31/10/2010 - 11:02

العرب وكسر الحصار../ راسم عبيدات

العرب وكسر الحصار../ راسم عبيدات

.... المأساة والمفارقة هنا،انه ليس فقط من أن من يكسرون الحصارات الظالمة على البلدان العربية، هم ليسوا عرباً ولا يمتون لهذه العروبة بصلة، بل والأغرب والأدهى من ذلك أن من يشارك ويساهم بشكل فاعل وأساسي في فرض هذا الحصار وتطبيقه على وطنهم وبلدانهم، هم الأنظمة العربية نفسها، والجميع منا يتذكر العراق قبل احتلاله جيداً، كيف كان أطفاله يموتون جوعاً ومرضاً، بفعل الحصار الأمريكي والغربي الظالم، والكثير من الدول المحيطة والمجاورة للعراق من عربية وإسلامية، كانت تتفاخر وتتباهي بالتزامها بتطبيق الحصار على العراق، وترفض تقديم أي دعم ومساندة لشعبه في الإطار الإنساني، تقديم أدوية وأغذية ومستلزمات وتجهيزات طبية.

أذكر أن وزير الخارجية الفرنسي السابق "فيدرين" سئل في مقابلة تلفزيونية معه حول دور فرنسا في الحصار، ولماذا لا تساهم في رفع الحصار، وكانت إجابته لهم أن فرنسا لا يمكن ولا تستطيع أن تكون وكما يقول المأثور الشعبي "كاثولكية أكثر من البابا" أو"ملكية أكثر من الملك"، أي بمعنى آخر أن من يفرض الحصار على العراق هم الدول العربية نفسها قبل غيرها، فلو فتحت حدودهم لما بقي حصار على العراق، الحصار الذي جاء الرئيس الفنزويلي "هوغو تشافيز" من أقصى أمريكيا اللاتينية ليخرقه ويعلن تضامنه ووقوفه إلى جانب العراق قيادة وشعباً، وكذلك النائب البريطاني"جورج غالاوي" والذي جاء على رأس وفد تضامني بريطاني، والذي قامت إحدى الدول العربية المجاورة للعراق باحتجازه واستجوابه، حول خرق الحصار وربما لولا حصانته الدبلوماسية لأمرت باعتقاله.

ونفس هذه الأنظمة العربية التي شاركت في حصار العراق وتسهيل العدوان عليه والمساهمة الفعلية في احتلاله، هي التي تفرض الحصار على الشعب الفلسطيني اليوم، والذي يموت أطفاله جوعا ومرضاً بفعل الحصار الإسرائيلي – الأمريكي الظالم. ولكن حجج وذرائع حصار وتجويع الشعب الفلسطيني هي ليست نفس حجج وذرائع محاصرة العراق واحتلاله، وان التقت معها في الجوهر، رفض الهيمنة والسيطرة الأمريكية ورؤيتها واشتراطاتها لما يسمى بالعملية السلمية.

ففي العراق كانت الحجج والذرائع والتي سقطت لاحقاً جميعها وكشف زيفها وكذبها وخداعها، امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وديكتاتورية النظام وغياب الديمقراطية، لكي يكتشف الشعب العراقي لاحقاً، أن نار الشهيد صدام حسين أفضل ألف مرة من جنة أمريكيا وديمقراطيتها، والأدوات التي نصبتها لحكم العراق، وأن الهدف من الاحتلال هو نهب خيرات وثروات العراق، وفي المقدمة منها النفط.

واليوم تأتي سفينتي "ليبرتي" و"غزة الحرة"، وعلى متنهما 44 ناشط سلام أجنبي من أربعة عشرة دولة أوروبية، لكي يعلنوا تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، ويدعوا لرفع الحصار عن القطاع والشعب الفلسطيني، في حين أن الحدود والمعابر العربية مغلقة ومقفلة أمام أهل غزة، بل ويعلق الكثيرون منهم، ممن يجتازون هذه المعابر والحدود تحت وطأة الجوع والحاجة والمرض عشرات الأيام على تلك المعابر، تحت السماء والطارق وبلا رحمة أو شفقة.

