29/07/2010 - 11:26

الملتحقـون بالأجنبـي../ محمد سيد رصاص

الملتحقـون بالأجنبـي../ محمد سيد رصاص
عاد آل بوربون للحكم في فرنسا بقوة حراب الأجنبي، إثر هزيمة الجيوش البريطانية والبروسية لنابليون في معركة واترلو في العام 1815، وذلك بعد أن فقدوا السلطة إثر تداعيات ثورة 1789التي قادت إلى إلغاء الملكية، وإعلان الجمهورية الفرنسية الأولى في عام 1792، الذي شهد العام الذي تلاه إعدام الملك لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت.

من يقرأ رواية ستاندال «الأحمر والأسود» يلمس حجم العداء المجتمعي الفرنسي لسلطة نصبَها وأعادها الأجنبي إلى قصر فرساي، وهو ما يفسر فترتها القصيرة عندما أطاحتها ثورة تموز 1830 ليأتي بعدهم آل أورليان مع الملك لوي فيليب، ثم يفسر فشل كل محاولات «إعادة الشرعية» التي حاول من خلالها أنصار الملكية إعادة آل بوربون للسلطة، رغم توافر ظروف سياسية مناسبة في فترة الجمهورية الثالثة (1871ـ1940) استمرت حتى فشل حركة الجنرال بولانجيه في العام 1889.

كانت تلك التجربة الفرنسية هي التجربة الأوروبية الغربية الرئيسية لعملية الالتحاق بالأجنبي، كما أن بلاد الغال قد كانت ثانية في العام 1940 مسرحاً لتجربة أشد صدمة للشعور الوطني الفرنسي، عندما تم إنشاء «سلطة فرنسية» في ظل الاحتلال الألماني، ممثلة بجمهورية فيشي: تعلق سيمون دي بوفوار على الحكم بإعدام روبير برازياك، رئيس تحرير الصحيفة الرئيسية لفيشي «جوسوي بارتو» بعد تحرير باريس بالكلمات التالية: «لقد كانت سيمون وايل تطالب بأن يمثل أمام المحكمة أولئك الذين يستعملون الكتابة ليكذبوا على الناس، وإني أفهم موقفها. فهناك كلمات أشد قتلاً من غرفة غاز، وكلمات هي التي سلحت قاتل جوريس، وكلمات هي التي دفعت سالنغرو إلى الانتحار.

ولم تكن القضية في أمر برازياك قضية (جريمة رأي)، فهو بوشاياته وبنداءاته للقتل والإبادة قد تعاون تعاوناً مباشراً مع الغستابو» («قوة الأشياء»، ج 1، ص 37، دار الآداب، بيروت 1964)، فيما علق الجنرال ديغول على الحكم الصادر على الماريشال بيتان زعيم جمهورية فيشي بالسجن، وهو الذي كان بطل معركة فردان عام 1916 أمام الألمان، بأن «الخيانة ليست وجهة نظر».

في الوطن العربي، كانت هناك تجارب عدة في القرنين التاسع عشر والعشرين: الخديوي توفيق الذي تعاون واستعان بالقوات الإنكليزية الغازية لمصر بشهر أيلول 1882 ضد وزير دفاعه أحمد عرابي.

ثم تكرر هذا ثانية في أيار ـ حزيران 1941 ببغداد، لما عادت الأسرة الهاشمية بزعامة الوصي على العرش الأمير عبد الإله، محمولة على ظهور الدبابات الإنكليزية بعد هزيمتها لقوات حكومة رئيس الوزراء العراقي رشيد عالي الكيلاني.

تثلّث هذا المشهد في القاهرة يوم 4 شباط 1942 لما اقتحمت الدبابات البريطانية قصر عابدين لتجبر الملك فاروق على تعيين زعيم حزب الوفد مصطفى النحاس باشا رئيساً للوزراء.

