31/10/2010 - 11:02

رحيل أولمرت.. ليس لفساده أطاحوا به!../ عبد اللطيف مهنا

رحيل أولمرت.. ليس لفساده أطاحوا به!../ عبد اللطيف مهنا
لم يعد مستقبل إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي في السلطة مدار بحث في إسرائيل. لقد تم الإجهاز على الرجل، وهو يستعد الآن لتوديع حياته السياسية. إنه فقط ينتظر حتى يختار حزبه من يتزعمه من بعده ليخلفه في زعامته ليرحل.

هذا شأنه إن بقي تحالفه الراهن في السلطة متماسكاً، والأغلب أنه سيظل، وهذا ما يرحجه كثيرون، وإلا فالانتخابات المبكرة التي لا يريدها هذا التحالف، بما يعني إن كانت فسيكون بقاؤه في حكومة تصريف أعمال حتى الأشهر القليلة القادمة لا أكثر... والسؤال لماذا تمت الإطاحة به؟
الإجابة المعلنة كانت قد طرحت سلفاً، إنها تهمة الفساد، المتمثلة في رشوة قديمة عفا عليها الزمن، لم تزد على حفنة دولارات تقاضاها ذات يوم من ثري يهودي أمريكي، أيام كان رئيساً لبلدية القدس المحتلة، تذكرها الراشي الآن بقدرة قادر بعد أن نساها كل تلك المدّة وقرر أخيراً كشفها، وإفادته من حقه في تذكرة سفر جيرها لأفراد من عائلته في عدة سفرات... التهمة التي لم تثبت عليه بعد، إذ لم ينته التحقيق حولها بعد، ويجزم هو ببراءته، استحق عليها لقب خلعه عليه الإعلام الإسرائيلي وهو "نيكسون إسرائيل".

وهذه الإجابة المعلنة بحد ذاتها تطرح سؤالاً آخر:
ترى من من المسؤولين الإسرائيليين لم تحم حوله تهم الفساد، لكنه لم يلاق المصير ذاته... من رابين إلى شارون، وحتى نتنياهو المتصدر الآن جوقة مطاردة أولمرت حتى إيصاله إلى بيته؟!

بل هناك من الوزراء في حكومته ممن لم ينج من مثل هذه التهمة... إذن، لنبحث عن الإجابة في مكان آخر، بعيداً عن أكذوبة إلباس المسألة ثوباً أخلاقياً مصطنعاً، أو كما يراد تصويرها إسرائيلياً، الأمر الذي لم تحترمه كثيراً الحياة السياسية الإسرائيلية. لنجد أن الإطاحة بأولمرت هي لسبب واحد لا غير، يمكن اختصاره في كلمة واحدة هي الفشل لا أكثر ولا أقل... الفشل الذي يجمع تحت عباءته العناوين التالية:

الأول، فشله في حربه الأخيرة على لبنان، والتي لم تحقق هدفها المعلن الرئيس وهو القضاء على المقاومة اللبنانية متمثلةً في حزب الله، وهي حرب أولمرت بإيعاز أمريكي، والتي خرج الحزب والمقاومة منها أكثر قوةً ومنعة، وفي الداخل اللبناني أكثر تأثيراً، كما تثبت الوقائع السياسية اللبنانية الجارية.

هذا الأمر الذي لم تخفِه الصحافة الإسرائيلية. صحيفة "معاريف" مثلاً، تقول: إن أولمرت "سينهي أيامه كرئيس وزراء مثلما كان يعمل منذ 14 آب/أغسطس 2006 وحيداً، مهاناً، مثالاً للفشل للأجيال القادمة".

أما صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فتقولها بوضوح أكثر: "إن أولمرت ودّعنا في الحقيقة قبل سنتين: في 12 تموز/يوليو 2006"!

الثاني: هو صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله، التي أجمع الإسرائيليون على الموافقة عليها مكرهين، واحتفظوا جميعاً بغصّة الإحساس بالمهانة في الوقت ذاته ، وليحمّلوها من ثم لرأس السلطة الموقعة عليها التي يمثلها هنا بالطبع أولمرت.

لعل هذين هما السببان الرئيسان، ويمكن إضافة آخرين، هما: فشل حصار غزّة في تركيع المدينة الصامدة رغم مأساوية حالها في ظله، وعدم نجاح سبل مواجهة "الخطر الإيراني" وفق الرؤية الإسرائيلية، أي عبر دفع الولايات المتحدة للخيار العسكري لدرئه وتحريضها على القيام بذلك، أو عدم قدرة إسرائيل وحدها على القيام بذلك.

