31/10/2010 - 11:02

توريط العرب وابتزاز الفلسطينيين../ فهمي الهويدي*

توريط العرب وابتزاز الفلسطينيين../ فهمي الهويدي*
مؤتمر الخريف ليس أكثر من محاولة لتوريط العرب وابتزاز الفلسطينيين، ونحن نخدع أنفسنا إذا تصورنا أن أياً منهم يمكن أن يكسب منه شيئا، لأن السؤال الحقيقي هو: إلى أي مدى سيخسرون؟

الاتفاق منعقد بين المحللين الإسرائيليين على أن مؤتمر انابولس لن يقدم شيئا للقضية الفلسطينية، وأن أولمرت أعجز من أن يخطو أي خطوة في هذا الاتجاه. وهذا هو رأي الوف بن في هآرتس، وايتان بن تسور ورون روزنبلوم في يديعوت أحرنوت، ويوسف لبيد في معاريف وآخرين كثيرين.

أما أقطاب الائتلاف الإسرائيلي الحاكم الذين قبلوا بالمشاركة في المؤتمر فقد تباينت مواقفهم إزاءه، لكنهم متفقون على ست نقاط أوردها تقرير نشرته «الحياة» اللندنية (في 10/11) بعد عرض لآراء الأقطاب الخمسة: أولمرت رئيس الحكومة وباراك وزير الدفاع، ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، وزعيم حركة شاس الدينية إيلي يشاي، وزعيم حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، النقاط الست غير المختلف عليها هي: أمن إسرائيل ينبغي أن يكون محور أي اتفاق ـ الاعتماد الكامل على خريطة الطريق والتحفظات الـ14 التي أضافتها إسرائيل عليها (لا ذكر لقرارات الأمم المتحدة أو المبادرة العربية) واشتراط قيام السلطة الفلسطينية بتنفيذ جزئها الأول الخاص بتجريد فصائل المقاومة من سلاحها ـ رفض إصدار المؤتمر أية وثيقة تتعلق بقضايا الصراع الجوهرية (القدس واللاجئون والحدود) ـ عدم تحديد جدول زمني لإجراء مفاوضات بعد المؤتمر ـ أن يصدر عن المؤتمر بيان عمومي جدا ـ ضرورة اشتراك الدول العربية، مع الإبقاء على ثنائية المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

إسرائيل سعيدة باستمرار التفاوض مع السلطة الفلسطينية ولا تريد للعرب أن يعكروا هذه الأجواء. فهي تأخذ من أبو مازن ما تريد، وتواصل ذبح غزة وتدمير بنيتها الاقتصادية والاجتماعية، بل تذهب إلى حد قتل المرضى بمنع علاجهم، وحجب الحليب عن الأطفال، ولا تتردد في قطع الكهرباء، ومنع الوقود عن القطاع. ذلك كله يحدث في الوقت الذي تتواصل فيه اللقاءات بين أبو مازن وأولمرت، ويجلس الوفدان يتضاحكان حول موائد الطعام، ووسط ذهول عربي مدهش ومهين في الوقت ذاته.

لا تستغرب هذه السعادة الإسرائيلية لأنه في ظل تلك العلاقة «الدافئة» مع قيادة السلطة الفلسطينية، قام الجيش الإسرائيلي منذ بداية العام الحالي بقتل 350 فلسطينيا، مقابل خمسة إسرائيليين فقط قتلتهم المقاومة. وطبقا لبيانات المنظمات الحقوقية الإسرائيلية فإن المستوطنين قاموا منذ بداية العام بخمسة وعشرين ألف اعتداء على الفلسطينيين. وفي بعض مناطق الضفة، مثل الخليل، أدت الاعتداءات إلى نزوج أعداد كبيرة من الفلسطينيين من أحيائهم. ورغم جسامة وتعدد تلك الاعتداءات فلم يقدم للمحاكمة سوى مستوطن واحد، أفرج عنه بكفالة مالية زهيدة. وفي شمال الضفة اقتلع المستوطنون عشرة آلاف شجرة زيتون، وقاموا بتسميم مئات الآبار الارتوازية، ناهيك عن قيامهم بإطلاق قطعان كبيرة من الخنازير لتخريب المحاصيل الزراعية، وحسب دراسة إسرائيلية فإن الحواجز العسكرية التي تقيمها إسرائيل في الضفة تؤدي إلى تعطيل حياة 80٪ من الفلسطينيين.

