22/11/2006 - 09:02

سجال بشأن الاستعصاء السياسي في الساحة الفلسطينية../ ماجد كيالي

سجال بشأن الاستعصاء السياسي في الساحة الفلسطينية../ ماجد كيالي
بلغت الأزمة السياسية الفلسطينية حالا كبيرا من الاستعصاء، إلى درجة بات يصعب معها التكهّن بكيفية حلّها، أو على الأقل تجاوزها، في هذه الظروف التي تمر بها الساحة الفلسطينية حاليا.

ومعضلة الفلسطينيين تكمن في أن أزمتهم، هذه المرة، تختلف عن سابقاتها، فهي من النوع المعقّد والصعب والمتداخل، المحكوم بالعوامل والمحددات التالية:

أولاً، إن هذه الأزمة تتجاوز الخلافات السياسية والمنافسات الفصائلية العادية، التي أدمنت عليها هذه الساحة، منذ انطلاقة فصائل العمل الوطني، في الستينيات من القرن الماضي. وفي الواقع فإن الأزمة الفلسطينية الراهنة هي بمثابة إرهاصات لانتهاء مرحلة قديمة، بما لها وما عليها، وولادة مرحلة جديدة، بكل معنى الكلمة. والمشكلة أن إرهاصات الموات والولادة، هذه، لا تقتصر، فقط، على أفول قيادة قديمة وولادة قيادة جديدة، وإنما هي تشمل، أيضا، مجمل بني الساحة الفلسطينية، وشعاراتها، وأشكال عملها. والمشكلة، أيضا، أن هذا الأمر يتم من دون توافقات فلسطينية داخلية، وأنه يتم في ظل تنافسات وتصارعات بين القوى المعنية في هذه الساحة.

ثانيا، كما قدمنا، فإن هذه الأزمة لا تطال فقط الخلاف السياسي (البرنامجي)، ولا تقتصر على التحديات الجمّة والكبيرة التي تواجهها الساحة الفلسطينية، فحسب، وإنما هي فوق هذا وذاك تشمل الفاعلين السياسيين في هذه الساحة، وبخاصة حركتي فتح وحماس. ويمكن القول بأننا لا نغالي كثيرا إذا جزمنا بأن هذه الأزمة في الحقيقة ترتبط تماما بأزمة هاتين الحركتين، اللتين باتتا تشكلان القطبان الرئيسان في الساحة الفلسطينية. هكذا فإن مشكلة "فتح"، مثلا، على رغم دورها الريادي في العمل الفلسطيني، إنها أخفقت في الخيارات السياسية التي اعتمدتها في قيادتها لهذا العمل، فهي لم تنجح في خيار التسوية، ولم تفلح في تجربة بناء الكيان، كما أنها أخفقت في إدارة الانتفاضة، ولم تستطع التحكم بمسار المقاومة. وعموما فإن "فتح" لم تستطع أن تستوعب المتغيرات الحاصلة في الساحة الفلسطينية، ولم تع أهمية إجراء مراجعة نقدية لبناها وشعاراتها وطرائق عملها، لإدخال التجديد عليها. ومن ناحية "حماس"، فإن هذه الحركة لم تستطع بعد فرض صدقيتها في إدارة الوضع الفلسطيني، فهي شكلت حكومة السلطة، على رغم معارضتها لاتفاقات أوسلو (1993)، وقبلت بهذه المسؤولية على رغم ارتهان هذه الحكومة للمساعدات الخارجية (من الدول المانحة)، وهي مساعدات منبثقة بدورها عن اتفاقيات دولية بشأن التزام السلطة عملية السلام. وكل ذلك وضع حماس في مأزق أيدلوجي وسياسي، تصر على تجاهله، بدعوى صدّ "التآمر" على مكانتها القيادية في الساحة الفلسطينية!

ثالثا، إن الأزمة الفلسطينية مرهونة هذه المرة، وأكثر من السابق، للعوامل الخارجية، بحكم الاتفاقات والالتزامات (الإسرائيلية والدولية والإقليمية) التي انبثقت عنها السلطة، وخصوصا بحكم ارتهان حوالي 160 ألف موظف للدعم المادي الذي تقدمه الدول المانحة (وضمنها أوروبا والولايات المتحدة واليابان وكندا..الخ). وبديهي أن تشترط هذه الدول التزام الفلسطينيين بعملية السلام، ونبذ العنف، في مقابل استئناف دعمها للسلطة، بما في ذلك تأمين موازناتها ورواتب موظفيها (بغض النظر عن رأينا بذلك)، فمن غير المنطقي، بالنسبة لهذه الدول، أن تدعم حكومة لا تعترف بالاتفاقات، التي انبثقت عنها هي بالذات، ولا بعملية السلام القائمة (على رغم الاجحافات المتمثلة فيها).