لكن لا بد من الذهاب لسبب ثالث لعله الأهم، إذ هو يمس ما هو استراتيجي في المشروع الصهيوني أساساً، الذي يعد تحقيقه بالنسبة للإسرائيليين مقياسا للنجاح والفشل بحد ذاته. إنه ما يتعلق بتصفية القضية الفلسطينية، أو ما يسمى "السلام"، أو وضع نهاية للصراع العربي الصهيوني وفق المنظور الإسرائيلي للأمر. الإسرائيليون كمجتمع ينحو أكثر فأكثر باتجاه التطرّف والتشدد والتعصّب والعنصرية، وكل ما يلازم طبيعته الاستعمارية الإحلالية القائمة على نفي الآخر، وهم كما تثبت الإستطلاعات التي تجريها مؤسساتهم دورياً، ليسوا في وارد التوقف عن عملية تهويد ما تبقى من فلسطين، ناهيك عن عدم الاستعداد لمجرّد مقاربة ما يطرحه شعار التسوويين العرب: "الأرض مقابل السلام"، الذي لا يترجمه الإسرائيليون إذا ما تحدثوا عنه إلا "السلام مقابل الاستسلام"، وما يجري في الضفة الغربية من تهويد على مدار الساعة مثال ساطع على هذا، بل هم يحاولون الإقتراب يوماً فيوم من بدء هدفهم الاستراتيجي المعروف بالترانسفير، أي التخلص من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين.

ولعل ما يجري في القدس هذه الأيام خير دليل على ذلك. لذا فمن المهم، وقد استنفدت شعارات "المسيرة السلمية"، و حكاية التفاوض مع السلطة، أغراضها التي من بينها كسب الوقت لصالح عملية التهويد وفرض الوقائع على الأرض، وحتى لا يذهب أولمرت بعيداً في المفاوضات المكتومة مع السلطة في رام الله، وأكثر من التفاوض غير المباشر على المسار السوري، فقد جاءت اللحظة لوضع حد للأوهام التي تترعرع في الأجواء الخادعة المرافقة لهذه المسيرة. وعليه، ليكن أولمرت مجرد قائم بتصريف الأعمال إلى أن يحل محله سواه، لتبدأ مرحلة جديدة تعفي من استحقاقات الماضية، وتضع شروطها المناسبة، أو لنبدأ مجدداً من الصفر... والإسرائيليون يجيدون دائماً مثل هذه اللعبة... والآن، من سيخلفه؟

من سيخلفه في زعامة حزبة "كاديما" الذي يقود الإئتلاف الحاكم راهناً، و صاحب أكبر الكتل البرلمانية في الكنيست الحالي، وبالتالي يخلفه في رئاسة الحكومة، هذا إذا لم تجر انتخابات مبكرة، و هذا ما لا نرجحه كما اسلفنا؟

هناك صقران، تتوفر لهما الشروط الإسرائيلية للقيادة، باعتبارهما اثنينهما قادمان من المؤسسة الأمنية، وإن كان احدهما مدنياً و الآخر عسكرياً. إنهما وزيرة الخارجية تسيبي ليفني القادمة من الموساد ونائب رئيس الوزراء الجنرال شاؤول موفاز القادم من الجيش... لماذا؟

أولاً، لأن ليفني تحظى بشعبية داخل حزبها نظراً لمؤهلاتها الصهيونية التي أثبتتها خلال وجودها في وزارة الخارجية تحديداً، وثانياً لأن تاريخ موفاز الدموي و مواقفه المتشددة، وأصوله الإيرانية، كلها أمور تزكي اختياره في هذه المرحلة التي طرحت فيها تداعيات فشل الحرب الأخيرة على لبنان، ثم القلق مما يسمى "الخطر الإيراني"، مسألة وجود الكيان برمته قيد البحث. لذا فإن الاثنين هما الآن فرسا رهان سباق الحلول محل أولمرت المطاح به... ألهذا كان الاثنان مؤخراً ومثلهما الجنرال باراك في واشنطن؟!!!

إنه من الطبيعي أن تكون هذه التطورات الإسرائيلية الجارية تحت يافطة الإطاحة بفاسد انعكاساتها التلقائية على الحالة الفلسطينية... هذه التي ضربت رقماً قياسياً في التردي وحققت النسبة الأعلى في الشرذمة وتفاقم الانقسامات و انسداد أفق التنادي إلى كلمة سواء لطالما انتظرها الشعب الفلسطيني من قواه المنقسمة على نفسها... الحالة التي وصلت حد أن يعتصم المثقفون كتاباً و صحافيين في رام الله احتجاجاً على اعتقال زميل لهم في غزة، ويصمتون صمت القبور حيال إغتيال قائد مقاوم في الخليل!!!