خلال مدة أسرة محمد علي باشا (1805ـ1952) كان 1882 هو عام سقوطها المعنوي قبل أن يحصل سقوطها السياسي بعد سبعين سنة، تماماً كما كان عام 1941مقدمة لصباح يوم 14 تموز 1958 في بغداد، وهناك الكثير من الأبحاث التي تتحدث ليس فقط عن اعتبار (4 شباط 1942) سقوطاً معنوياً لحزب ثورة 1919 وإنما أيضاً عما شكلته تلك الحادثة من صدمة معنوية لجمال عبد الناصر، ومن انتظم معه لاحقاً في «الضباط الأحرار» ما دفعهم إلى ذلك العمل التنظيمي الذي قاد إلى ثورة 23 يوليو 1952: خلال تلك الفترة العربية لم يظهر أحد، ذو قيمة فكرية أو ثقافية، ليحاول تبرير أو أدلجة أو تسويغ ما فعله الخديوي توفيق والأمير عبد الإله ومصطفى النحاس باشا.

في عام 2003، الذي شهد غزو العراق واحتلاله، ظهرت صورة عربية معاكسة لتلك الصورة السابقة في القرنين السابقين: التحقت أغلب القوى الرئيسية للمعارضة العراقية بالغازي الأجنبي («المجلس الأعلى للثورة الإسلامية»، الحزبان الكرديان الرئيسيان بزعامة البرزاني والطالباني) مساهمةً في جهده الحربي أثناء الغزو، فيما وقفت قوى رئيسية أخرى موقف الساكت عن الغزو قبل أن تلتحق بـ«مجلس الحكم» الذي أنشأه بول بريمر بعد ثلاثة أشهر من الاحتلال (حزب الدعوة، الحزب الإسلامي «الفرع الإخواني العراقي»، الحزب الشيوعي).

في المقلب الآخر من الصورة، وجدت تغطية معنوية ـ فكرية ـ ثقافية في المنطقة العربية، الممتدة بين نهري دجلة والنيل وما بينهما، لهذه الحالة العراقية عند العديد ـ الكثير من المثقفين والساسة العرب، ووصلت الأمور إلى تنظيرات جديدة: بعد أن رفع المحافظون الجدد شعار الديموقراطية إثر (11 أيلول) وتدمير البرجين، بدأت عند بعض المثقفين العرب وقبل غزو العراق وعشيته أطروحات تقول إن «الديموقراطية هي المرجعية الوحيدة في قياس كل القضايا» بما فيها الوطنية ـ القومية والاقتصادية ـ الاجتماعية وكل شيء مؤجل لما بعد تحقيقها الذي ليس مهماً كيفيته وحامله حتى ولو كان الخارج «بعد أن قضت الديكتاتوريات على العوامل الداخلية للتغيير».

إثر احتلال العراق بدأت تنظيرات بأن «الاحتلال أفضل من الاستبداد» وبأن العراق قد تمّ نقله نحو «الأعلى» «من الناقص إلى الصفر»، كما جرى عند البعض الآخر أسلوب الاستعانة بما جرى لليابان وألمانيا بعد احتلال واشنطن لهما عام 1945 لتسويغ آراء كتلك المذكورة.

نتيجة هذا الجو، لم يجد أحمد الجلبي نفسه غريباً أو في حالة دفاع أو في هزيمة معنوية، بل كان وضعه معاكساً لما كان عليه الخديوي توفيق والأمير عبد الإله وحالة 4 شباط 1942 التي عاشها وعانى منها ودفع ثمنها باهظاً النحاس باشا.

أيضاً وبسبب هذا أصبح عادياً ومسلماً به ولا يخضع للنقاش أن يقال «الرئيس العراقي الطالباني» أو «رئيس الوزراء العراقي المالكي» أو «الرئيس الأفغاني حامد كرزاي» من دون أن توضع هذه الكلمات بين أقواس صغيرة في الصحف العربية أو تخضع للفحص كمفهوم أمام الوقائع التي تقول عكس تلك الكلمات، أو أن يرف جفن مذيعة أو مذيع عند التلفظ بهذه الكلمات في الفضائيات العربية.
"السفير"

التعليقات