31/10/2010 - 11:02

أمريكا تستأذن "إسرائيل" لمفاوضة أعدائها../ د.عصام نعمان*

أمريكا تستأذن
يتبارى قادة الولايات المتحدة في تقريظ “إسرائيل” وتدليلها وطمأنتها من على منبر “اللجنة الأمريكية “الإسرائيلية” للشؤون العامة “أيباك” في واشنطن. المناسبة؟ إنها المؤتمر السنوي للوبي اليهودي الذي يحظى دائماً باهتمام يعادل، وربما يفوق، الاهتمام العام الذي يصاحب عادةً المؤتمر الوطني لكل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لتسمية مرشحيهما لانتخابات الرئاسة.

أعضاء المؤتمر لا يقل عددهم عن 6000 . كلهم صهاينة ملتزمون وناشطون ونافذون، وبينهم أيضاً متمولون وممولون مرموقون. هؤلاء يرسمون ل”إسرائيل” سنوياً الخطوط العامة، وأحيانا التفصيلية، لسياستها حيال الإدارة الأمريكية والقضايا الكبرى التي تكون فيها “إسرائيل” طرفاً.

الرئيس باراك أوباما آثر عدم مخاطبة المؤتمر مباشرة، على الأقل في يوم افتتاحه. أوفد له، أولاً، مدير عام موظفي البيت الأبيض راحم عمانوئيل، اليهودي الأمريكي الذي يحمل الجنسية “الإسرائيلية”. ثم نائب الرئيس جو بايدن، حامل لواء “إسرائيل” في مجلس الشيوخ مذّ انتخابه عضواً فيه.

في حفل مغلق ضم 300 شخص من كبار المتبرعين التابعين للوبي اليهودي (“أيباك”)، أكد عمانوئيل “أن الولايات المتحدة ملتزمة حل الدولتين”. لكنه سارع إلى طمأنة “إسرائيل” إلى أن هذا الحل لن يكون على حسابها “لأن “إسرائيل” والولايات المتحدة حليفان استراتيجيان، وهذا الأمر يتعدى الحكومتين الحاليتين. إن الولايات المتحدة حليفة ل”إسرائيل” وستضمن أمنها تحت أي ظرف”.

بعده جاء دور نائب الرئيس بايدن. أكد مرة أخرى العمل على اعتماد حل الدولتين، ثم استأذن قبل مطالبة “إسرائيل” بالكف عن بناء المستوطنات قائلاً: “لن تحبوا قولي هذا، لكن لا تبنوا مزيداً من المستوطنات وفككوا البؤر الاستيطانية الحالية، واسمحوا للفلسطينيين بحرية التحرك والحصول على فرص الانتعاش الاقتصادي”. لكنه سرعان ما طمأن أعضاء “أيباك” بأن بلاده “تلتزم أمن “إسرائيل” غير القابل للتفاوض أو التغيير”.

لماذا كل هذا التقريظ والتطمين والالتزام؟ لأن أوباما مضطر إلى مفاوضة إيران لثنيها عن متابعة برنامجها النووي. لكنه لا يستطيع أن يطرق الباب ويسمع الجواب قبل أن يُشعِر العرب والمسلمين بأن “إسرائيل” الفظة العدوانية المتغطرسة وافقت أخيراً على أن تعطي الفلسطينيين وعداً ليقبلوا بمفاوضتها. أجل، المطلوب وعد بقبول حل الدولتين والموافقة على وقف الاستيطان.

“إسرائيل” ضنينة بإعطاء هذا الوعد. بنيامين نتنياهو خاطب أيضاً مؤتمر “أيباك” عبر الأقمار الاصطناعية ولم يشر البتة إلى حل الدولتين أو إلى وقف الاستيطان. هو لا يشعر البتة بأن ثمة مشكلة مع الفلسطينيين تستدعي العودة إلى مفاوضتهم حول أمور تعتقد “إسرائيل” أن الزمن تجاوزها. المشكلة في رأي نتنياهو وزملائه في الحكومة اليمينية المتطرفة هي إيران النووية. إنها خطر على “أمن “إسرائيل”” وعلى مصالح أمريكا ونفوذها في المنطقة. يجب أن تنسى أمريكا الفلسطينيين وتركّز على إيران قبل أن تصنع قنبلتها النووية. إذا لم تفعل، فإن “إسرائيل” قد تتولى بمفردها مهمة إنهاء تطلعاتها النووية بالقوة.

حيال هذا التصلب الصهيوني العلني لجأ أوباما وفريقه الحاكم إلى أسلوب لا يليق برئيس دولة عظمى. إنه أسلوب استئذانها لتسمح له برعاية مفاوضات بينها وبين الفلسطينيين غايتها طمأنة العرب “المعتدلين” بأن واشنطن لم تتخلَ عنهم ولن تعقد صفقة مع إيران وتدفع ثمنها من حسابهم.

