31/10/2010 - 11:02

حوار للحوار.. وخارطة لحرب أهلية../ عبد اللطيف مهنا

حوار للحوار.. وخارطة لحرب أهلية../ عبد اللطيف مهنا

كانت الساحة الفلسطينية، أو على الأقل فصائلها، مشغولة بما يدعى الحوار الفلسطيني – الفلسطيني إياه... المستدعى من القاهرة، ومن ينتظر دعوتها، والعائد منها، ومن لم ولن يدعى، جميعاً يجمعون على أن هذه الوصلة الحوارية، إلى جانب كونها الأطرف، فهي ربما الأكثر جدية، بحيث يتوقعون أن تخفف دواعي الملل المرافقة عادةً لهكذا حديث في الفترة القادمة على الأرجح...

وإذا كان الحوار العتيد لم يبدأ بعد، وحتى لا فرص موضوعية لبدئه، فإن الجدية، وربما الخطورة، هي فيما يعتبر حتى الآن التحضير له، أو، كما يقولون، استكشاف سبل آلياته... يستدعون فصيلاً ويطرحون عليه أسئلة تتعلق بهذه الآلية، عليه أن يجيب عليها ثم يعود من حيث أتى، ليحل محله للاستجواب حول هذا الأمر قادم آخر، وهكذا... المستجوبون العائدون ومن ينتظرون استجوابهم، بمن فيهم الطرفان الرئيسان فتح أبو مازن وحماس، يجمعون في قولٍ معلن على أن هذا الحوار الذي لم يبدأ بعد ولا يظنّ إنه سوف يبدأ، هو حوار تقطيع أو إضاعة وقت، ولا يعدو نوعاً من العلاقات العامة... إذن، أين هي الجدية فيه، وأين هي مكامن الخطورة المترتبة عليه؟!

مصادر المستجوبين، وكذا توقعات المحللين، تكاد تجمع على أن حوار الاستجواب الدائر يهدف إلى بلورة وإعداد وصفة مصرية، أو خارطة طريق، لحل إشكالية ما يعرف بالانقسام الفلسطيني الراهن، تقدم بعد إنجازها للجامعة العربية لفرضها على المنقسمين، وبالتالي معاقبة من يرفضها، الأمر الذي يعيدنا إلى غضبة الأمين العام المعروفة ووعيد رئيس دورة مجلسها في اجتماعه الأخير الذي ناقش شؤون وشجون هذا الانقسام المزمن.

ما هي الخطوط أو كنه التضاريس المرادة التي تقوم عليها هذه الخارطة، أو ما هي بنود هذه الوصفة المراد فرضها ومعاقبة من يرفضها؟
البند الأول، وكان قد كثر الحديث عنه وتم تداوله في الأيام الماضية، وهو تشكيل حكومة تكنوقراط غير فصائلية، تأخذ على عاتقها ترتيب الوضع الأمني، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متلازمة، وفق رؤية رام الله للأمر وتفسيراتها للنظام الأساسي، أو قانون إنشاء سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود، بمعنى التمديد لأبي مازن حتى إجراء هذه الانتخابات.

الثاني: صياغة "ميثاق قومي" جديد، تسووي، يلحظ ما يلي:
إنهاء الاحتلال للمحتل بعد عام 1967، وحل قضية اللاجئين، وليس عودتهم، وإنهاء الانقسام، بمعنى إجماع المتحاورين أو إجبارهم على ما تقدم، وتفويض أبو مازن، والمنظمة، التي يحل الميثاق الجديد محل كلٍ من ميثاقها الأصيل والمعدّل، أو ميثاق ما بعد العبث به بحضور كلينتون، وكل ما توافقت عليه الأطراف في حواراتها السابقة برعايات عربية ومن دونها...
تفويضه على ماذا؟
مواصلة التفاوض على أساس هذا الميثاق المستجد... وهناك أمر آخر... إنه الشروع في بناء الأجهزة الأمنية، وتوفير قدرات عربية مساندة لها، على شكل قوات تدخل عربية، وخبرات وأموال... وما يعيدنا إلى حكاية التقاسم الوظيفي في الضفة (مع الأردن)، والمطالبة الإسرائيلية بعودة الولاية المصرية إلى قطاع غزة... لغضبة الأمين العام، وتهديدات الجامعة!

