31/10/2010 - 11:02

توثيق"المحرقة الصهيونية"- أهمية تاريخية؟!../ نواف الزرو

توثيق
ليست الأرض الفلسطينية وحدها هي التي يصول ويجول البلدوزر الصهيوني فيها اجتياحات وقتلاً ونسفاً وتدميراً واستيطاناً وبناءا للمزيد والمزيد من المستعمرات والجدران التي من شأنها في نهاية المطاف، اذا لم يتم تعطيل البلدوزر، ان تهود وتطوب فلسطين بالكامل لصالح المشروع الصهيوني، وإنما أيضا ذكرى وذاكرة النكبة تتعرض لاجتياحات بلدوزرية تجريفية شرسة بمنتهى الخطورة الاستراتيجية.

كان موشيه ديان قال في مقابلة اجرتها معه مجلة "دير شبيغل"الألمانية في تشرين الأول 1971: "في تشرين الثاني عام 1947 رفض العرب قرار التقسيم (الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة) وفي عام 1949 (بعد التوقيع على اتفاقيات الهدنة) عادوا إلى المطالبة بتنفيذه".

و"في عام 1955 - والكلام لديان أيضا كانت جميع الدول العربية المعنية ترفض اتفاقيات الهدنة، وبعد حرب حزيران 1967 عادوا إلى المطالبة بانسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران".
"ولن افاجأ - يؤكد ديان - بعد حرب أخرى تسيطر فيها إسرائيل على مناطق عربية جديدة في الأردن أو سوريا إذا ما طالبوا بالعودة إلى الحدود الحالية..".

في الصميم والجوهر إنما يتحدث ديان عن حالة التفكك والعجز والاستخذاء العربي أولا، ثم يتحدث عن ضعف الذاكرة العربية وحالة عدم الاكتراث واللامبالاة من جهة ثانية، بينما يمكننا أن نستشف من أقواله من جهة ثالثة أن الصراع الحقيقي ليس فقط على الأرض المحتلة والمغتصبة وإنما أيضا على الذاكرة والوعي الجمعي والثوابت القومية العربية.

يسعى البلدوزر دائماً بلا كلل أو ملل أو توقف أو استرخاء إلى التهويد الشامل للوطن المغتصب هناك - جغرافياً وسكانياً وحضارياً وتراثياً واقتصادياً - وذلك عبر التزييف الشامل لكل العناوين والملفات..
كما يعمل إلى جانب كل ذلك من اجل تفريغ ذكرى النكبة من مضامينها وكذلك ذاكرة النكبة من كل معانيها ودلالاتها.. في الوقت الذي يشن هجوماً تجريفياً منسقاً واستراتيجياً على العقل والوعي الجمعي العربي المتعلق بالنكبة.. الذكرى والذاكرة..

في هذا السياق لفت انتباهي وأثار ذهولي خبر قرأته في صحيفة هآرتس العبرية تحت عنوان : "لنكتب.. كي لا ننسى: حتى لو لم يكن هناك من يقرأ..؟" وجاء في الخبر: "إن مؤسسة "يد فشيم"اليهودية في القدس تتلقى وتصدر سنويا 200 كتاب مذكرات شخصية ليهود عايشوا – على حد زعمهم- المحرقة/ الكارثة اليهودية "...؟!!!
والغاية من هذه الكتب أنها توثق تفاصيل المحرقة والمعاناة اليهودية ....؟!!
- تصوروا ....؟!!!

الأمور لدينا مقلوبة تماما حيث يقومون بتوثيق جرائم مزعومة ومشكوك بأمرها حتى بشهادات عدد كبير من المراجعين الأمريكان والأوروبيين... بينما نحن الذين نتعرض لأبشع الجرائم والانتهاكات في فلسطين والعراق وغيرها على يد الاحتلالات نطالب بإقامة مراكز متخصصة لتوثيق جرائمهم...؟!!

الحقيقة الكبيرة الساطعة اليوم بعد محرقة غزة أكثر من أي وقت مضى أن هناك أهمية قصوى بالغة الالحاحية لإنشاء مراكز متخصصة لتوثيق -على سبيل المثال – المحرقة، والمجازر الدموية وجرائم الحرب الصهيونية المستمرة بلا توقف ضد شعبنا العربي الفلسطيني منذ دير ياسين إلى مخيم جنين وما بعد مخيم جنين وصولا إلى "محرقة غزة".

