31/10/2010 - 11:02

إصرار على التمسك بالأوهام../ عوني صادق

إصرار على التمسك بالأوهام../ عوني صادق
في السادس والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة بناء على طلب المجموعة العربية لبحث موضوع الاستيطان “الإسرائيلي” وتأثيره في إفشال المفاوضات الجارية منذ مؤتمر أنابوليس قبل عامين.

وبدلاً من بحث الموضوع الذي عقدت الجلسة من أجله، تحولت الجلسة إلى اتهام موجه لإيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس، وخرج الكيان “الإسرائيلي” بريئا من تهمة إفشال المفاوضات مع الجانب الفلسطيني. وفي تلك الجلسة، شرح الرئيس محمود عباس “مدى اليأس لدى الفلسطينيين من المماطلة في تحقيق السلام في ظل الاستيطان”، وبيّن كيف أن “الاستيطان سيكون دائماً معطلاً لأي عملية سلام”، لكنه أكد في الوقت نفسه أنه سيواصل “عملية السلام” لأن “السلام ثمين جداً جداً”!

بدوره وفي الجلسة نفسها، عبر الأمين العام للجامعة العربية عن -الامتعاض العربي- بالقول: “إن التحجج بضرورة التفاوض مع “إسرائيل” من أجل وقف الاستيطان - غير سليم- لأن المفاوضات مستمرة مع الفلسطينيين دون جدوى”، مؤكدا أن “كل الاجتماعات، بما فيها اجتماعات اللجنة الرباعية، ما هي إلا وسيلة للمماطلة والتسويف”.

المندوبة الصهيونية في الأمم المتحدة ردت على ذلك بالقول: إن الاستيطان ليس عقبة في طريق السلام لكن العقبة هي “إيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس”! أما وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس فشددت على أن “اللجنة الرباعية هي المكان الملائم لمثل هذه النقاشات”.

وزير خارجية فرنسا، برنار كوشنير، وحده انتقد الاستيطان وأعرب عن “قلق الاتحاد الأوروبي” بشأنه دون أن يفوته أن يطالب بالإفراج عن جلعاد شاليت! كوشنير، ربما بدافع من قلقه وربما لأنه مطلوب منه أن يتابع جهود رايس التي لم تعد تجد الوقت لهذا الغرض، قام بزيارة لتل أبيب ورام الله لحث الطرفين على ضرورة متابعة الاتصالات والمحافظة على أجواء “عملية السلام” المتعفنة!

أما على الصعيد الفلسطيني فالوضع أكثر اهتراء من ذلك ويزداد اهتراء كل يوم. فالدول العربية التي تؤيد مواصلة المفاوضات مع الصهاينة، تمنح تأييدها الكامل لطرف فلسطيني ضد طرف فلسطيني آخر وتشدد على ضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني لخطورته على الوضع الفلسطيني بل والقضية الفلسطينية.

في الوقت نفسه لا يزال الحديث يدور حول عملية التوفيق التي تقودها مصر، حيث كان قد أعلن أن القاهرة ستقدم بعد عيد الفطر “ورقة” لهذا الغرض ستعرض على الدول العربية المعنية للموافقة عليها، واستئناف الحوار مع الفصائل الفلسطينية الذي توقف بدخول شهر رمضان. أما التصريحات الفلسطينية على جانبي الأزمة فلا تدفع على التفاؤل بعد أن رفضت حركة حماس معظم ما جاء في تلك الورقة، وبعد أن نقل عن أحمد قريع قوله: “لا بد أن ينتهي الانقسام، إما بالحوار وإما بالمواجهة”! وإذا كانت نتيجة الحوار تبدو معروفة، فإن نتيجة المواجهة أيضاً معروفة.

إلى جانب هذه التحركات العربية والدولية، تقرر أن يعقد في السابع والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ذكرى مؤتمر أنابوليس، اجتماع دولي الغرض منه فقط تلخيص نقاط الاتفاق ونقاط الخلاف التي ظهرت في المفاوضات الجارية بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” منذ عامين!

هل يُضحك ذلك أم يُبكي؟ هل يريدوننا أن نعتقد أنهم لم يعرفوا حتى الآن نقاط الخلاف ونقاط الاتفاق؟ حسناً، وبعد أن يعرفوا تلك النقاط ماذا سيفعلون؟ لقد دخلت هذه المفاوضات في إطار المهزلة منذ أمد بعيد، واتضح للجميع- كما رأى أمين عام الجامعة العربية- أنها ليست أكثر من “وسيلة للمماطلة والتسويف”. لكنه لم يقل لنا، وكنا نتمنى ذلك، لماذا كل هذه المماطلة والتسويف.

ليس من حاجة للتأكيد، في هذا السياق، على مسألة أساس هي أن مماطلة “الإسرائيليين” تستهدف كسب الوقت للاستيلاء على أكبر مساحة من الأرض الفلسطينية، ثم استحلاب أكثر ما يمكن من التنازلات السياسية، ما دام الإصرار على التمسك بما يسمى “عملية السلام” هو سيد الموقف الفلسطيني الرسمي. وبطبيعة الحال فإن هذا الموقف الرسمي الفلسطيني يستند إلى موقف عربي قال ولا يزال يقول إن “السلام خيار استراتيجي”. بمعنى آخر، ما دام الصهاينة متأكدين من أن السلطة الفلسطينية والسلطات العربية متمسكة بـ“استراتيجية السلام مع “إسرائيل”” فلماذا يستعجلون بل ولماذا يعطون الفلسطينيين شيئاً هم يريدونه؟

يبقى أن نقول ان استمرار التمسك بهذه السياسة وهذه الاستراتيجية لا تعدو إلا تمسكاً بالأوهام التي لن تسترجع حقاً، ولن تسترد أرضاً أو كرامة.
"الخليج"

التعليقات