31/10/2010 - 11:02

ميكي ماوس ... ونقاب العين الواحدة!../ د.خالد الحروب

ميكي ماوس ... ونقاب العين الواحدة!../ د.خالد الحروب
تخيلوا كارثة أن نعيش من دون مفتين أو فقهاء أو شيوخ حريصين على درء كل المؤامرات التي تهجم علينا ليل نهار، من الغرب الكافر، والشرق الملحد، والشمال الفاسق، والجنوب الوثني؟

كل صباح نستيقظ على مؤامرة، وكل مساء نؤوي إلى فراشنا بعد أن نئد مؤامرة. على الظهيرة مؤامرة، وفي العشاء مؤامرة. نتنفس مؤامرات، ونقرأ مؤامرات، ونرى مؤامرات متحركة على التلفزيون، ونسمع مؤامرات في الراديو.

نكتشف مؤامرات منمقة في أدوات مغرية في صالونات تجميل السيدات، ومؤامرات معلبة في علب السردين والتونة، ولم نعد نستطع، نحن الناس العاديين، متابعة ازدحام هذه المؤامرات. مؤامرات تطال رجالنا الأبرياء وتريد أن توقعهم في شراك النساء الماجنات، ومؤامرات تطال نساءنا البريئات وتريد أن توقعهن في شراك الذكور الذئاب، ومؤامرات تطال أطفالنا ثم لا تعرف أين تذهب بهم! مؤامرات من كل حدب وصوب!

كل ما نطلبه من شيوخنا الأفاضل أن يعكفوا على مختبراتهم العلمية في بطون الكتب الصفراء التي يستنشقون منها روائع الفتاوى ثم ينفثونها في وجوهنا، ويعملوا على تصنيع مسبار أو مجس نسميه "كاشف المؤامرات". يصير هذا "الكاشف" متوفرا في الأسواق وفي أيدي الأفراد العاديين المحاطين بالمؤامرات، فيتمكنوا من كشف المؤامرات التي تتسلل إلى غرف بيوتهم وعقولهم وأفكار أولادهم وبناتهم من دون أن يدروا. لكن إلى أن يتم اختراع ذلك المجس العظيم ليس لنا إلا أن نعتمد على عبقرية مفتينا وشيوخنا الأفذاذ في الكشف عن هذه المؤامرات اللعينة!

والمشكلة الكبيرة أن هذه المؤامرات تأتي بكل الأحجام والمقاييس، بكل الألوان والأذواق، وكل واحدة منها تأتي متخفية في ثوب لا يمكن لأكثرنا ذكاء، نحن الناس العاديين، ان يكتشفها. لهذا فنحن محظوظون حقاً وفعلاً بوجود جيش من المفتين الذين يمكننا الاعتماد عليهم كدرع واق للدفاع عنا ودرء سهام المؤامرات والمتآمرين. فشيوخنا الموقرون هم وحدهم من يتميز بقدرة فائقة تلتقط خيوط المؤامرات اللعينة ومَن وراءها، وتحبط مخططاتهم الشريرة. فمن منا، مثلاً، يمكن أن يخطر بباله أن ثمة مؤامرة تعيش بيننا منذ عقود عن طريق "فأر" هنا، أو مؤامرة تتخفى عن طريق "سحلية" هناك، أو مؤامرة مدفونة في رفض امرأة فتوى "إرضاع الكبير" متسببة في إحباط زميلها المتدين في العمل!

ماذا سيحل بنا أيها الأصدقاء لو، لا سمح الله، تم إغلاق أفواه هؤلاء الشيوخ المحترمين بالشمع الأحمر وحجرهم في مصحات عقلية؟ تخيلوا الكارثة والفراغ الفكري الرهيب، وكيف ستغدو "حصوننا مهددة من الداخل"! إذ لولاهم لما استطعنا أن ننام قريري العيون، مطمئنين إلى أن "حدودنا" و"ثغورنا" محروسة من قبلهم.

لولاهم لاستمرت غفلتنا المخيفة حين نترك أولادنا يضحكون جذلين بين أيدي ميكي ماوس الماكر، وكنا نظنه بسبب جهلنا الكبير مجرد فأر بسيط فإذا بأمره ينكشف على أيد المفتين، أبقاهم الله سنداً وذخرا لتخلفنا العميق، فصرنا نراه على حقيقته البشعة جندياً من جنود إبليس اللعين متخفياً في زي فأر بريء يريد الإجهاز على عقول أطفالنا. بل وحتى ما كنا نظنهم مجرد فئران بريئة ثبت بالوجه القطعي أنها ليست إلا كائنات قميئة يجب قتلها "في الحل والحرم"، وهي جزء من مؤامرة كونية ضدنا.

ولولا هؤلاء الشيوخ اللماحون أيضا لما استطعنا ائتمان الأسواق على نسائنا، وهي الأسواق التي تتربص بهن صباح مساء. فهم وحدهم، وبفتاواهم الموغلة في أعضاء النساء والحريصة عليهن، قد انتبهوا إلى أن النقاب بعينين اثنتين يترك مجالات هائلة ولا نستطيع تخيلها للفتنة التي تدمر أجيالنا الشابة، وقالوا بضرورة الاكتفاء بنقاب ذي عين واحدة! وعملياً ماذا تريد نساؤنا فعلاً أكثر من عين واحدة لرؤية الطريق والسلع في الأسواق، ولماذا الترف في استخدام عينين اثنتين في حين أن واحدة تكفي؟ وانتبهوا أيضاً بحذاقة مدهشة أن بروز الكحل في عينين اثنتين مؤداه خطير على أجيال ملايين الشباب الذين سينهارون كتماثيل البسكويت لما يرون العيون الكحلى. ولهذا فإن إخفاء عين وإظهار عين سوف يقيهم خطر الجمال الماحق، ويحفظ للأمة شرفها وأجيالها الطالعة والتي تتوعد المجد والسؤدد!