كانت الساحة الفلسطينية، أو على الأقل فصائلها، مشغولة بما تقدم، بيد أن انشغالها ربما أصبح فيما بعد أكثر، بل وأصبح حرياً بأن يتعداها إلى عموم الشعب الفلسطيني وطناً وشتاتاً ومعه الأمة العربية بأسرها، وذلك على ضوء وقائع رحلة أبو مازن الأخيرة إلى الولايات المتحدة، أو إلى واشنطن بعد نيويورك، بعيد إنتهاء احتفالية الجمعية العامة للأمم المتحدة... يضاف لهذا بعض السجال الذي دار وانتهى هاتفياً بسرعة البرق بين قطبي المفاوضات المكتومة الغامضة تسيبي ليفني وأحمد قريع...

أبو مازن، ذهب إلى هناك، وفي جعبته غضبة الأمين العام ووعيد الجامعة، وزوادة الوصفة المصرية المنتظرة وهدي خارطة طريقها الملزمة، وزاد فقدم بعضاً مما لديه، بل ربما كله، لواشنطن سلفاً:
قال في مقابلة صحفية، "هناك موقف عربي تم الاتفاق عليه في الجامعة العربية، وهو إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في وقت واحد، وعندما اُنتخب كرئيس أمارس حقي الرئاسي، وأنا حالياً رئيس لبلد محتل، ولا أستطيع الخروج إلا بإذن من إسرائيل".
هل هذا يعني أنه بعد انتخابه، ومن كلامه يبدوا أنه متأكد من ذلك، سوف يمارس حقه الرئاسي، الذي لا يستطيعه الآن تحت الاحتلال؟!

لنترك هذا، الذي سوف يجرنا إلى محاولة استبطان ما قد يدبّر في مقبل الأيام، ولننتقل إلى غيره... يضيف أبو مازن، في معرض حديثه عن هذه الانتخابات المتفق عليها في الجامعة العربية، فيقول:
أنا "شخصياً لا أريد حماس لأنها انعزالية، وفي حال فوزها فإن إسرائيل لن تتعامل معها".

قد يقول قائل، إن هذا الكلام هو بعض "عدة شغل" مقدم سلفاً للوسيط غير النزيه والراعي الذي سيغادر البيت الأبيض في غضون أربعة أشهر، آخذاً في عين الاعتبار أن من يقدم له هو من يضع فيتو على حماس جملةً وتفصيلاً... نعم لعل هذا وجه من وجوه تنجلي تباعاً عندما نتابع في وقائع رحلة أبو مازن، بعض ما قاله أيضاً، أو ما قدمه سلفاً قبل وصوله إلى واشنطن... مثلاً، في حفل إفطار أقامته الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة، قالها، أو كررها للقاصي والداني، وبما يزيل حرج قاطن البيت الأبيض الراحل قبل أن يحقق رؤيته السلامية الشهيرة:
"إذا لم نتوصل إلى حل هذا العام، فلن نيأس ولن نتردد، ولن نتراجع، وسنستمر حتى نحقّق السلام"!

إذن، الرجل باق على العهد... وأكثر، قال، وبالقلم العريض، أو بالأحرى، أعاد قولاً لم يكتمه يوماً، وهو أن انتفاضة الأقصى "دمّرت كل شيء لدينا"، وكرر: نحن "لا نريد أن نعود إلى الانتفاضة المسلحة، ونريد أن يكون طريقنا المفاوضات، والوصول إلى السلام من خلالها" فحسب!!!
...وهنا، قد يقول قائل آخر، إن هذا يعني أن الرجل قد وصل إلى البيت الأبيض رافعاً يديه سلفاً!
فنقول له وما الغرابة، وإن كان هذا منه فما الجديد، وعلى ضوء فهمه التاريخي المعروف للصراع، فمن قال أنه يرى في ذلك بأساً؟!
لكن المهم ما الذي كان من أمر الرئيس جورج بوش الابن الذي استقبله في لقاء لعله وداعي قبل رحيله عن البيت الأبيض، الذي تأزف ساعته؟