لم أتحدث عن الاعتقالات ولا الاجتياحات ولا مصادرة الأراضي ولا الجرائم التي ترتكب لحساب بناء السور، معتبرا أن ذلك كله تنشره الصحف ويعلمه الكافة. وما يهمني في السياق الذي نحن بصدده أن إسرائيل وهي «تتفاوض» مع أبو مازن وجماعته لم تجد حرجا في أن ترتكب كل هذه الفواحش، وهي مطمئنة إلى أن ضعف موقف رئيس السلطة لن يدفعه إلى الاحتجاج على ما يجري، ولن يخطر بباله أن يغضب ويقطع المفاوضات.
ثمة فخ منصوب تحت طاولة المؤتمر، (تعب عليه) توني بلير ـ المبعوث الدولي للشرق الأوسط ورئيس الوزراء البريطاني السابق ـ وجعل له عنوانا هو: إصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية ضرورة للتوصل إلى تسوية سياسية للصراع. وهي الخطة التي أوردت تفاصيلها النسخة العبرية لموقع صحيفة هآرتس يوم (24/10).

قال توني بلير في تقديم خطته انه من الضروري إدخال إصلاحات جذرية على الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس محمود عباس، كي تصبح أقدر وأكثر كفاءة في التصدي لنشطاء حركتي حماس والجهاد، لأنه بدون عمليات صارمة تقوم بها الأجهزة الأمنية ضد حركات المقاومة بشكل عام، فإنه لا أمل في إمكانية حدوث تقدم في الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية للصراع. ولزيادة فاعلية الأجهزة الأمنية، فإن الخطة اقترحت إدخال إصلاحات على الجهاز القضائي ومؤسسة النيابة العامة في الضفة لمحاكمة عناصر المقاومة وقادتها. إلى جانب ذلك، اقترحت تشكيل إدارة جديدة للإشراف على السجون في السلطة الفلسطينية، مع وجود إشراف أوروبي، لضمان عدم الإفراج عن عناصر المقاومة الذين تتم محاكمتهم. ودعت الخطة إلى زيادة عدد المستشارين الأوروبيين الذين يساعدون الشرطة الفلسطينية في الأنشطة التي تقوم بها لتعقب نشطاء حركات المقاومة.

أخطر ما في الخطة التي قدمها بلير إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي أنها عملت على وضع أسس لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين. فبحجة العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين اقترح إقامة مشاريع إسكان جديدة لإعادة توطين اللاجئين في الضفة الغربية، وعلى رأس المشاريع التي اقترحها إقامة مدينة فلسطينية جديدة بالقرب من مدينة رام الله، وسط الضفة تخصص لإيواء عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين بدعوى «إعادة تأهيلهم». وهي ذات الخطة التي يدعو لها قادة ومنظرو اليمين المتطرف في إسرائيل لتصفية قضية اللاجئين. وفي مقابل كل تلك الالتزامات التي تكبل السلطة الفلسطينية، فإنها فقط تحث إسرائيل على تخفيف الإجراءات المفروضة على حرية الحركة للفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث اعتبر بلير أنه من المهم أن يشعر الفلسطينيون في الضفة الغربية بحدوث تغير «إيجابي» في مستوى حياتهم(!!)

