31/10/2010 - 11:02

في ما يخصّ حديث الشرعية في الساحة الفلسطينية../ ماجد كيالي

في ما يخصّ حديث الشرعية في الساحة الفلسطينية../ ماجد كيالي
يبدو أن الساحة الفلسطينية ستشهد في المرحلة القريبة المقبلة صراعا حامي الوطيس حول الشرعية، وكأن هذه الساحة، كانت على ما يرام (!)، وكان فقط ينقصها مثل هذه المعركة.

في الواقع فإن الصراع على الشرعية، في إطاره الحالي، هو أحد تجلّيات الأزمة السياسية الفلسطينية، وهو لم يبدأ (كما يوحي البعض) بفوز "حماس" بغالبية مقاعد المجلس التشريعي الثاني (2006)، وإنما قبل ذلك بكثير. أيضا، فإن هذه الصراع لن ينتهي (كما يروّج البعض) بحلّ هذه المشكلة (بأي شكل كان)، لأن الأزمة الفلسطينية أعمق وأعقد وأبعد من مجرد صراع على الشرعية، على أهميتها.

ويمكن التأريخ لأزمة الشرعية في الساحة الفلسطينية بولادة "جبهة الرفض الفلسطينية"، في منتصف السبعينيات، أي بعد تبني منظمة التحرير لبرنامج النقاط العشر، والذي سمي فيما بعد بالبرنامج المرحلي. ولكن المنظمة وقتها، وبسبب التحديات الخارجية التي تعرّضت لها، وبحكم وجود قيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات، استطاعت أن تستوعب هذه الحالة، التي لم تتطور، أصلا، إلى حالة انشقاقية.

أما تحوّل أزمة الشرعية إلى أزمة سياسية انقسامية، فقد حصل بعد خروج منظمة التحرير من لبنان (بعد اجتياح بيروت 1982)، وحصول انشقاق في حركة فتح، وتمركز قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية في تونس. وفي حينه ظهرت تسميات مختلفة من مثل، التحالف الوطني وجبهة الخلاص وجبهة الإنقاذ، ثم تحالف الفصائل العشرة (أو الثمانية بحسب الوضع)، وهي مسميات تنضوي في إطارها معظم الفصائل المعارضة لقيادة ياسر عرفات، والمعترضة على تبني المنظمة لمشروع التسوية.

لكن مشكلة هذه التحالفات أنها لم تستطع أن تنتج أنموذجا أفضل، على صعيد البني والعلاقات والرؤى السياسية وطرق العمل، وبالعكس فمعظم المنظمات التي انخرطت في هذه الإطارات شهدت تراجعا في دورها على صعيد النضال ضد العدو، وتآكلا في مكانتها في المجتمع، لذلك لم تستطع أن تشكّل منازعا حقيقيا وفعليا للقيادة الرسمية؛ خصوصا بسبب تمتع قيادة المنظمة بالشرعيتين العربية والدولية، والشعبية الكاسحة للرئيس ياسر عرفات في المجتمع الفلسطيني، وهو زعيم حركة فتح ورئيس المنظمة، ورئيس السلطة فيما بعد.

مع صعود حركة حماس في الساحة الفلسطينية، لأسباب من ضمنها، مثلا، إخفاق مشروعي المفاوضة والانتفاضة، والشبهات السياسية والمسلكية التي أثيرت حول طريقة قيادة فتح للعمل الوطني وللسلطة، ورحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات (2004)، وترهّل حركة فتح وتفشّي الفوضى فيها، وتنامي المد الديني في المجتمعات العربية، بدا أن مكانة فتح في القيادة باتت موضع تساؤل، ومحل تنافس، وبدت "حماس" تطرح كقيادة بديلة؛ خصوصا بعد تقديمها لذاتها كحركة مقاومة مسلحة ضد الاحتلال (وفق نمط العمليات التفجيرية)، وكحركة مناهضة للتسوية، ومعارضة لواقع الفساد المتفشي في السلطة.

وقد استطاعت "حماس" تأكيد مكانتها القيادية والشرعية بعد فوزها بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الثاني (2006)، ما خلق حالة من الانفصام في النظام الفلسطيني، بين شرعيتين وقيادتين ورئيسين (رئيس السلطة ورئيس الحكومة)؛ خصوصا بسبب عدم تمكن "فتح" من هضم هزيمتها في الانتخابات.

