31/10/2010 - 11:02

الأخ أوباما!../ عبداللطيف مهنا

الأخ أوباما!../ عبداللطيف مهنا
كما كرّر البريطاني براون، الفرنسي ساركوزي، والألمانية ميركل، عندما وقف ثلاثتهم بين يدي الكنيست الإسرائيلي، قلّد السيناتور الديمقراطي باراك حسين أوباما منافسه الجمهوري جون ماكين في الحملة الإنتخابية الرئاسية الأمريكية، بل وزايد عليه...

الأوروبيون الثلاثة، تسابق لاحقهم مع من سبقه نفاقاً، والأوروبيون مشهود لهم في هذا المضمار، وتملقاً، وهي من عاداتهم الإسرائيلية، ومدائحاً، وهذا هو الدارج غربياُ في هذه المرحلة من تاريخ المنطقة.

ولم يشذ الأمريكيّان المتنافسان على الفوز بقصب السبق في مضمار الحملة الرئاسية الأمريكية، أو محاولة كلٍ منهما جاهداً التربع على عرش العالم المختصر في هذه الحقبة من تاريخ العالم في البيت الأبيض، والتي تجيء زيارتهما لفلسطين المحتلّة في سياق هذه الحملة، أو هي الشق الإسرائيلي الذي يعد جزءاً مهماً منها لمن يطمح في كسب أصوات يهود الولايات المتحدة، وبعد ذلك الكسب تأتي ضرورات العلاقة الأمريكية الإسرائيلية شبه العضوية التي لا تخلو من بعض الأيديولوجية، طبعاً إلى جانب الإستراتيجية، والتي تعززها المصلحة باعتبار إسرائيل استثمار أمريكي لا غنى عنه في بلادنا العربية... لم يشذّا عن هذه القاعدة، وإنما يمكن القول أن السيناتور باراك حسين أوباما قد زايد على زميله السيناتور جون ماكّين، ولم يكتفِ بتكراره، لكن كان هذا مع بعض فوارق بين الاثنين وبينهما والأوروبيين. لعل ماكّين قد اصطبغت مواقفه الإسرائيلية ببعض الأيديولوجية والنكهة البوشية التي وصلت حد تجاهل حتى زيارة رام الله المتمسّكة حتى الغرق بأوهام رؤية بوش الشارونية المعروفة بـ"حل الدولتين"، في حين كانت البراغماتية الملتزمة بالثابت الإسرائيلي في السياسة الأمريكية الدائمة هي الطاغية لدى المرشح الأسود الأقل ثقة في قبول الإسرائيليين لأوراق اعتماده الإنتخابية، وبالتالي الأكثر تهالكاً على أبوابهم. بيد أن الإثنين، لاسيما الأخير، بدوا وكأنما يرشحان نفسيهما لدخول الكنيست وليس المكتب البيضاوي!

أما بالنسبة للأوروبيين، فإن كان مثول ميركل أمام الكنيست كانت له سمة إعتذارية وفيه استجابة تاريخية ألمانية تقليدية للإبتزاز الإسرائيلي التليد لعقدة ماضي بلادها النازي، فقد طغت المدائح الساركوزية على سواها، بحيث أدهشت الإسرائيليين الذين لم يسبق لهم أن سمعوا مثلها حتى من غلاة الصهاينة، لكن براون الذي فاز بالشكر من مضيفيه على وعد بلفور، وإسهامات البريطانيين التاريخية في نشوء كيانهم واختلاقه، وعلى مواقفه المتشددة مما يعتبره الغرب خطراً إيرانياً نووياً يتهدده، وسائر المواقف البريطانية التي أفصح عنها قبل وإبان الزيارة، فإنه انفرد عن سابقيه، بأنه تلقّى تعنيفاً تمثّل في تذكيره بما اعتبروه خطيئة بريطانية لن يسامحوا عليها، وهي أن أسلافه، ولفترة وجيزة، ولإعتبارات تتعلّق باحتواء الهبات الفلسطينية الثائرة على الانتداب البريطاني وسياساته التهويدية في تلك الحقبة، قد حاولوا مرغمين إيقاف سيل الهجرة اليهودية لفلسطين مؤقتاً آنذاك، ثم عندما انسحب نواب اليمين المتطرف من الكنيست أثناء إلقائه خطابه لأن براون تجرّأ فتحدث عن القدس كلاماً لا يخرج عن سياق ما يجود به على الفلسطينيين وهم حلّ الدولتين... الفارق بين الأوروبيين والأمريكان المنحازين بل المشاركين لإسرائيل في كل فظائعها، والمزدادين تطرفاً في هذا الإتجاه ، هو هنا مجرد فارق بين النفاق والوقاحة...

الأوروبيون الملتزمون ثوابتهم الإسرائيلية، التي لا تختلف في جوهرها عن الثوابت الإسرائيلية الأمريكية، يراعون أحياناً و لو شكلياً عند الضرورة مقتضيات مصالحهم على الضفة العربية من المتوسط، وتكون مراعاتهم هذه دائماً بمستوى ارتفاع أو تدني مقدار استفحال غياب الإرادة العربية، أو هي بعض مداراة يظل وجودها من عدمه رهن بمستوى العجز العربي، أما الأمريكان فلم يعودوا يحسبون مثل هذه الحسابات، وهم الذين يسهمون مباشرة دون مواربة في صناعة هذا الغياب وتفاقم هذا العجز واستمرارهما.
ربما أعطت المواقف الأيديولوجية للسيناتور ماكين بعضاُ مما يبرر وقاحته. أو ما يجعلها تجاوزاً منطقية بالنسبة لصاحبها، لكن اندلاق أوباما قد بدا تمادياً في مغالاة متملقة بدت حتى مبتذلة، لاسيما وقد واجهتها برودة إسرائيلية واضحة، لدرجة أن برلين التي قصدها في طريق عودته قد استقبلته بحرارة لم تتوفر له في القدس المحتلّة... ولنأخذ بعض الأمثلة الأوباماوية:

