31/10/2010 - 11:02

عكا ليست استثناءا../ ناصر السهلي*

عكا ليست استثناءا../ ناصر السهلي*
يقف جنود الاحتلال في أيام الجمعة والآحاد مدججين بأسلحتهم يمنعون ويسمحون لمن شاءت له سياسة الاحتلال والعنجهية، وبمزاجية مريضة في حالة من عقدة العظمة التي زرعها الصهاينة الأوائل، أن يعبر إلى حيث يجب في القدس المحتلة. يجيء عتاة التطرف الديني والسياسي الصهيونيون إلى القدس مستفزين تحت حراب جنود الاحتلال تحميهم وتعزز نظرتهم الدونية لما هو غير يهودي.

عند قلنديا لا مشكلة أن لا يُحترم مريض أو مدرس أو عامل أو متعبد ولا حتى سياسي.. وبين هذه وتلك لم ينتبه هؤلاء الصهاينة الأوائل ولا كل التفريخات الدينية المتطرفة التي أنتجها مجتمع الاستيراد الاعتباطي فقط للتغلب على حالة من هزيمة تأكدت لكل المشروع.

في المدن العربية داخل الخط الأخضر ما يزال الصهاينة وأحزابهم ومن يدور في فلكهم يعتمدون سياسة تبويس اللحى وتطييب الخواطر.. كلمات تلقى وتترك المدن والقرى فريسة العنصرية الواضحة والجلية في كل نواحي الحياة بما فيها أبسطها من بنى تحتية وحتى اعتراف بوجودها في الأصل. في المدن المسماة مختلطة لا مشكلة في أن يُنظر للعربي على أنه ليس ذا قيمة أبدا طالما أنه على أجندة الترانسفير وجنون البعض اعتقادا منهم بأن أحلامهم المريضة في إنهاء الوجود العربي أو تدجينه في "الدولة اليهودية" أمرا ممكنا.

على هذه الخلفية البسيطة من فيض ما تلقنه العقلية العنصرية لتلاميذ من المقاعد الأولى حتى كذبة "الأرض الموعودة" وممارسة حاخامات النفاق الجلي وساسة الدعوة العلنية لذبح العرب يجري الاستخفاف بعقول البشرية عن قيمة ما لليهودي في إسرائيل عن غيره في هذا الكون.

ما يسمى بـ" يوم الغفران" يتطلب من العربي أن يصمت ولا يهمس. أن يجلس في داره دون الإتيان بحركة.. ولأن هؤلاء يمارسون أشد أنواع التعصب والنفاق والازدراء بحق الفلسطينيين تشريعا وعملا، فإنهم في جوهر الموضوع ليسوا منزعجين حول العالم.. ولا حتى في فرنسا أو الأرجنتين أو الدانمرك إذا ما أتت كل ما يطلقون عليه " أيام أعياد وتقديس" ليتوحشوا كما يفعلون في عكا ونقيضها في القدس المحتلة.

لا أحد يطلب أيام الجمعة أن يكف الجنود عن تنفيذ أوامر قادتهم ولا ألاعيبهم المريضة بحق من يريد أن يتعبد. ولا أحد في أيام الآحاد يرفع صوته بهذا الشكل العنصري والاستعلائي في بيت لحم. ليرفع الحصار مثلا مرة واحدة احتراما لمشاعر الآخرين كما يدعي هؤلاء الهمجيون الذين تحججوا بما لا يمكن لعاقل أو مجنون أن يتحجج به.

الأنكى في المشهد العكاوي أن القصة ما عادت حبيسة الرواية الرومانسية التي أطلقها الصهاينة الأوائل إدعاءا بوحشية العرب وبدائيتهم، بل في هذه العلنية الوقحة على لسان أعضاء "برلمان" مثل أرييه إلداد وليبرمان وغيرهما من ساسة ورثوا عن مائير كهانا ما ورثوه بالتحريض على القتل وحمل السلاح ضد العرب.. وعجبي لو أن الداعي إلى حمل السلاح في يافا أو حيفا وعكا شخصية سياسية عربية، فلقامت الدنيا ولم تقعد.. بل حتى حمل السلاح في مواجهة المحتل والمغتصب في أراضي 67 صارت جريمة ومجرمة من البعض العربي فما بالنا بالصهيوني.

العرب في أراضي 48، في كل مدينة وقرية ليسوا بلقمة سائغة، وإن بدت الصورة مظلمة، رغم ما تبيته لهم السياسة العنصرية التي لو استمرت في توغلها هذا فلن تجد نفسها أمام مشهد مريح لا محليا ولا دوليا، ولن تفيدهم كل الشركات الدعائية الغربية لتقديم صورة "أفضل" عن دولة تمارس الاحتلال من جهة والعنصرية المشرعة من جهة أخرى.

استمرار مثل هذه الأفعال الشائنة لا يمكن أن يترك فلسطينيي الثمانية وأربعين أمام خيارات انتظار كل هذه الدعوات المتطرفة إن كان لترحيلهم أو لتدمير ما لديهم من تجارة واقتصاد، على تواضع الحال. وليس هؤلاء بمعزل عن شعبهم الفلسطيني وأمتهم، وإن بدت السياسة الرسمية على غير ما يجب أن تكون عليه.

ويفهم بعض الصهاينة أن الأمر ليس بسيطا البتة، ليس سهلا من كل النواحي لذا تراهم يلهثون وراء تقديم مبررات أبشع من مبررات الهمجيين الذين وجدوا ضالتهم في سائق عربي وبيت عربي ليفرغوا كل ما شُحنوا به إعلاميا وسياسيا ضد ما هو عربي بهستيريا جماعية تدعو لذبح العرب.

عكا إذا هي النموذج لما يمكن أن يكون في يافا وحيفا.. بل ما يمكن أن يتكرر في شفاعمرو بفتاوى لسفك الدم العربي، وإذا كان نموذج "التعايش" الذي ينظر له البعض هو على هذه الشاكلة الاخضاعية فليتوقعوا الأسوأ في العلاقة بين مؤسسة تربي أجيالها على الحقد والكراهية، دون التركيز الكبير على تلك التعاليم، وتمارس غطرسة "قانونية" تصل حد عدم الاعتراف بوجود قرى وتجمعات عربية، موجودة قبل أن يولد جد جد ليبرمان وليفني، على هذه الأرض التي تم الاستيلاء عليها. ولن تفيد كل عمليات القرصنة والالتفاف على المدن العربية لا ساسة الصهاينة ومن يدور في فلكهم ولا السياسة الرسمية التي صارت تنأى بنفسها عن قضية عرب 48.

وحين قلت سابقا فلننتبه لمقدمات الانتفاضة الجديدة فإنه لا يساورني شك بأن هبة أكتوبر لم تكن عابرة في تاريخ طويل من النضال الوطني والقومي للشعب الفلسطيني فوق أرضه التاريخية من الشمال حتى الجنوب ومن الشرق حتى الغرب.

وإذا كان المجتمع الدولي ينشغل بقضايا حقوق البشر هنا وهناك، فالأولى أن يرفع ممثلو عرب 48 صوتهم عاليا ليرفعوا قضيتهم القومية أمام المحافل الدولية، إذ يكفي كل هذا الخضوع والصمت والابتزاز في قضايا يومية لا تقدم ولا تؤخر من واقع حال الفاشية التي يعيش في ظلها أكثر من 20% من سكان "الدولة"!

التعليقات