31/10/2010 - 11:02

الإعصار"آيك" وأمن الطاقة../ د.ظافر مقدادي

الإعصار
قُدّر لسكان هيوستن أن يكونوا شهود عيان على أهمية الطاقة الكهربائية في القرن الحادي والعشرين. كيف عاش سكان هيوستن بدون كهرباء لمدة أسبوع وأكثر؟ الإجابة باختصار شديد تكمن في أننا فهمنا أن الكهرباء هي الحياة، ليس من المنطلق البيولوجي بل من الناحية الوظيفية، فبدون كهرباء لا وجود للماء، والماء هو الحياة. هل نحتاج شرحاً؟ كل شيء تعطل.. كل شيء.. الحياة تعطلت.. ولو كانت هيوستن معزولة عن العالم لانتظر الناس حتفهم موتاً من العطش والجوع والحرّ والأمراض التي كان من الممكن أن تنتشر في المدينة.. كل شيء معطل: المستشفيات، المواصلات والاتصالات، محطات الوقود، مضخات المياه والصرف الصحي، المدارس والجامعات، الأسواق، المصانع والمعامل، المزارع والمخازن.. كل شيء يتغذى بالكهرباء تعطل، وهل هناك شيء لا يتغذى بالكهرباء في القرن الحادي والعشرين؟

لقد فهمنا، لحدّ العظم، معنى أمن الطاقة وأهميته للأمم.. فهمنا لماذا لا تتوانى الدول العظمى عن شن حروب من أجل الطاقة ومصادر الطاقة وتأمين طرق إمداداتها والتحكم في توزيعها. هل نحتاج إلى الكثير من الذكاء لنفهم سر غزو العراق؟ أو سر الصراع على حوض قزوين-الأسود وأهمية أبخازيا واوسيتيا لروسيا؟ أو سر الغضب الأوروبي والأمريكي من بلطجة روسيا؟ هذه الدول تنظر إلى مستقبلها وتخطط لأمنها الطاقوي المستقبلي من الآن. هي بحاجة للنفط والغاز، ولكنها أيضاً تستثمر في الطاقة المستقبلية النظيفة والمتجددة: النووية والهوائية والشمسية وطاقة حرارة الصخور الجوفية (الجيوحرارية) وطاقة سدود المياه (الكهرومائية) وطاقة المد والجزر وغيرها.

بلغ الاستهلاك الأمريكي للطاقة الكهربائية (في عام 2005 حسب معلومات موقع وكالة الاستخبارات الأمريكية) 3.8 تريليون كيلوواط (بمعدل 13 ألف للفرد)، حيث كان إنتاجها للكهرباء حوالي 4 تريليون كيلوواط تأتي من المصادر التالية: 71% من النفط والغاز والفحم (الوقود الاحفوري غير المتجدد)، 21% من الطاقة النووية، 6% من طاقة المياه، 2% من المصادر الأخرى المتجددة.

هذه الأرقام تبين مدى إدمان أمريكا على الوقود الاحفوري. ولو قارنا هذا الاستهلاك بالاستهلاك الفرنسي لوجدنا أن فرنسا تعتمد على الطاقة النووية أكثر في إنتاج الكهرباء، فهي تنتج حوالي 540 بليون كيلوواط، 77% منها تأتي من الطاقة النووية و14% من طاقة المياه و8% فقط من الوقود الاحفوري. أما النرويج، وهي دولة مصدرة للنفط، فإنها تولد 98% من كهربائها من الطاقة الكهرومائية.

ولو قارنا هذه الأرقام ببعض الأرقام العربية لوجدنا أن مصر مثلاً تنتج 102 بليون كيلوواط، 81% منها تأتي من طاقة الوقود الاحفوري و19% من طاقة المياه (شكراً لنهر النيل ولمشاريع الزعيم الراحل عبد الناصر).

أما المملكة السعودية فتنتج 165 بليون كيلوواط كلها تأتي من طاقة النفط والغاز. وكذلك معظم الدول العربية تعتمد على طاقة النفط والغاز بالكامل لإنتاج الكهرباء، باستثناء مصر كما أسلفنا وسوريا والسودان والمغرب والعراق ولبنان التي تعتمد على طاقة المياه بنسب متفاوتة، مع العلم أن لبنان هو البلد العربي الوحيد الذي يعاني عجزاً في ميزان الطاقة الكهربائية (حسب أرقام عام 2005). والملفت للنظر أنه لا يوجد دولة عربية واحدة تعتمد على مصادر أخرى، نظيقة ومتجددة، لإنتاج الكهرباء، وهنا تكمن الخطورة على مستوى التخطيط للمستقبل.