في كل حال ما كان لهذا الوضع أن يستمر، لاسيما بعد تشديد الحصار على الأراضي المحتلة (وخصوصا على قطاع غزة)، وقطع التمويل عن السلطة، وعدم التوافق بين حركتي فتح وحماس، إذ قامت حماس بخطوة متعجّلة، حسمت الأمر بالقوة لصالح سيطرتها الأحادية والاقصائية في قطاع غزة (حزيران /يونيو 2007)، بحيث باتت الساحة الفلسطينية تواجه مخاطر وتحديات الانقسام السياسي، والانقسام على صعيد الشرعية.

الآن، ورغم ما يقال عن الحوار الوطني في القاهرة وغيرها، لا يبدو أن الساحة الفلسطينية تتجه نحو توافقات سياسية لحلّ مشكلة الشرعية، عبر التوافق على حكومة وحدة وطنية، أو حكومة مستقلين من شخصيات وطنية كفؤة، ولا على انتخابات مبكّرة (رئاسية وتشريعية)؛ فلا حماس راغبة بالتخلي عما حققته من مكتسبات (باعتقادها)، ولا حركة فتح راغبة، أو مهيأة، للتنازل عن مكانتها القيادية، والتحول نحو نظام تشاركي، لأسباب عديدة، خارجية، وأخرى تتعلق بالفوضى التي تمر بها هذه الحركة، وعدم وجود اجماعات داخلية فيها.

ولعل التصريحات التي أدلى بها السيد خالد مشعل (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس)، مؤخّرا، هي أحد المؤشرات على ذلك، فهو هدّد بعدم الاعتراف بشرعية الرئيس بعد التاسع من شهر يناير (كانون الثاني) القادم، بدعوى انتهاء ولايته، بل إنه ذهب بعيدا إلى حد التصريح بعدم شرعية منظمة التحرير.

المشكلة هنا ليست في كلام مشعل بحد ذاته، وإنما في التناقضات التي تكتنف غالبية التصريحات الفلسطينية، التي تقول شيئا وتقصد غيره، والتي تعترف بشرعية وتنقضها، في آن واحد. فالجميع الآن، مثلا، بات يتحدث عن شرعية منظمة التحرير في حين أن قيادة فتح أضعفت هذه المنظمة بهيمنتها عليها، وبمصادرة دور مؤسساتها وإطاراتها، ثم فرّطت بهذه المنظمة لصالح السلطة. أما قيادة حماس فهي لم تعترف يوما بشرعية هذه المنظمة؛ على الرغم من حديثها المتأخّر عن إعادة بنائها.

أما بالنسبة لحديث الشرعيات فإن الساحة الفلسطينية اضطرت اضطرارا للذهاب نحو شرعية تمثيلية/انتخابية. والمفارقة أن ذلك حدث فقط بنتيجة اتفاق أوسلو(!). أما تكريس الانتخابات النسبية فلم يحصل إلا بنتيجة تولّد توازنات سياسية جديدة في هذه الساحة. أي أن كلا التطورين (على أهميتهما) لم يحصلا بسبب قناعة ذاتية، وبنتيجة تطور في الوعي السياسي؛ وهنا تقع مسؤولية فتح عن ذلك كونها تحملت منفردة مسؤولية قيادة العمل الفلسطيني في المرحلة السابقة. أما بالنسبة لحماس، فثمة تساؤلات مشروعة، يمكن طرحها بمناسبة الحديث عن الشرعية. فمثلا، هل تعترف حماس بالشرعية الوضعية؟ ثم هل تعترف باتفاقات أوسلو، أو بالكيان الناتج عنها؟

في أية حال ليس القصد من كل ما تقدم المساجلة القانونية بشأن الشرعية الفلسطينية، فالقضية لا يمكن اختصارها بمجرد مادة هنا وهناك، فالحديث يدور عن مصير الشعب الفلسطيني، ومصير كيانه الوطني.

والمعنى أن أزمة الساحة الفلسطينية ليست مجرد أزمة شرعية، وإنما هي، أيضا، أزمة بني ورؤى سياسية وعلاقات وطرق عمل، بمعنى أنها أزمة شاملة، ينبغي مواجهتها بعقلية نقدية مسؤولة، وعدم الهروب منها إلى مواضيع فرعية.

التعليقات