31/10/2010 - 11:02

إسرائيل تفاوض نفسها../ ناجي شراب*

إسرائيل تفاوض نفسها../ ناجي شراب*
كيف يمكن قراءة رؤية “إسرائيل” للمفاوضات كأداة سلمية لحل الصراع العربي “الإسرائيلي”؟ وكيف تنظر إليها في ضوء الأدوات والإمكانات المتاحة للدبلوماسية “الإسرائيلية”؟

ابتداء يمكن تسجيل الملاحظات التالية وهي خلاصة لدراسة وتتبع للنظرية “الإسرائيلية” في التفاوض: اول هذه الملاحظات أن “إسرائيل” لم تسرع في المفاوضات عند قيامها، لأنها تدرك أن الثمن الذي ستدفعه سيكون كبيراً، وانها لم تحقق أهدافها بعد. وثاني الملاحظات محاولة تفريغ القدرات التفاوضية للدول العربية من خلال تعميق حالة الضعف العربي، وتعميق الانقسامات العربية والدفع بمحاولة نزع القضية الفلسطينية من إطارها العربي وحتى الدولي. وثالثها وضع الأهداف “الإسرائيلية” العليا ثم خلق حالة من الأمر الواقع، وتجعل هذا الوضع أمرا واقعيا لا يمكن التراجع عنه. ورابعا تجزئة القضايا التفاوضية الرئيسية إلى قضايا تفصيلية صغيرة والابتعاد عن القضايا الجوهرية، ومن ثم التفاوض في حلقة دائرية تدور حول نقطة واحدة وبذلك تتقدم خطوة إلى الأمام من دون تراجع أو تنازل جوهري بشأن القضايا الرئيسة. وخامسا خلق واقع تفاوضي جديد من خلال فرض الحواجز والحصار وغلق المعابر، ثم التفاوض بشأنها، وبذلك تشغل المفاوض الفلسطيني في قضايا لها صفة الحاجة الملحة أمام مواطنيه. وسادسا الربط بين التفاوض وعدم التراجع عن القوة العسكرية، الأمر الذي تضع فيه المفاوض الفلسطيني في مواقف محرجة ومتناقضة، ومن ثم تلقي بفشل المفاوضات على الفلسطينيين. وسابع الملاحظات التفاوض من مركز القوة، فلا يمكن ل”إسرائيل” أن تتفاوض وهي ضعيفة لإدراكها أن المفاوضات تعني فن إدارة التنازلات ومن ثم التفاوض من منطلق أقل قدر من التنازل وهذا ما يفسر لنا حتى الآن تمسك “إسرائيل” بثوابتها، وفي المقابل فإن الخط التنازلي واضح. وثامنا، تفضيل التفاوض الأحادي من جهة واحدة، وهذا يعني أيضا التفاوض الثنائي مع الدول العربية لأن من شأن ذلك أن يحقق لها جملة من المزايا التفاوضية منها تجزئة وبعثرة قوة الطرف الآخر، ثم تجزئة القضايا التفاوضية والحصول على مكاسب أكبر مقابل تنازلات أقل، ومحاولة التحكم في نهايات العملية التفاوضية بتحديد متى تبدأ ومتى تنتهي. وتاسع الملاحظات إدراك أهمية ربط المفاوضات بإطار دولي حاكم ومنظم وهنا حرصها على اقتصار الرعاية التفاوضية على الدولة المهيمنة والمؤثرة في القرار الدولي، وهذا ما لوحظ على مدار طوال الصراع العربي “الإسرائيلي”، تطبيقا لأحد أهم قرارات مؤتمر بازل الصهيوني الذي عقد عام 1897 والذي أكد على أهمية الاعتراف وضمان التأييد الدولي، والربط واضح في الحيلولة دون رعاية دولية غير الولايات المتحدة، وهذا يفسر لنا من ناحية تعطيل قرارات الشرعية الدولية باستخدام الولايات المتحدة لحق الفيتو في مجلس الأمن، والذي نجح حتى الآن في عدم فرض قرار ملزم استنادا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولذلك بقيت قرارات الشرعية الدولية من دون قوة تنفذها، وهامشية الدور الذي تقوم به اللجنة الرباعية، أو دول أخرى مثل روسيا أو أوروبا وغيرها من الدول. وعاشر هذه الملاحظات عدم التقيد بمرجعية قانونية أو أية قيود دولية ما يفسر لنا عدم التزامها بقرارات الشرعية الدولية، وتنطلق من رؤيتها للمفاوضات مما هو قائم، وهذا من شأنه إلغاء البحث في الجذور التاريخية لأية قضية كاللاجئين او القدس وغيرهما. وآخر هذه الملاحظات الربط بين المفاوضات وكل الأدوات الأخرى المتاحة للسياسة الخارجية “الإسرائيلية”، وبالتالي المفاوضات أداة من بين ادوات أخرى، وإذا مافشلت المفاوضات يمكن تحقيق أهداف “إسرائيل” بأدوات أخرى. ولذلك تطبق “إسرائيل” القاعدة المزدوجة في التفاوض: الحرب امتداداً للسياسة، والسياسة امتداداً للحرب.

فـ”إسرائيل” وبسبب ظروف وعوامل نشأتها على القوة العسكرية والتحالفات الدولية اعتمدت منذ البداية على إيلاء القوة العسكرية أولوية قصوى كأداة من أدوات تنفيذ سياستها الخارجية، ولذلك فقد ربطت كل الأدوات الأخرى بما فيها المفاوضات بالقوة، ولذلك لم تكتف بتقوية علاقاتها التحالفية مع القوة الدولية المؤثرة في كل مرحلة، وفي المرحلة الحالية الولايات المتحدة، وعلى الرغم من ذلك تعتمد اعتماداً كلياً على تنمية قدراتها الأمنية والعسكرية الذاتية وهذا هو أحد عناصر الأمن “الإسرائيلي”، إدراكا منها أن التفوق العسكري النوعي هو الذي سيجبر الدول العربية على الاعتراف بها في النهاية.

وعموماً ما زالت النظرية التفاوضية “الإسرائيلية” تحتفظ بعناصرها الآنفة الذكر، وما زالت الدبلوماسية “الإسرائيلية” مثل القطار الذي يسير إلى الأمام ويمكن أن يتوقف في محطة ما، لكن لا يمكن تصور تراجعه إلى الوراء، وهكذا لم تتغير هذه الدبلوماسية، انما تستفيد من حالة الاختلال في موازين القوى الإقليمية والدولية التي تحرص دائما على أن تعمل لصالحها، ولا شك انها نجحت حتى الآن في توظيف هذه المتغيرات الإقليمية والدولية في انتزاع المزيد من المكاسب من الدول العربية وتثبيت وجودها، إلا أن هذه المتغيرات ليست ثابتة، بل متغيرة، ومن هنا تأتي أهمية المفاوضات لتثبيت وجودها وقبولها كدولة من دول المنطقة، إلا أن هذا يتوقف على مدى استجابتها للمعطيات الجغرافية والبشرية للمنطقة؟

لكن إذا بقيت “إسرائيل” تتمسك في نهجها التفاوضي على مبدأ القوة، وإنكار مبدأ الحقوق المشروعة، فسيظل الصراع والعدوان هما المسيطران والمتحكمان في علاقاتها بالدول العربية، ولا توجد دولة في التاريخ استمر وجودها بالاعتماد على القوة العسكرية فقط .

التعليقات