والمفارقة، هنا، هي أن أول رد فعل من رأس السلطة في رام الله على حكاية أولمرت، هو تأكيد رئيسها أبو مازن بأنه سيعمل "مع أي رئيس وزراء" إسرائيلي منتخب، في حين أن أبو مازن نفسه تنتهي مدة ولايته، التي يقول أنه لن يسعى لتجديدها، نهاية هذا العام، أي تقريباً مع نهاية "شريكه في السلام" أولمرت، إذا ما رحل بانتخاب بديله في كاديما، أو بعده بأشهر، إذا ما جرت انتخابات إسرائيلية.

نعم، إن رحيل أولمرت يشكل على الأغلب بداية لمرحلة إسرائيلية جديدة ، وأيضاً بالضرورة فلسطينية، لعل أهمها، أن هذا الكيان يثبت للواهمين للمرة الألف أن وجوده أصلاً هو نقيض للسلام، وعليه، وفي المقابل، لابد وأن يتوازى مع رحيل أولمرت، سقوط فن التكاذب الفلسطيني السائد لدى الطرفين التسووي والمقاوم على حد سواء، مثل:

اجترار نداءات الوحدة الوطنية العاطفية الصاخبة دون ترجمتها، والداعية للجمع بين نقيضين لا يلتقيان، هما: التوجه المساوم والآخر المقاوم. و الكلام المكرور عن ضرورة الحوار الوطني الذي لا يشمل الجميع لا وطناً و لا شتاتاً، ودونما أي مسعى جاد للتوافق على برنامج حد أدنى مقبول عند غالبية الشعب الفلسطيني، وحتى غالبية قواه المؤثرة.
ثم الكلام عن وجوب ترميم البيت الفلسطيني بتفعيل منظمة التحرير، وليس إعادة بنائها على أسس ديموقراطية وبمشاركة الجميع، وأولاً، وقبل كل شيء، إعادة الاعتبار لميثاقها الوطني الأصيل، أي ما قبل العبث ببنوده، الموحد للأرض والإنسان الفلسطينيين، و استعادتها لكونها منظمة تحرير لا أداة بصم وتمرير...

... إلى جانب التفاوض العبثي تحت احتلال، والركون إلى تحويل النضال الوطني إلى مطلبي والوطن إلى قضية عقارية من قبل طرف، والوقوع في عثرة تصوّر إمكانية الجمع بين السلطة والمقاومة في آن، وأيضاً تحت الاحتلال، من قبل الطرف الآخر، إلى جانب عدم الإلتفات إلى كون النضال ليس حكراً على فصيل، ولا يستقيم مع إلغاء الآخر، كما لا يمكن فصل يومه عن أمسه كموروث وتجربة ومسألة تراكمية.

و الأدهى، وفي حمى هذا التكاذب يجري فصل الداخلين الضفة وغزة، وفصلهما عن الخارج بفقدان الصلة بين هذا الداخل والشتات الفلسطيني، وتجاهل أن الشعب الفلسطيني ليس الضفة وغزة فحسب، وإنهما ليسا فلسطين كلها، التي لا تقوم أرضاً وإنساناً إلا على ثلاث هي: الشتات والمحتل منها بعد النكبة عام 1948 والنكسة عام 1967. و تجاهل، أو تراجع مبدأ حق العودة باعتباره جوهر القضية وأن لا قضية أصلاً بدونها.

... وأخيراً، العودة إلى كون فلسطين قضية أمة و تحريرها ليس مهمة شعبها وحده الذي لا يمكنه ولو توحد جميعه تحت قيادة مثالية تحريرها، والذي من المفترض أن تكون مهمته مقصورة على إدامة الاشتباك حتى تأخذ الأمة دورها ومهمتها في استعادة هذا الجزء المغتصب منها... هل سيسهم التطور الإسرائيلي الأخير في انقشاع سراب التكاذب الفلسطيني السائد، أو الإيذان بتطور مضاد من المفترض أن يستدعيه الأول؟

الواقع الفلسطيني رهن بالواقع العربي، وعليه، ومن أسف، فإن هذا المفترض هو ما لا يلوح في المدى المنظور بعد.

التعليقات