لقد حظي أبو مازن بالترحيب وشُنّفت مسامعه بالتالي:
"أقدر تصميمك ورغبتك بإقامة دولة فلسطينية... أشاركك هذه الرغبة"... لكن "الأمر ليس سهلاً"!!!
...و"كما تعرف بقي لي أربعة أشهر في منصبي، وأنا متفائل بأن الرؤية التي عملنا عليها أنت وأنا ستتحقق، ووعدي الوحيد لك هو إنني سأواصل العمل بقوة"!!!

هذا الكلام في غنى عن التعليق... لم يحصل أبو مازن في رحلته ذات الزوّادة العربية إلا على ما لم يحصل عليه سابقاً في زياراته المتكررة للراحل الذي أزف رحيله... فما الذي سوف يقدمه بعد العودة منها؟!
قبل الإجابة... لقد كان بعض ما قاله في معرض رده على تقدير بوش لتصميمه ورغبته، وعلى وعده الوحيد، هو: إن "جهودكم ورؤيتكم هي التي ساعدتنا في المنطقة"... ساعدت على ماذا؟

أما للإجابة فنأتي إلى سجال ليفني قريع الذي لم يطل... كعادته، حاول متعهد التفاوض الدائم، وعلى الطريقة الأوسلوية، أن يوهم بالمختلف عن ما أعاده وكرره أبو مازن في الولايات المتحدة... حاول التذاكي مع المرأة التي تريد أن تخلف غولدا مائير... صرح بأن فشل المفاوضات سيدفع الفلسطينيين إلى المقاومة!
تقول "هآرتس" الإسرائيلية، التي كشفت عن الرد الإسرائيلي الفوري على هذا التذاكي التفاوضي، أن ليفني عاجلت قريع باتصال هاتفي، عنفته فيه، وأوضحت:
"إن إسرائيل تجري مفاوضات، وسترد بالقوة على العنف والإرهاب"... قريع لم يقل لها، مثلاً، أن المقاومة حق مشروع في مواجهة الاحتلال، وإنما قال لها بأن تصريحاته التي جلبت غضبها أخرجت من سياقها، وموضحاً لها، بأنه "قصد فقط المقاومة السياسية وليس تلك التي تتوسل العنف"!
هذا الكلام يذكرنا بكلامه عن حل الدولة الواحدة، إذا لم يوافق الإسرائيليون على حل الدولتين... وكلام مثيل عودنا أنه سرعان ما يسحبه من التداول!!!

إذن، وعودة للحوار حول الحوار ومن أجله، أو تلمّس آلياته، أو استجواباته الباحثة عن وصفة لحل ينهي حالة الانقسام المزمنة، أو خارطة طريق لوصل ذات البين، المطلوب فرضها عربياً، ومعاقبة من لا ينصاع، وربط ذلك بما لا تنفك عنه مما كان من وقائع رحلة أبو مازن الوداعية إلى سيد البيت الأبيض الراحل، ووعد الأخير "الوحيد" معطوفاً على وعيد الجامعة العربية، التي ربما قررت أن تعلن انحيازها علناً هذه المرة، وصولاً إلى ما كان من أمر قريع وليفني، والأخذ في الاعتبار مزمن الانقسام الموضوعي بين برنامجين ورؤيتين ومنهجين فلسطينيين لا جامع بينهما، واحدهما مقاوم والآخر مساوم، ترى ما الذي ينتظر الساحة الفلسطينية... مالذي يدبّر لها؟
هل هي خارطة طريق لحرب أهلية، تكون وقوداً لانضاج تصفية نهائية متوافق عليها للقضية؟
هل من لا يرى مثل هذا؟ على أية حال، لا نملك إلا أن نقول: إن الآتي أعظم!

التعليقات