31/10/2010 - 11:02

الطريق إلى أنابولس../ ماجد كيالي

الطريق إلى أنابولس../ ماجد كيالي
أثار المؤتمر المزمع عقده في أنابوليس، والذي دعت إليه الإدارة الأمريكية، لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، العديد من وجهات النظر والتساؤلات.

فعلى جبهتي الطرفين ثمة معارضة لحضور المؤتمر، إذ تعتقد المعارضة الفلسطينية، مثلا، أن المؤتمر مخصص لتصفية القضية الفلسطينية، وأن الغرض من عقده مجرد التعويض للإدارة الأمريكية عن إخفاقاتها في العراق، وتشكيل جبهة "المعتدلين" في المنطقة لمحاصرة إيران، وما باتت تمثله في الشرق الأوسط، مع كل من سورية وحزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين.

اللافت أن المعارضة الإسرائيلية للمؤتمر لاتقل شدة عن المعارضة الفلسطينية له، بدعوى التمسك بعدم تقديم تنازلات في القدس وبما يخص المستوطنات، وعدم التخلي عن "أرض إسرائيل الكاملة"، وأن إسرائيل غير معنية بدفع ثمن إخفاقات إدارة بوش في المنطقة من جيبها الخاص. وبحسب الياكيم هعتسني (كاتب يميني متطرف) فإن التسوية، التي تتضمن قيام دولة فلسطينية، ستؤدي إلى "إرهاب مضاعف وكاتيوشا على تل أبيب، شل قدرة الجيش الإسرائيلي في النطاق الضيق، رعاية سياسية من الرباعية ورعاية عسكرية من الناتو، قطع النقب برواق فلسطيني، فوضى من "عرب إسرائيل"، فقدان المخزون الجوفي للجبل، ضغط منظم من اللاجئين على الخط الأخضر وهبوط في مكانتنا الدولية." ثم يتساءل: "ماذا سيحل بنا نحن كشعب، كمجتمع؟..الاقتصاديون سيحسبون – إذا كان طرد 10 ألاف شخص كلف 10 مليار شيكل (يقصد مستوطني غزة)، من أين سنأتي بـ 100 مليار لـ 100 ألف ضحية؟.. المؤرخون والفلاسفة سيبحثون في التأثير على الفكرة الوطنية: كيف سيضر هدم المستوطنات بقيمة الاستيطان؟ كيف سيضر هدم الجيش الإسرائيلي للمشروع الاستيطاني بقيمة "الأمن"؟ وماذا سيفعل هجر أرض إسرائيل التوراتية بقيمة "حب الوطن"؟ الديمغرافيون سيتنبأون في كيف أن تحطم الفكرة الصهيونية سيجفف الهجرة إلى البلاد وكيف ستتضرر قوة جذب البلاد التي لم تعد ملجأ آمنا". (يديعوت أحرونوت12/11/2007)

طبعا المشكلة لا تتجلى فقط عند المعارضة لدى الطرفين، ذلك الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، وهما الطرفان المعنيان بالمفاوضات لا يبديا ارتياحا أو حماسا شديدا للذهاب إلى أنا بوليس، لأسباب متباينة.

السلطة الفلسطينية من جهتها تتوجّس من أن تتكرر في أنابوليس تجربة المفاوضات المهيضة في كامب ديفيد2(تموز 2000) حيث أطاح العنت والتلاعب الإسرائيلي بالمفاوضات، وكان أن تم تحميل الطرف الفلسطينية (الضحية) مسؤولية الإخفاق وكان ما كان، من الانتفاضة إلى حصار ياسر عرفات ومعاودة إسرائيل احتلال مناطق السلطة الفلسطينية (آذار 2002).

ومن وجهة نظر السلطة فإن الواقع الداخلي الإسرائيلي، وضمنها الخلافات داخل حزب كاديما، والخلافات بين أولمرت وباراك (زعيم حزب العمل) يمكن أن تقلل كثيرا من الطموحات الفلسطينية، بشأن ما يمكن أن ينتج من المؤتمر.

ومن وجهة نظر الرئيس الفلسطيني محمود عباس فإن فشل المؤتمر يمكن أن يعود بالكارثة على السلطة، وعلى المنطقة إجمالا، خصوصا بعد ما حصل في قطاع غزة، من هيمنة لحركة حماس عليه، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية. ومن وجهة نظر أبو مازن فإن تدهور مكانة السلطة، وحزبها (فتح)، لصالح حماس، يعودان، بين أسباب أخرى، لإخفاق خيار المفاوضة، وتهرب إسرائيل من استحقاقات عملية التسوية، واعتمادها الخيار الأمني، وإحراجها السلطة.

وتعتقد أوساط السلطة الفلسطينية بأن الوضع يتطلب تدخلا حازما من قبل الإدارة الأمريكية لحضّ إسرائيل، وتشجيعها على تقديم استحقاقات مهمة في مفاوضات أنا بوليس، من ضمنها: 1) عودة الأوضاع إلى ماكانت عليه في مناطق السلطة قبل الانتفاضة. 2) فتح المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية. 3) الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين في السجون الإسرائيلية. 4) وقف عمليات الاستيطان ومصادرة الأراضي وتفكيك المستوطنات العشوائية. 5) رفع الحواجز وتسهيل حركة الفلسطينيين. 6) الاتفاق على جدول زمني بشأن إنهاء عملية المفاوضات حول قضايا الحل النهائي. 7) قيام دولة فلسطينية في حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، مع الانفتاح على مبدأ التبادلية النوعية والكمية وفق نسبة 1/1. 8) التوافق على صيغة معقولة ومقبولة بشأن حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194. 9) اعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، مع العودة لصيغة كلينتون بشأن اعتبار الأحياء الفلسطينية ضمن القدس الشرقية، وضم الأحياء اليهودية للقدس الغربية.

