31/10/2010 - 11:02

الأرض أم "السلطة"؟../ علي جرادات

الأرض أم
رغم أن الأزمة الفلسطينية الداخلية، وذروتها فصل غزة عن الضفة الغربية، هي معضلة سياسية، وليست قانونية. ورغم أن ألف باء المسؤولية الوطنية تفرض على حركتي فتح وحماس معالجتها على هذا الأساس، إلا أن قيادتهما، لا تكفان عن تغطية هروبهما مِن مواجهة شمس هذه الحقيقة بغربال اللعب بالفتاوى القانونية المتبادلة، التي على أهميتها كمبدأ، إلا أن الجدل حولها لن ينتهي، وسيجد كل طرفٍ منهما فقهاء قانونيين لدعم موقفه، حتى لو جئنا بمالك الذي “لا يفتى وهو في المدينة”.

الانقسام الفلسطيني يتعمق يوماً إثر يوم. وبعد أن عقدت حركة حماس جلسة للمجلس التشريعي، عبر اعتماد “التوكيل” كصيغة رسمية لتجاوز الغياب القسري للمعتقلين مِن نوابها، يكون فصل غزة عن الضفة الغربية، قد تفاقم أكثر، وخطا خطوة نوعية أخرى نحو المجهول. فبهذه الخطوة، أصبحت سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية بحكومتين وجهازين قضائيين ومصدرين تشريعيين. وستزيد الطين بلة، إذا ما أقدم الرئيس الفلسطيني على إصدار مرسومٍ يقضي بحل المجلس التشريعي، كخطوة مِن بين خطوات متوقعة للرد على إجراء “حماس” آنف الذكر، حسب توقعات الكثير من المراقبين.

يشير استمرار لعبة الفعل ورد الفعل بين طرفي الصراع، “فتح” و''حماس”، فضلاً عن تلهي قيادتهما باللعبة القانونية، الى غياب إرادة قيادية فلسطينية لمعالجة الأزمة، ووقف تداعياتها، بما يؤكد أن معالجة الانقسام الفلسطيني لم تعد تحت السيطرة الفلسطينية، بل تتداخل بنسبة كبيرة مع إرادات خارجية، تلعب السياسة الأمريكية الداعمة للكيان الصهيوني، دوراً أساسياً في التأثير فيها.

إن تدحرج كرة فصل غزة عن الضفة، وعدم توفر الإرادة القيادية الداخلية لوقف تداعياتها، هو أمر في غاية الخطورة، ويشي بتحول الانقسام الفلسطيني الى مأزقٍ مستعصٍ، والى حالة متواصلة مِن الصراع على قيادة الشعب الفلسطيني وتمثيله، دون الانتباه الى أن السلطة التي يجري التنازع على شرعيتها، هي سلطة حكم ذاتي صورية، تنقصها السيطرة على الأرض، التي تشكل الركن الركين لأي سلطة، ناهيك عن أن الأرض الفلسطينية والسيطرة عليها، شكلت، وما زالت تشكل جوهر الصراع مع الكيان الصهيوني، منذ قرابة قرن مِن الزمان. ولا يلغي مرارة هذه الحقيقة، لجوء قادة الكيان الصهيوني الى حيلة إخراج جيشهم مِن وسط التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة وغزة، كصيغة مموهة لبقاء الاحتلال، واستمراره “عن بُعْد”، بما يخفف مِن أعبائه وتكاليفه السياسية والأمنية والمادية والأخلاقية.

أمام مرارة الحقائق السالفة، على قيادتي “فتح” و”حماس” أن تتوقفا. فتلك حقائق مجتمعة، وكل منها على حدة، تنطوي على دلالات سياسية بعيدة المدى، ربما يكثفها القول: دعوكم مِن غربالٍ يُرادُ منه التغطية على شمس أن الأرض والسيطرة عليها مثلت، وما زالت تمثل، جوهر الصراع مع الصهاينة، كما برهن تاريخه الواقعي منذ وعد بلفور المشؤوم وحتى اليوم.

رب قائل: لا جديد في هذا الاستخلاص. وهذا قولٌ صحيح مائة في المائة، ولكن الأصح هو أن قيادتي “فتح” و”حماس” تهربان مِن استحقاقات التصرف على أساس دلالاته السياسية، التي تؤكد بؤس سائد سلوكهما السياسي الراهن، الذي قاد فيما قاد الى فصل غزة عن الضفة، اللتين أصبحتا كيانين بحكومتين وجهازين قضائيين ومصدرين تشريعيين، برغم أنهما لا تزالان تحت السلطة الفعلية لاحتلال أجنبي غاشم، يستبيح أرضهما وسكانهما على مدار الساعة، بل ولا يلوح في الأفق، ما يشير الى إمكان أنه (الاحتلال) في وارد التزحزح قيد أنملة عن تمسكه بالأرض ومواصلة السيطرة عليها، ولو بصيغة “الاحتلال عن بُعْد”.

مع كل هذه المشاهد السريالية في الواقع الفلسطيني، يغدو السؤال: هل حقاً ما زالت الأجنحة القيادية الفلسطينية، سواء هنا في الضفة أو هناك في غزة، تتصرف بناء على أن الأرض والسيطرة عليها، وليس “السلطة” والتنازع عليها، هي الأساس والمنطلق والقول الفصل وبيت القصيد في رسم السياسة وتكتيكاتها الملموسة وسلوكها اليومي المباشر؟

إن استمرار تدحرج كرة فصل غزة عن الضفة، لا يشي بذلك، ما يعني تقدم السلطة على الأرض في الذهن القيادي الفلسطيني، الذي يعيش أشد حالات إدقاع وعيه الوطني، منذ نشوء الحركة الوطنية الفلسطينية في عشرينات القرن العشرين الماضي، وحتى يوم الناس هذا، ما يجعل المشروع الوطني الفلسطيني في خطر حقيقي، ويضعه وجهاً لوجه أمام سؤال: الأرض أم السلطة؟

التعليقات