنائهم، وآخرين ممن لم تسمح سلطات السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها بزيارة أبنائهم في السجون منذ سنوات، ما زالوا يحلمون بأن تتاح لهم فرصة رؤية أبنائهم أو احتضانهم .

هؤلاء الأهالي الذين قدموا أبنائهم زهرات شبابهم، وضحوا وناضلوا ودفعوا وما زالوا يدفعون ثمناً باهظاً على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي والوطني، من أجل تحقيق حلم شعبنا في الحرية والاستقلال، هم أيضاً بحاجة للرعاية والتضامن معهم، على كل المستويات المادية والمعنوية والتواصل معهم ومشاركتهم كل مناشطاتهم وفعالياتهم المنددة والمستنكرة للممارسات الإسرائيلية وإدارات سجونها بحقهم من قمع وتنكيل وعزل وغيرها.

والعائلات التي تنظر عودة غيابها من والد وزوج وأخ وابن منذ ما يزيد على عشرين عاماً، لا أبالغ إن قلت أنها، هي وأبناؤها، من يستحقون الأوسمة والنياشين عن جدارة واستحقاق، وليس الكثير من المنتفعين والمتسلقين والمتاجرين بدماء ونضالات شعبنا العظيم، وأنا أجزم أنه مع قدوم الشهر الفضيل تتزاحم الكثير من الذكريات في رؤوس أبناء الحركة الأسيرة، وهم يمنون النفس أن يكون هذا آخر رمضان لهم في السجون..

والعديد منهم أكثر من مرة تحطمت أحلامهم وخابت آمالهم بالتحرر من الأسر، فبعد أن تركهم أوسلو رهناً وفريسة للتصنيفات والتقسيمات والاشتراطات الإسرائيلية، وبعد أن تسرب اليأس والإحباط وخيبة الأمل إلى قلوبهم وصدورهم، عاودهم الأمل والانتعاش واستعادوا عافيتهم ومعنوياتهم، بعد عمليات أسر الجنود التي قام بها حزب الله في تشرين أول /2000 وتموز/2006، ولكن هذه الآمال عادت للتبدد من جديد، وهنا ليس بسبب خذلان حزب الله لهم وتخليه عنهم، ولكن كون الجنود الإسرائيليون المأسورون أمواتاً، مما أضعف وحد من قدرة الحزب على فرض شروطه، فيما يتعلق بأعداد وأسماء الأسرى في صفقات التبادل، وان كان قد سجل انتصاراً هاماً في تحرير عميد الأسرى العرب سمير القنطار من الأسر الإسرائيلي، والذي طالما رفضت إسرائيل إطلاق سراحه.

صحيح أن جذر وأساس البلاء والمصائب لنا هو الاحتلال، ولكن يجب أن لا يكون المشجب الذي نعلق عليه كل شرورنا وأخطاءنا ومسلكياتنا الخاطئة، فلا يكفي على سبيل المثال لا الحصر، القول بأن التاجر الفلاني يوزع أو يبيع بضائع فاسدة، ويجد له الحماية والحضانة والرعاية من أصحاب النفوذ، بل يجب مجابهته ومحاربته بكل الطرق والوسائل، والعمل على جلبه إلى المحاكم وإيقاع أقصى العقوبات به، وليس إيداعه سجنا خمس نجوم لعدة أيام أو شهور، حيث تنشط الواسطات والرشاوى، والتي سرعان ما تخرجه ليس فقط من السجن، بل وتبرئه من التهم والجرائم التي ارتكبها.

والمقصود هنا أنه يجب أن يلاحق ويحاكم ليس صغار التجار بل الحيتان الذين يغرقون البلد والوطن بكل أنواع وأصناف الفساد والموبقات، من بضائع فاسدة ومأسسة وهيكلة الفساد والرشاوى، والمتاجرة بكل شيء بدءاً من البضائع الفاسدة ومروراً بالإنسان وانتهاء بالوطن.

وفي الختام نقول ونحن على أعتاب الشهر الفضيل، أن استمرار الانقسام السياسي والجغرافي، والضعف الداخلي والتناحر على وهم سلطة غير موجودة، من شأنه أن يدفع بكل هذه العصابات والمافيات، أن توسع من دورها ونشاطها المشبوه والضار، بل وأن تفرض سلطتها وسطوتها على الكثير من الناس، مستفيدة من حالة الانقسام والضعف والتفكك والتحلل والتآكل والتراجع في دور القوى والأحزاب الوطنية والإسلامية.

التعليقات