رابعا، وأخيرا فإن الأزمة الفلسطينية المستعصية اليوم باتت محكومة، وإلى حد كبير، بالتطورات الدولية والإقليمية، وخصوصا بكيفية إنفاذ الإدارة الأمريكية لسياساتها في المنطقة، من العراق إلى لبنان، إلى إيران، كما بكيفية تعاطي القوى الإقليمية الفاعلة، من إيران إلى سورية إلى حزب الله مع هذا الأمر. وبمعنى أخر فإن هذه الأزمة باتت محكومة بالصراع في الشرق الأوسط، وبالصراع على الشرق الأوسط، بين القوى المعنية، بحيث أنها باتت مرتبطة، بشكل ما، بما سيحصل في هذا الشرق الأوسط، وخصوصا في لبنان وفي العراق؛ ما يصعّب على القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية التحكم بهذه الأزمة، وإيجاد حلول مناسبة لها.

هكذا يمكن إدراك كم هي الأزمة الفلسطينية الحالية جد صعبة ومستعصية على الحل، خصوصا أن محاولات الفلسطينيين لحل هذه الأزمة، أو السيطرة عليها، لم تعد بأيديهم بالذات.

على ذلك فإن خيارات الفلسطينيين لتجاوز هذه الأزمة باتت جد صعبة، وربما مستحيلة، بسبب انسداد مختلف الخيارات السياسية المحتملة، فهذه الأزمة، بمعنى أخر، هي أيضا أزمة خيارات سياسية تاريخية. ومثلا، فإن خيار المضي بعملية التسوية بات صيغة لمضيعة الوقت، لا سيما في ظل التملصات والالتفافات والاملاءات الإسرائيلية. في حين أن الإبقاء على الوضع الراهن بات بمثابة فرصة مناسبة لإسرائيل لفرض الأمر الواقع، من خلال تشريع عمليات الاستيطان، واستكمال بناء الجدار الفاصل، والإمعان في تهويد القدس، وتصعيب الأوضاع الحياتية على الفلسطينيين، وتقويض الكيان الفلسطيني.

أما الذهاب إلى خيار خوض انتفاضة شعبية جديدة، فبات في هذه الظروف، وعلى ضوء التجارب المريرة الماضية مستحيلا، على الأقل في ضوء المعطيات والأوضاع الصعبة الراهنة. ومن الواضح أن هذا الخيار لم يعد على الأجندة الشعبية، بسبب عدم توفر الأوضاع المناسبة له، وبحكم الإرهاق والاستنزاف الحاصل في المجتمع الفلسطيني، بنتيجة الممارسات الإسرائيلية، وأيضا بنتيجة التصارعات الفلسطينية. كذلك فإن هذا الخيار ليس على أجندة الفصائل، بسبب عدم توافقها، وأيضا عدم قدرتها، وضعف مصداقيتها في الذهاب إلى هذا الخيار من الناحية العملية.

يبقى خيار المقاومة المسلحة، كخيار يمكن أن تلجأ إليه بعض الفصائل الفلسطينية، لكن هذا الخيار بدوره بات مكلفا جدا، كما أن القدرة على الاستمرار به سيكون ثمنها غاليا جدا، لاسيما في هذه الظروف التي باتت فيها إسرائيل في موقع سياسي أقوى، إزاء الفلسطينيين، وفي هذه المعطيات الدولية التي بات العالم يتعاطى فيها مع أي حالة من حالات العنف باعتبارها شكلا من أشكال الإرهاب الدولي.

من كل ذلك يمكن الاستنتاج بأن الأزمة الفلسطينية الراهنة لن تجد حلها بمجرد حوارات هنا أو هناك، على الأرجح، على أهمية ذلك، فهذه الأزمة تحتاج إلى علاجات ومعطيات نوعية مختلفة، من ضمنها:

1 ـ إيجاد حل للأزمة السياسية المعشعشة في بني العمل الفلسطيني، وخصوصا في حركتي فتح وحماس، ما يتطلب تجديد بنية الحركة الوطنية الفلسطينية، وشعاراتها وأشكال عملها، بما يتلاءم والتطورات الحاصلة في هذا المجال.

2 ـ توليد نظام سياسي فلسطيني جديد، يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التنظيمية والسياسية الحاصلة في الساحة الفلسطينية، وعلى صعيد الصراع ضد إسرائيل، وضمنها المتغيرات المتعلقة بقيام كيان فلسطيني، على خلفية عملية التسوية.

3 ـ إيجاد معادلة سياسية مناسبة، متوافق عليها بين القوى الفاعلية في الساحة الفلسطينية، للتعاطي مع التغيرات والتطورات الحاصلة أو المحتملة في الشرق الأوسط، تضع في أولوياتها الأجندة الوطنية الفلسطينية، من دون أن تفرط بتحالفاتها العربية والإقليمية، وعلاقاتها الدولية.

في كل الأحوال فإن الأزمة الفلسطينية الراهنة هي نوع من أزمة تاريخية متعضية، ولذلك فإن حلها يحتاج إلى معطيات سياسية جديدة، وإلى تحولات نوعية وتاريخية.

مع ذلك فإن القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية، وخصوصا فتح وحماس، قادرة على الحد من آلام هذه المرحلة الانتقالية، وتأمين ولادة حالة جديدة في الساحة الفلسطينية، بأقل الأكلاف الممكنة، لكن في حال توفر الوعي والإرادة، وفي حال توفرت الترجمة العملية لذلك.

التعليقات