فور وصوله إلى فلسطين المحتلة أعلن عن تأييده للغارة العدوانية الإسرائيلية على المنشأة السورية المعروفة، مبرراً ذلك بمزاعم تذكرنا بأكاذيب بوش العراقية، مثل ان هناك ثمة أدلة "على أن سوريا كانت في صدد بناء مفاعل نووي وفق الأنموذج الكوري"... و أن "الإسرائيليين يعيشون في بيئة معادية" وبالتالي يحق لهم أن يشنوا عدوانهم في الزمان والمكان الذي يناسبهم... أما الحرب العدوانية الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، فهي عنده "حق إسرائيلي من أجل تحرير جنديين" أسرتهما المقاومة!

وحيث كرر تقريباً ماكين، وحتى بوش، في الموضوع الإيراني لاحساً مواقفه السابقة، كما فعل بالنسبة لمهلة الستة عشر شهراً التي وعد الأمريكيين بأنها ستكون سقفاً للانسحاب من العراق في حال فوزه، و التي بدأ يتنصل منها، فإنه فلسطينياً كان الحريص على تطمين الإسرائيليين بأنه لم يغير موقفه من مسألة تهويد القدس، مؤكداً لهم: "كنت وما زلت أقول أن القدس ستكون عاصمة إسرائيل، قلت ذلك سابقاً وها أنا أكرره".

و إذا كان ساركوزي تحدث كحاخام تلمودي عن "المعجزة" الإسرائيلية، فإن أوباما تحدث، وهو يتعرض لهذه "المعجزة"، عن "العلاقات التاريخية" بين الولايات المتحدة ومعجزتها، واصفاً هذه العلاقة بأنها "من النوع الذي يتعذر كسره"، والتي يقول إنني "أصررت عليها طوال حياتي المهنية، ولا أنوي مواصلتها فحسب، بل أيضاً تعزيزها"، بل هو زاد فخاطب بيرز بطل مذبحة قانا قائلاً: "خلال السنوات الستين منذ إنشاء دولة إسرائيل كنتم مشاركين بعمق في هذه المعجزة، ونحن ممتنون جداً، ليس كأمريكيين، بل كمواطنين في هذا العالم للخدمة التي أديتموها"... أوباما هنا لم يمتدح بيرز بما لم يفعله الإسرائيليون أنفسهم فحسب، وإنما أعطى هذا المديح لمسة أممية أيضاً!

إنه أوباما...من نصب "إياد فاشيم" الذي أبدى فيه خشوعاً لم يبد حتى ماكين مثيلاً له، حيث ألقى هناك ورقته الإنتخابية، مسطراً في سجل الزوار "لن يحدث ثانية"، فحائط البراق أو "المبكى" على بعد مئات الأمتار من الأسوار التهويدية العازلة، حيث أودع جدرانه بخشوع تلك الورقة ذاتها الممهورة تضرعاً وهو يعتمر القلنسوة اليهودية، إلى تفقده التضامني لمستعمرة سديروت على مشارف غزة المنكوبة المحاصرة دونما الإلتفات لمأساتها وهي تواجه هذه الجريمة الإبادية الإسرائيلية الغربية المستمرة... إلى الإمعان في تكرار ذات اللازمة الغربية اتجاه إسرائيل ووجودها وأمنها والحرص على دعم وتغطية عدوانيتها، و حتى حد مطالبتها بعدم "التنازل" عن بعض ما اغتصبته، كان هو أوباما... هذا الذي كاد بعض العرب المراهنون على تغيير قد يجلبه وصوله إلى البيت الأبيض على رياح السياسة الأمريكية وملحقاتها الغربية ازاء تداعيات الصراع في بلادنا، أو حتى مجرد تليينها، يدعونه بالأخ أوباما... أي أنه إبان الشق الإسرائيلي من جولته الإنتخابية الأمريكية كان خير ما يعبر عن تلك السياسة الثابتة جوهراً بغض النظر عن اختلاف العهود وأسماء قاطني البيت الأبيض أو عناوينهم الحزبية، وإن أوحت المزايدات الإنتخابية بثمة خلاف شكلي فإنما في درجات تزويقها... أي أن أوباما لن يختلف عن سواه، إن قيض له التربع على عرش الإمبراطورية الأمريكية، إلا في لون بشرته، التي ربما قد تشكل له عقدة قد تسهم في مغالاته لنفي هذا الإختلاف!

... بقي أن نقول أن أوباما المختلف عن ماكين، فقط في زيارته الخاطفة لرام الله، والتي جاءت وكأنما هي محطة في زيارته الإسرائيلية، حيث لم تزد على ساعة التقى فيها رئيس سلطتها، رفض بعدها على غير عادة الإدلاء بأي تصريح... لم يكن المختلف إلا ربما ليوحي باهتمامه بما يدعى "المسيرة السلمية" لا أكثر... إلا أنه قد تسبب بزيارته هذه في اتحافنا بهذه الطرفة التي مصدرها تصريح للناطق الرسمي نبيل أبو ردينه يقول فيه:
إن أبو مازن قد وضع أوباما "في صورة الوضع الداخلي وسير المفاوضات"!!!

التعليقات