31/10/2010 - 11:02

الفلسطينيون يجلدون ذاتهم../ مصطفى إبراهيم*

الفلسطينيون يجلدون ذاتهم../ مصطفى إبراهيم*
إلى كل الشهداء الذين رووا بدمائهم الطاهرة أرض فلسطين الغالية من دون أن يعلموا أنهم فعلوا ذلك من أجل الحزب أو العشيرة أو السلطة، بل ضحوا بدمائهم الزكية من أجل فلسطين.

الحال التي وصل إليها الفلسطينيون لا تخفى على أحد، وهم مهمومون بحال الانقسام وبالتبرير لما يجري من قتل وإقصاء وتغييب وإجتثاث كل طرف منهما للآخر خاصة حركتي فتح وحماس ودور كل منهما في تعميق الانقسام والاصطفاف كلٌ خلف الايدولوجيا أو المشروع الذي ينتمي إليه أو من ينطلق من مصلحة شخصية، أو المؤسسة الحزبية أو التجارية التي ينتمي إليها. فالفلسطيني الذي يبحث عن الوطن وحاله وهمومه يشعر بفجيعة مُرة لأنه لا يلتق فتحاوياً أو حمساوياً واحداً يكن الاحترام للآخر، أو يقتنع بما يقوم به، أو يحترم له تاريخاً أو موقفاً.

فالحرب التي يشنها الطرفان كلٌ على الأخر، وعلى كل من لا يصطف معهما أو يفكر تفكير مختلف عنهما، هي حرب أكثر ضراوة من حربهم ضد الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية والتوسعية والتنكر لحقوقهم، فالدفاع عن القضية الوطنية وفضح ممارسات الاحتلال، أصبح من الماضي وكأن الاحتلال زال.

حتى الآن لم يمتلك الفلسطينيون الشجاعة والاعتراف أن ظاهرة الانقسام ظاهرة حقيقة، ولم يفكروا معاً أنهم يعيشون أزمة حقيقية وليست جديدة وهي ليست وليدة فوز حركة "حماس" بالانتخابات التشريعية وسيطرتها على غزة.

فهذه هي الخطوة الأولى كي يتجاوز الفلسطينيون المأزق والحال المرضية التي تدفع الجميع لتلويث الجميع، وهي حال موضوعية لها أسباب ذاتية، لا تخص فريقاً من الفلسطينيين دون الآخر، وأسباب موضوعية تتعلق بالتطورات التي حدثت وتحدث في الوطن وبين صفوف الشعب الفلسطيني وثقافته وأخلاقه، وتأثيراتها الجانبية على جموع الفلسطينيين.

وهل الحرب الدائرة الآن بين هؤلاء هي العجز عن تقديم التضحيات من أجل ردم الهوة والعودة عن حال الانقسام إلى الوحدة؟

المنافسات من أجل الصعود وعدم الاعتراف بالآخر، فضلاً عن الثارات والأحقاد الصغيرة والمصالح الشخصية، وغيرها من ضعف النفوس، وما كان لكل ذلك ولهذه الأسباب الذاتية أن تأخذ هذا الحجم أو تفرض هذه الحال من جلد الذات، لولا الأسباب الأكثر أهمية، وأهمها: حال الإحباط القومي العربي، والإحباط الوطني العام التي ولدتها الانكسارات والهزائم الوطنية والشخصية خاصة اتفاق أوسلو، وما تلاه من تفكك للنسيج الوطني والسياسي، والاجتماعي، أو انقسام الفلسطينيين بين مشروعين مشروع المقاومة والممانعة ومشروع الاعتدال، وكل له امتداده العربي.

وحال الركون والانتظار التي سادت في أعقاب أوسلو، وأنهت الاستقطاب في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، إلى أن اندلعت الانتفاضة الثانية وبروز نجم حركة حماس وفصائل المقاومة، ومشروع السلطة بدأ يخبو، وكل منهم جند أدواته من أجل قضايا ومشاريع سياسية وشخصية، وكل مشروع عبأ فريقه سياسياً من خلال تربية حزبية مقيتة، وجزء منهم دافع عن القضية الوطنية من خلال التربية الحزبية والمشروع السياسي للحزب الذي ينتمي إليه.

وما وقع بعد سيطرة "حماس" على قطاع غزة بالقوة، وقبلها، جدد حال الاستقطاب والفرز، وعمق حال الانقسام السياسي والاجتماعي والجغرافي، وساهم في تفكك النسيج الاجتماعي. تلك جميعها عوامل أنهت وجود الضمير الجمعي للفلسطينيين، فأصبحنا جميعاً أفراداً يجلدون ذاتهم، وأصبحنا جميعاً نخلط بين المشروع الوطني والمشروع الخاص والابتعاد عن "النقد الذاتي" والاتفاق على القواسم المشتركة من اجل دحر الاحتلال.

فحال الانقسام لم تقتصر على كل تلك العوامل بل زج طرفي الصراع الفلسطينيين جميعهم في الخلاف السياسي، في حال مقيتة أصبحت تسيطر على جميع مناحي حياتهم، فالوضع أصبح لا يطاق لديهم، وحالة الانقسام يتم تعميقها وتعزيزها بشكل يومي، والوضع العام يزداد قتامة ومأساوية؛ حصار شامل وظالم، وتفكك اجتماعي وأخلاقي وقيمي وقتل وتحريض على القتل واعتقالات وتعذيب وإجتثاث من الجذور.

إننا لم نكن بحاجة في أي وقت إلى إحياء ضميرنا الجمعي كفلسطينيين، خاصة حركتي فتح وحماس قدر حاجتنا، وحاجة الوطن إلى ذلك اليوم، وبناء المجتمع الفلسطيني من جديد والاعتراف بالأزمة هو الخطوة الأولى لذلك، والمهمة الصعبة التي تجعل الحوار حول تفكيك الأزمة وإعادة اللحمة والوحدة الوطنية، هي الخطوة الأولى للخروج من تلك الحال المزرية التي تجعل الفلسطينيين يجلدون ذاتهم إن لم يستمروا في قتل أنفسهم.

التعليقات