في مقابل ذلك تبدو الأجندة الإسرائيلية، ورغم كل التحفظات الداخلية، جد متحفزة وطموحة، فإيهود اولمرت يرى في المؤتمر، الذي يعقد على خلفية التأزم الحاصل في المنطقة على أكثر من صعيد، ضالته لتعويم وضعه، والمزايدة على منافسيه، عبر فرض عديد من المسائل ضمنها: 1) طرح فكرة الاعتراف بطابع إسرائيل كدولة يهودية، كشرط مسبق للاعتراف بالدولة الفلسطينية. 2) انتزاع اعتراف عربي وفلسطيني خصوصا بشأن اعتبار قيام دولة فلسطينية هو بمثابة نهاية للصراع ونهاية للمطالب الفلسطينية. 3) عدم الاستعداد للالتزام بجدول زمني لإنهاء المفاوضات. 4) تفسير حق العودة للاجئين بعودة هؤلاء للدولة الفلسطينية. 5) فتح مجال التطبيع مع الدول العربية بالتزامن مع الخطوات المتحققة وليس بعدها. 6) ربط تقديم أي استحقاقات بشأن عملية التسوية بضمان أمن إسرائيل؛ وهذا هو المقصد من طرح خطة "خريطة الطريق"، التي أكل الدهر عليها وشرب، لاسيما أن هذه الخطة تفترض قيام السلطة بمكافحة الإرهاب (بالمصطلحات الإسرائيلية)، مقابل تنفيذ إسرائيل لما هو مطلوب منها في المرحلة الأولى (وقف الاستيطان ورفع الحواجز الأمنية وفتح المؤسسات في القدس).

وبحسب تقرير كتبه بن كسبيت عن المفاوضات الدائرة بين الفلسطينيين بقيادة أحمد قريع، والإسرائيليين بقيادة تسيبني ليفني (وزيرة الخارجية)، تمهيدا لاجتماع أنابوليس، فإن ورقة العمل التي يجري الإعداد لها تتضمن أن الجدول الزمني لن يكون نصف عام مثلما يطالب الفلسطينيون وإنما أطول من ذلك (18 شهرا"، مثلا). وأن هدف المفاوضات هو "إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للبقاء إلى جانب دولة إسرائيل.. إذا رغبت إسرائيل في ضم مناطق خلف خط الحدود الدولي إليها فستمنح الفلسطينيين تعويضا ملائما وعادلا". القدس ستكون عاصمة الدولتين. مكانة الحوض المقدس ستعالج في التسوية الدائمة فقط. اللاجئون: الدولتان ستكونان دولة قومية. فلسطينية للفلسطينيين ودولة إسرائيل لليهود. اللاجئون سيحظون بحل مقبول على الجانبين، كل دولة ستشكل حلا لشعبها. وسيشكل جهاز تعويض دولي لتخفيف معاناة وضائقة اللاجئين.. إسرائيل ستخلي بؤرا استيطانية وتطلق سراح سجناء (قبل أسابيع كثيرة نشر هنا خبر حول رزمة بوادر ايجابية تشمل إطلاق سراح السجناء وتتيح لأبي مازن اجتياز القمة بسلام). الفلسطينيون سيتحركون في المسائل الأمنية، والأسرة الدولية ستتولى المساعدة. وهناك أيضا عالم عربي. لفني تعتبره مفتاحا. "التطبيع على مراحل" تطالب، وليس فقط في آخر العملية. إذا أعطينا الفلسطينيين فعلى على العالم العربي أن يعطينا في المقابل. (معاريف 9/11/2007)

من ذلك فإن الطريق إلى مفاوضات أنابوليس، بالنسبة للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، محكومة بالمحددات التالية: أولا، تباعد الأجندة الخاصة بالمفاوضات لدى الطرفين المعنيين، فلكل حساباته وأولوياته ومطالباته، التي لايمكن للطرف الأخر أن يوفرها، على الأقل في الظروف المعقدة الحالية. ثانيا، أن الطرفين المعنيين يمران بأوضاع داخلية صعبة وغاية في الحساسية، وأنه كل منهما ينتظر من المفاوضات أن تعزز من موقعه الداخلي. ثالثا، أن الطرفين يذهبان للمفاوضات تحت ضغط الأوضاع الإقليمية المضطربة والمفتوحة على كل الاحتمالات، وليس بنتيجة النضج لتسوية عادلة ومتوازنة. رابعا، أن كل طرف من الطرفين المعنيين ينتظر من الإدارة الأمريكية أن تضغط على الطرف الأخر، لإجباره على تقديم التنازلات للطرف الأخر.

على ذلك، فإن هذا المؤتمر لن يكون أفضل من المؤتمرات التي سبقته، على الأرجح. وهكذا فإن التسوية ستنتظر تغيرات دولية وإقليمية ومحلية أخرى.

التعليقات