وفي الواقع فإن النقاب بعين واحدة سيكون له بعد جمالي فريد وما بعد حداثي. فلنتخيل عيناً واحدة مفتوحة في اليمين وأخرى مخفية في اليسار في نقاب أسود، تحته عباءة سوداء، أليس في هذا تحفة فنية لم تخطر ببال سلفادور دالي، ملك السوريالية؟ إضافة إلى ذلك يجب أن لا يغيب عن بالنا أن مفتينا الكرام تركوا مرونة كبيرة للمرأة، بما يؤكد على احترامهم حريتها وتكريمها، لجهة أي عين يمكن استخدامها وأي عين يجب إخفاؤها، اليمين أم اليسار، وهذا يتيح لها التمتع بكامل حرية الاختيار والتنقل بين استخدام العيون. فماذا تريد المرأة العربية والمسلمة أكثر من هذه الحرية؟

وهكذا أيها الأصدقاء الكرام، وعطفاً على بركات سيل الفتاوى الذي لا ينقطع، يظهر لنا جميعا أن واحدا من مغانم عصر الثورة المعلوماتية والإعلام الفضائي يتمثل في كشف عفننا الفكري المختبئ في طيات الكتب الصفراء، والعقول الصفراء، وتعريضه للعلن ولوهج الشمس.

فكل هذه الفتاوى التافهة التي ما تكاد تنتهي سخافة إحداها حتى تأتي أخرى تنافسها سخافة وانحطاطاً ما كان لها أن تظهر ويدري بها الناس المصدومون لولا عصر الإعلام الجبروتي الذي نعيشه.

لكن ليس ذلك إلا جانباً واحداً من مسألة تثير من المرارات أكثر مما تثير من السخريات. جحافل الشيوخ والمفتين والفقهاء الذين يتصدون للفتوى يؤكدون لنا صباح مساء ظلامية عصر الانحطاط الذي يعيشه العرب والمسلمون في هذه الأيام، بمساهمتهم العظيمة. هل سبق ووصلنا تاريخياً إلى مثل هذا الانحدار الأخلاقي والديني والثقافي والسياسي والاجتماعي على مدار القرون الماضية؟

من يقرأ فتاوى الشيوخ الأشاوس بتأن وببرود أعصاب يجيب بالنفي كلا لم نصل لمثل هذه الدرجة من الانحطاط. ذلك أن ما نشهده الآن يمثل فضائحية مفزعة: نغرق انحطاطاً فيما العالم كله يزداد تحضراً، تتوافد الأمم إلى الفضاء والكواكب الأخرى بالعلم والاكتشافات ونحن نتصايح فوق أعالي الجبال حتى نرى هلال رمضان أو هلال العيد بـ"العين المجردة".

تتنافس الأمم في رفع مستويات التعليم والتوظيف والعمالة للنساء بكونهن نصف المجتمع، ويعمل العالم على رفع معايير المساواة المهنية بين الرجل والمرأة، وشيوخنا ينظرون إليها كتلة من الجنس المغري تجلس بلا مبرر في مكان العمل. ولكي يقمعوا فرويد المتصابي في رؤوسهم، ويقدموا إبداعاً مهنياً يُنافس الأمم الأخرى، لا يرون من حل سوى أن ترضع المرأة زميلها في العمل!

تموج الأرض والسماوات حرية في الإعلام والشاشات والفضائيات وتتكسر سلطات من هم على شاكلة شيوخنا المقعدين عقليا، فلا يرون سوى إطلاق فتاوى قتل أصحاب الفضائيات، عوض أن ينافسوهم بالمادة الجذابة. إذا اعتقدتم أن الأجيال الشابة تتأثر بتلك الفضائيات فذلك لأنكم فشلتم في تقديم بديل مقنع، وعوض أن تلوموا أنفسكم تلجأون للغة القتل وقطع الرؤوس.

تنتقل البشرية في علاقتها مع الطبيعة والحيوان إلى مرحلة راقية حيث يصبح الرفق بالحيوان عادة متأصلة وليست ادعاء، ويصبح الحيوان مصدر سرور للصغير والكبير. لكن شيوخنا يرون في "الفأر" جندياً من جنود أبليس مجند لتدمير الدين والأخلاق.

لماذا ايها الأسياد لم تبدعوا للأطفال نموذجاً يبتهجون به ينافس ميكي ماوس، عوض أن تعلنوا الحرب على "فأر" وتهدروا دمه "في الحل والحرم"؟ لكن تبقى الكارثة الكبرى في نظر مفتينا الكبار تكمن في المرأة: أصل الشرور الكونية، والتي لا هم لها إلا إغواء الرجل البريء والسير به نحو جهنم. لذلك فإن افضل شيء هو الزواج المبكر منها، كما تنص إحدى الفتاوى العبقرية مؤخراً، أي وهي في سن التاسعة!

ويبرر الشيخ المفدى فتواه بأنه يرى كثيرا من البنات بهذا العمر وقد ظهرت عليهن علامات النضوج وبأنهن صالحات للزواج! لك أيها الشيخ أعلى نياشين تخلفنا وانحطاطنا، ذاك أن لو كنا على أدنى درجة من المدنية لتم اقتيادك أيها المدعي وغيرك كثير إلى السجن ولتركت فيه تنهي بقية عمرك غير المأسوف عليه.
"الأيام"

التعليقات