لا نبالغ إذا قلنا إن الموضوع الأمني هو أهم ما تريده إسرائيل من المؤتمر، وذلك مطلب مشروع في الظروف العادية، حين ترنو الدولة لأن تعيش في سلام مع جيرانها. ولكن حين تكون الدولة غاصبة ومحتلة، وغاية ما تريده أن تجرد الشعب الواقع تحت الاحتلال من المقاومة وإن تمكن من التوسع وتغيير الواقع لصالح الاستيطان ونهب الأرض، مع إحكام حصار ذلك الشعب من البر والبحر والجو، فإن الاستجابة لتلك المتطلبات تعد جريمة ضد الإنسانية، وتأييدها يغدو تآمرا لا توافقا. وهذا بالضبط ما تريده إسرائيل، سواء في تمسكها بتطبيق المرحلة الأولى من خطة أو خريطة الطريق، أو في ترحيبها بخطة توني بلير لإصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية.

لقد أشرت قبل قليل إلى اتفاق أركان الائتلاف الحاكم في إسرائيل على أن يكون الأمن بالمفهوم الذي ذكرت هو محور أي اتفاق يتم مع السلطة الفلسطينية ويتبناه المؤتمر في ما يصدر عنه من بيان أو إعلان. وهذا ما ذكرته صراحة وزيرة الخارجية الإسرائيلية عقب اجتماعها الأخير مع نظيرتها الأميركية، وبالتالي فإن إسرائيل لا تريد تفاوضا حول أي شيء من عناوين القضية الجوهرية، وهي تدرك أن الولايات المتحدة ومعها الرباعية الدولية تؤيد قراءتها لموضوع الأمن.

إذا لم ينفجر المؤتمر وينسف بسبب المطالب الإسرائيلية غير المعقولة، وتمت تغطية تلك المطالب من خلال الصياغات الغامضة والعناوين الملتبسة، وإزاء رفض إسرائيل وضع جدول زمني لإقامة الدولة الفلسطينية، فإن غاية ما يمكن أن يتوصل إليه المؤتمر هو تحديد سقف زمني للاتفاق حول القضايا الجوهرية. وقد تحدثت رايس عن 14 شهرا لتحقيق هذا الهدف، في حين أعرب أولمرت عن تمنياته بإنجاز الاتفاق خلال عام. ولأنه قال من قبل إن الأمر يحتاج إلى ما بين 20 و30 عاما، فإن هذا التحول بدا مثيرا للانتباه، ولا تفسير له سوى أنه يريد أن يستثمر الفرصة الذهبية المتوفرة لإسرائيل حاليا، في ظل وجود إدارة أميركية متبنية بالكامل للأجندة الإسرائيلية. وهي التي أعطت ورقة الضمانات لإسرائيل، ووافقت فيها على عدم العودة إلى حدود عام ,67 و ضم الكتل الاستيطانية، ورفض عودة أي أعداد من اللاجئين إلى ديارهم. كما أن أولمرت يريد أن يستفيد من القبول الأميركي للملاحظات الإسرائيلية على خريطة الطريق التي سجلها شارون أثناء توليه رئاسة الحكومة (14 ملاحظة)، وهو ما تم أثناء ولاية الرئيس بوش الأولى، في بيان مشترك نادر، وقعه كل من كولن باول الذي كان وزيرا للخارجية، ورايس مستشارة الأمن القومي آنذاك.

إن الدول العربية التي رفضت مبادرتها للسلام مطالبة بالمشاركة في هذه المائدة المسمومة، ليصبح ممثلوها شهود زور على تأمين الاحتلال الإسرائيلي، وهو الموقف الحرج الذي يتعارض مع كل المواقف الرسمية العربية. أما السلطة الفلسطينية التي راهنت على المؤتمر فلا أعرف كيف ستتصرف إزاء هذه البلطجة الإسرائيلية، خصوصا بعد الإطراء الذي وجهه أبو مازن لأولمرت، وامتدح فيه «نزاهته واستقامته». لكن الذي أعرفه أن ثقتنا في وعي الشعب الفلسطيني أكبر بكثير من ثقتنا في كل الذين يتحدثون باسمه هذه الأيام.
"السفير"

التعليقات