فالمشهد الماثل أمامنا في فلسطين منذ إقامة الدولة الصهيونية بالغ الوضوح:
* قتل مكثف للفلسطينيين دون تمييز عن سبق تخطيط ونوايا إجرامية مبيتة، وذلك عبر المجازر الدموية الجماعية والاغتيالات والإعدامات الميدانية المتصلة دون هوادة حيث لم ينج من المجازر الصهيونية لا المرأة أو الطفل ولا الشيخ أو الشاب الفلسطيني.. فكل الفلسطينيين متهمون ومستهدفون وفي دائرة التصويب والقتل.

* تدمير وتهديم شامل للمدن والقرى والمخيمات والمنازل والأماكن المقدسة والآثار التاريخية والحضارية العربية في فلسطين وان كانت التنظيمات الإرهابية الصهيونية قد هدمت ودمرت ومسحت نحو 535 قرية فلسطينية خلال فترة النكبة، فإن سياسة التدمير والتهديم لم تتوقف أبدا منذ ذلك الوقت، وقد وصلت ذروة جديدة لها خلال حرب "السور الواقي" والاجتياحات والتدمير الأخيرة وخاصة في مخيم جنين والبلدة القديمة من نابلس، لتصل إلى ذروتها الإجرامية في غزة.

* ترحيل - ترانسفير- جماعي للفلسطينيين حيث هجرت عصابات ودولة الاحتلال ثلثي الشعب الفلسطيني إلى خارج الوطن والبيت والأهل...!
وما تزال تلك الدولة تخطط وتبيت وتسعى إلى إجبار من تبقى من الفلسطينيين على الرحيل عن أرضهم وممتلكاتهم.

* العقوبات الجماعية.. حيث تقترف دولة الاحتلال سياسة العقوبات الجماعية ضد الشعب الفلسطيني برمته، وتشمل تلك العقوبات شتى صنوف القمع والتنكيل والإذلال والتجويع والتعطيش والاعتقالات والمحاكمات والحصارات والأطواق والحواجز العسكرية، ومساحة هذه المقارفات الإجرامية السافرة لا حدود لها.

* اغتصاب الأرض والممتلكات - إذ تواصل دولة الاحتلال سياسة اغتصاب الأرض والممتلكات العربية وتهويدها عبر بناء المستعمرات وتوطين الغزاة القادمين من أصقاع العالم بغير حق فيها.

* يضاف إلى كافة هذه الممارسات الإجرامية الصهيونية سياسة التمييز العنصري -الابرتهايدي- التي تمارس على نطاق واسع ضد المواطنين العرب في إطار "الدولة الصهيونية" نفسها، وهذه الممارسات العنصرية ترتقي إلى مستوى الجريمة في العرف الدولي.

فنحن كما هو واضح أمام منظومة ممنهجة مبرمجة مبيتة مع سبق التخطيط والقرار والإصرار من المحارق والمجازر الدموية وجرائم الحرب المتنوعة الشاملة البشعة التي تنفذها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد شعب وشجر وحجر وارض فلسطين بما يتعارض مع المواثيق والقوانين الدولية.

شهدنا في الآونة الأخيرة تطورا دوليا جديدا يتمثل بإنشاء محكمة الجنايات الدولية، التي نحتاج نحن كشعب فلسطيني وأمة عربية إلى حضور مكثف على مسرحها...؟.

الحاجة تتزايد يوما عن يوم ليس فقط إلى توثيق جرائم الحرب الصهيونية في فلسطين بغية المطالبة بتقديم مقترفيها إلى محكمة الجنايات الدولية، وإنما بالأساس لان هذه المهمة التوثيقية هي مهمة تاريخية ثقافية تربوية تعبوية لشعوبنا وأجيالنا الراهنة والقادمة ايضاً.

ولان هذه المهمة التوثيقية الملحة تنطوي على أهمية كبيرة أيضا في سياق إعادة كتابة تاريخ الصراع .
ما يستدعي بقوة والحاحية منقطعة النظير في هذا الزمن الأمريكي / الصهيوني العمل وبالسرعة الممكنة من اجل إنشاء مراكز متخصصة لتوثيق جرائم الاحتلال.....؟

التعليقات