31/10/2010 - 11:02

بين السلطة و"فتح" والصراع على "التاء"../ مصطفى طـه

بين السلطة و
"فتح"- حركة تحرير فلسطين من اليسار إلى اليمين، كي لا تصبح "حتف"، هكذا اختارت رموز حركة التحرر الوطني الفلسطيني اسم الحركة عند انطلاق مسيرتها سنة 1958 والتي بقيت تعمل سرًا إلى أن أعلن أبوعمار - ياسر عرفات- البيان الرسمي الأول معلنًا فيه بدء الكفاح المسلح بتاريخ 1/1/1965.

وكان جمال عبد الناصر أو من دعا إلى تأسيس كيان فلسطيني يتولى مهمة التحرير معتبرًا ظاهرة الفدائيين "أنبل ظاهرة في تاريخ العرب الحديث"، خصوصًا وأن نكبة فلسطين شكـّلت لديه عنصرًا أساسيًا في اختمار فكرة ثورة الضباط الأحرار بتاريخ 23 يوليو 1952 وهو يقاتل في الجبهة الجنوبية في أسدود وعسقلان وعراق الشباب، وجرح وهو محاصر في الفالوجة.

وهناك، من فلسطين اكتشف كم هو حجم فساد الأنظمة، كما الأسلحة، وأيقن بالكامل أن دحر الاستعمار يجب أن يبدأ بدحر عملائه في الوطن العربي، بدءا بعرش الملك فاروق بمصر، والتأكيد على البعد القومي لقضية فلسطين، فجعل منها قضية العرب. ولكن بانتكاس المشروع القومي في نكسة 1967 أخذت القضية منحى وطنيًا على حساب البعد القومي وخصوصًا بعد معركة الكرامة سنة 1968 التي هزمت فيها المقاومة الفلسطينية قوى الاحتلال الإسرائيلي فبدت الثورة كنقطة الضوء الوحيدة في أحلك ظلمات العرب التي اندحرت جيوش ثلاث دول مواجهة مركزية في ستة أيام.

ولم تكن الهزيمة العسكرية أصعب ما في هذه النكسة قياسًا بالهزيمة النفسية التي "دعمت" أسطورة الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر، ولعل معركة الكرامة هي التي نسفت هذه الأسطورة بفعل الصمود الفلسطيني. وكم استشهد جمال عبد الناصر بهذا النموذج عندما كان يحاول شحذ الهمم لقواته خلال حرب الاستنزاف التي خاضتها على طول قناة السويس ابتداء من سنة 1968 فخاطبهم: "الجندي الإسرائيلي ليس أسطورة، والفدائي الفلسطيني يتصدى للدبابة بالمسدس".

ولعل أبرز ما في "استبدال" القومي بالوطني هو ما جاء في الدورة الثانية للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في عمان سنة 1968 حيث كان البند الأول في جدول أعمال المجلس تغيير اسم الميثاق من الميثاق القومي الفلسطيني إلى الميثاق الوطني الفلسطيني.

حددت حركة التحرر الوطني الفلسطيني أهدافها بتحرير كامل التراب الوطني عند انطلاقة مسيرتها، وتحت شعار استقلالية القرار الوطني اعترفت الدول العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيًا ووحيدًا لجميع الفلسطينيين أينما وجدوا، وتبنت الحل المرحلي سنة 1974 - بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل في الضفة والقطاع - مرورًا بغزة وأريحا أولاً، لتنتهي بأحسن الأحوال إلى دويلة مقطعة الأوصال بالكتل الاستيطانية والطرق الالتفافية والحواجز العسكرية، دولة أشبه ما تكون بالقفص الذي لا تملك السلطة الفلسطينية حتى مفتاح بابه.

"فتح عرفات، أبو جهاد، أبو إياد، أبو يوسف النجار، كمال عدوان، كمال ناصر وغيرهم من شهداء الحركة الوطنية ليست "فتح" دحلان ولا أبو مازن وسلام فياض وغيرهم... وحين نناقش سلطة أبو مازن وسلام فياض نميز تماما بين "السلطة" و"فتح"، لا بل نحن ندافع بذلك عن الرصيد الوطني العريق لحركة "فتح"، كبرى الفصائل الفلسطينية، ومن قدمت أكثر من 70 بالمائة من شهداء الثورة الفلسطينية من أجل فلسطين، وعليه فالسلطة ليست مخولة بالتفريط بالثوابت الفلسطينية التي دفع في سبيلها آلاف الشهداء والجرحى والأسرى والأرامل والأيتام..

حرف التاء في "فتح" كان اختصارًا للتحرير، ولكن في الوقت ذاته تصلح لأن تكون اختصارًا "للتسليم" دون أن "تختل" حركة فتح لغويًا، والصراع هنا ليس لغويًا بطبيعة الحال، وعلى كاهل مناضلي حركة "فتح"- وهم كثر- تقع مسؤولية إعادة حركة "فتح" إلى مسارها الوطني النضالي بما يتلاءم ومخزونها النضالي العريق بموازاة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية من جديد، وتفعيل مؤسساتها لوضع إستراتيجية واحدة وواضحة حين تفاوض أو تقاوم، خصوصًا وكلنا يدرك أن الثورة ليست، وما كانت أصلاً، هدفا بذاته، وهي حين تقاوم تهدف لتحقيق برنامجها السياسي، وما من ثورة في التاريخ إلا قاتلت وفاوضت، ولكن أي ثورة هي التي تلقي بسلاح المقاومة سلفًا لتفاوض؟".

سبق وأن قيل "البندقية حين تفتقد لبرنامجها السياسي تصبح بندقية لصوص"..

التعليقات