أوباما يناشد “إسرائيل” تسهيل سيناريو المفاوضات بإطلاق وعد لفظي بأنها مع حل الدولتين ومع وقف الاستيطان. يقول ل”إسرائيل”: لقد فعلتِ ذلك من قبل، فلماذا لا تفعلينه من بعد؟ فعلت ذلك واستمر برنامج الاستيطان من دون أن يحاسبك أحد. إطلاق الوعد لا يعني اتخاذ تدابير لتنفيذ مضمونه. العرب يطمئنون للوعود ولديهم منها الكثير من غير تنفيذ، فلماذا تقلقين وتتصلبين؟ ألم تلتزم أمريكا أمنكِ وحلمكِ “أرضك يا “إسرائيل” من الفرات إلى النيل” مذّ ولدتِ إلى الوقت الحاضر؟

هل تلين “إسرائيل”؟

قد تفعل بشروط. نتنياهو سيكون حريصاً على إقناع أوباما عندما يجتمع إليه في 18 الشهر الجاري بأن يلتزم هذه الشروط:

* أولاً، أن يقرّ علناً بأن الخطر الأول والأكبر الذي يواجه أمريكا و”إسرائيل” والعالم هو الخطر النووي الإيراني.

* ثانياً، أن يفاوض إيران مدةً لا تزيد على ثلاثة أشهر، فإما أن ترضخ لمطلب وقف تخصيب اليورانيوم أو تُشَدد عليها العقوبات ومن ضمنها الحصار البحري.

* ثالثاً، أن تلتزم أمريكا بضرب إيران إذا ما بدا أنها قادرة على تجاوز الحصار البحري والاستمرار في تنفيذ برنامجها النووي.

حيال هذه الشروط والاحتمالات، ماذا يفعل الفلسطينيون والعرب “المعتدلون”؟

أول المواقف المطلوبة وأهمها أن يتوقفوا عن خداع أنفسهم. وعود دول الغرب عموماً و”إسرائيل” خصوصاً ظلّت حبراً على ورق وكلاماً في الهواء، والمفاوضات مذّ “خاضها” الفلسطينيون معهم لم تفضِ إلى أي نتيجة، فهل يثابرون على خداع أنفسهم؟

ثاني المواقف، أن يشترطوا على أمريكا، إذا ما أرادوا امتحان جديتها، أن تُلزم “إسرائيل” برفع الحصار عن غزة وفتح المعابر فورا، وبإزالة جميع المستوطنات، “القانونية” والعشوائية، التي أقامتها منذ أول نوفمبر/ تشرين الثاني ،2000 تاريخ انتخاب جورج بوش رئيساً، ولغاية الوقت الحاضر وذلك بواسطة لجنة يؤلفها مجلس الأمن الدولي وخلال مدة لا تتجاوز الستة أشهر، مع تعهد صريح تضمنه الولايات المتحدة بوقف جميع عمليات الاستيطان من أي نوع كان في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي حال امتناع أمريكا أو “إسرائيل” عن قبول هذا الشرط أو تنفيذه، يمتنع الفلسطينيون عن المشاركة في المفاوضات.

ثالث المواقف، أن توافق الولايات المتحدة و”إسرائيل” سلفاً وعلناً على بحث جميع القضايا العالقة في المفاوضات وفي مقدمها قضايا القدس، الاستيطان، حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، الوضع النهائي إلخ. كل ذلك خلال مدة أقصاها سنة واحدة من تاريخ بدء المفاوضات تحت طائلة عدم المشاركة فيها أو وقفها في حال كانت قد بدأت.

هذه المواقف ليست “فوق العقل” أو مستحيلة ذلك لأن أمريكا “مزنوقة” ومأزومة ومحرجة بأزمتها المالية الخانقة، وبتدهور الوضع الأمني في العراق، وبتصاعد حرب “طالبان” ضدها في أفغانستان، وبامتداد المقاومة الإسلامية ضدها إلى باكستان وسط انقطاع خطوط الإمداد اللوجستي المارة فيها باتجاه أفغانستان.

أمريكا في وضع ضعيف داخلياً وإقليمياً وهامش الحركة والمناورة أمامها محدود للغاية. فوق ذلك، فإن رئيسي إيران وسوريا أدركا ضعف مركز واشنطن السياسي والعسكري فأعلنا خلال اجتماعهما الأخير في دمشق أنهما “متحدان إلى جانب المقاومة الفلسطينية حتى تحرير كل الأراضي المحتلة”. ويبدو أن الرئيسين استشعرا قوة موقفهما بسبب ضعف مركز أمريكا، فصرحا أن الظروف تتجه بسرعة لمصلحة بلديهما بدليل أن “الدول التي ضغطت علينا تطلب منا اليوم المساعدة”.

العرب والمسلمون مدعوون للضغط على أمريكا من أجل أن تضغط على “إسرائيل” لمصلحة الفلسطينيين، لا الضغط على إيران من أجل أن تضغط أمريكا على الجميع من أجل “إسرائيل”.
"الخليج"



راهنتم على أمريكا في عزّ قوتها فما أفادتكم بشيء، فلماذا تراهنون عليها في ضعفها وقد باتت تطلب المساعدة من أعدائها؟

التعليقات