يأتي الازدياد في الطلب على الكهرباء من اتجاهين: عمودي وأفقي. عمودياً يزداد طلب الفرد الواحد للكهرباء مع مرور الزمن، وذلك بسبب ازدياد مستوى الرفاهية وما تعنيه من امتلاك وسائل التكنولوجيا الحديثة التي تعمل بالكهرباء، فاستهلاكي، واستهلاكك أخي القارئ، للكهرباء اليوم أكثر بكثير منه قبل سنوات، وسيكون استهلاكنا أكثر في المستقبل. وأفقياً يزداد الطلب بسبب تزايد عدد السكان وما يعنيه هذا من الحاجة لتلبية حاجات السكان الجدد الحياتية والإنتاجية وإنشاء المدن الجديدة.

وحسب أرقام إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فإن الطلب العالمي على الكهرباء سيتضاعف بحلول عام 2025، في الوقت الذي يكون فيه العطاء الاحفوري غير المتجدد في تدهور، أي أن الخط البياني للكهرباء في صعود والخط البياني الاحفوري في هبوط، وفي نقطة ما سيلتقي الخطان، أي أن الطلب على الكهرباء سيكون مساوياً للإنتاج الاحفوري، وهي نقطة كارثية إذا لم تكن لدينا مصادر أخرى لإنتاج الكهرباء.

صحيح أن الولايات المتحدة تُنتج الآن 2.5% من كهربائها من مصادر الطاقة المتجددة و21% من الطاقة النووية، إلا أن معلومات جامعة (آ آند إم في تكساس) تشير إلى وجود 21 محطة نووية قيد الإنشاء. وليست الولايات المتحدة البلد الوحيد الذي يذهب باتجاه المحطات النووية، فمعلومات الوكالة الدولية للطاقة الذرية تشير إلى وجود 24 محطة نووية تحت الإنشاء في دول مثل كوريا الجنوبية واليابان والهند وروسيا والصين. أما بالنسبة لمصادر الطاقة المتجددة فالتقارير تشير إلى ارتفاع نسبة الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة بمقدار 25% في عام 2006. وهذه المصادر المتجددة مسؤولة الآن عن إنتاج 18% من كهرباء العالم. وحسب توقعات وزارة الطاقة الأمريكية فإن مصادر الطاقة غير الاحفورية (النووية والمياه والمتجددة) ستكون مسؤولة عن 80% من طاقة الكهرباء بعد 20 عاماً.

يتحدث المختصون عن أربعة طرق للتعامل مع أمن الطاقة: الطريق الأول هو الطريق التقليدي وما يعني من المضي قدماً في الاعتماد على المصادر الاحفورية التقليدية، والثاني هو الطريق الطويل وما يعني من الانتظار حتى تتغير مراكز القوى السياسية والاقتصادية العالمية، والثالث هو الطريق السريع ويعني الاستثمار المبكر في الطاقة النظيفة والمتجددة، والطريق الرابع هو الطريق المنكسر ويعني المضي في الطريق الأول حتى تقع الفأس في الرأس. ففي أي طريق يسير العرب؟

حتى الآن نسمع طحناً ولا نرى قمحاً في الدول العربية. سمعنا وقرأنا عن محادثات نووية بين فرنسا ودول المغرب العربي والأردن، وعن مشاريع شمسية ألمانية في الصحراء الكبرى، وعن مشاريع مصرية شمسية، وعن وعن وعن. والمقلق فعلاً أن الدول العربية، وبخاصة الخليجية الغنية بالنفط والغاز، لا تنكر وجود أزمة كهرباء، وبعض الدول مثل الإمارات تستورد الغاز من قطر لإنتاج الكهرباء. وتقول الأخبار إن الإمارات وعُمان بصدد استيراد الفحم لتوليد الكهرباء!.

إذاً توجد أزمة كهرباء الآن، فما بالكم بعد عشر سنين مثلاً؟ لقد قرأنا أن دول مجلس التعاون الخليجي بحاجة إلى 100 بليون واط من الكهرباء خلال العشر سنين المقبلة (أي استثمار 100 بليون دولار). فهل نبدأ بالعمل من الآن على استراتيجية الأمن الطاقوي العربي ونسير في الطريق الثالث السريع أم نتبع الطريق الرابع المنكسر؟

هل يستطيع أحد أن يتصور مدينة مثل دبي بدون كهرباء لمدة أسبوع؟ كان عليكم أن تزوروا هيوستن لتتأكدوا من الجواب.

التعليقات