والجامعة العربية "أمد الله في عمرها"، والتي لا يسمن وجودها ولا يغني من جوع، والتي اتخذ وزراء خارجيتها العرب قراراً بكسر الحصار على غزة، لم يكلفوا أنفسهم عناء حتى مجرد الدعوة لتطبيق هذا القرار، بل يبدو أن قرارهم هذا كباقي قراراتهم السابقة، لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به. والقرارات الوحيدة التي تترجمها الجامعة العربية ووزراؤها وزعماؤها، هي التي تأمر بها رايس، فهي الوحيدة التي تجمع الوزراء والزعماء، وهي التي تأمر وتنهى في كل شؤونهم السياسية والاقتصادية، وشكل وإطار علاقاتهم وتحالفاتهم.

ولا أخال هذه القيادات التي رهنت وجودها وقرارها السياسي إلى أمريكا والدول الغربية، وتخلت عن المقاومة طواعية، بل وانتقلت للهجوم عليها وذبحها، بقادرة على فعل أي شيء للمصالح القومية والوطنية، فالنظام الرسمي العربي، والذي يعاني من حالة انهيار ورده شاملتين، لا يؤمل منه شيء. ولكن القوى والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني العربي، أليست بقادرة على تحدي أنظمتها والقيام بمثل هذه الخطوات، التي يقوم بها متضامنون أجانب، بدلاً من الاعتصام والمظاهرات في الساحات المغلقة، إلا إذا كانت ترى أن ما تقوم به، هو من باب رفع العتب، ومجرد عمل شكلي وإعلامي ودعائي، وليس جزءا من واجب وعمل كفاحي ونضالي، يستهدف تقديم الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني، وتشكيل حالة ضاغطة على الأنظمة، من أجل إجبارها على اتخاذ خطوات جدية نحو كسر الحصار على الشعب الفلسطيني. ومثل هذه الخطوات والأنشطة هي التي تعيد الثقة بهذه الأحزاب والمؤسسات، وتعزز من حضورها ووجودها بين الجماهير. ولا يمكن لهذه الأحزاب والقوى أن تنهض وتستعيد حضورها ودورها بدون أن تدفع ثمن مواقفها ونضالاتها دماً وسجنا. واستمرارها في خطواتها وتحركاتها وأنشطتها، بنفس الرتابة والنمطية ووفق مقاسات وإيقاعات السلطة وما تريده، من شأن ذلك أن يظهر هذه الأنظمة بالحاضن والداعم لمثل هذه الأنشطة، وأن ينفس ويفرغ الحركة الجماهيرية والشعبية من مضمونها ومحتواها، دون أن يخلق ذلك أية تراكمات من شأنها أن تنهض وتطور وتوسع هذه التحركات والأنشطة، تجاه تشكيل بديل سياسي جدي وحقيقي، لهذه الأنظمة وسياساتها، حيث أن الكثير من الأحزاب والقوى والمؤسسات بأنشطتها وتحركاتها الحالية، يظهرها بمظهر المتقاسم للأدوار مع النظام وسياساته.

انه عار كبير على هذه الأمة، قيادات رسمية، أحزاب وقوى معارضة بمختلف ألوان طيفها السياسي ومؤسسات مجتمع مدني، أنه في كل مرة تفرض فيها أمريكا وإسرائيل وحلفاؤها الغربيون حصارا وعقوبات على أي من الدول العربية والإسلامية خدمة لمصالحها وأهدافها، تسارع الدول العربية "بالباع والذراع" لتطبيقها والتزام بها، بحجة وذرائع التزام بالقرارات الدولية، وهي تعلم وتعرف جيداً، أن هذه القرارات والعقوبات خاصة بالعرب والمسلمين وحدهم، ولهم بند خاص في هذه القرارات، هو البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بند استخدام القوة العسكرية، في حال رفض تنفيذ ما تريده أمريكا والغرب، وجميعنا عرب ومسلمين نعرف جيداً مدى ازدواجية "وتعهير" القرارات الدولية، وأن ما يطبق على العرب والمسلمين ليس بالمطلق تطبيقه على إسرائيل أو أمريكا وغيرها، فهل من صحوة عربية واحدة لأي زعيم عربي يقول "لا" بالفم المليان ونقف خلفه "بقدنا وقديدنا"، بدلاً من الهجوم عليه ومحاولة جره إلى خانة الخنوع والخضوع..

التعليقات