31/10/2010 - 11:02

كلام أولمرت ليس عبثاً: إسرائيل في ساعة الحقيقة../ د.عماد فوزي الشعيبي

كلام أولمرت ليس عبثاً: إسرائيل في ساعة الحقيقة../ د.عماد فوزي الشعيبي
قبل أكثر من أربعة عقود، عندما خطا ايهود أولمرت أولى خطواته في السياسة في مجموعة حركة «حيروت» كان متماهياً مع زئيف جابوتنسكي الذي تحدث عن «ضفتين للأردن، هذه لنا وتلك أيضاً لنا». ولكن في آخر جلسة للحكومة قبل أن يعلن رسمياً عن استقالته، أعلن رئيس الوزراء: «أرض إسرائيل الكاملة انتهت. لم يبق شيء كهذا، ومن يتحدث بهذا الشكل يوهم نفسه، وقبل ثماني سنوات أوهمت نفسي بهذا الحلم».

هل هي صحوة من سيغادر الحكم، على طريقة الحكمة المتأخرة التي تأتي بعد أن يخرج المرء من السلطة، وترحل عنه سطوة القوة المضافة والمغلفة والتي تصل الى حد الوهم بأنها مطابقة للذات وليست مجرد قشرة أو مجموعة تصورات ومفاهيم؟

ربما، لكن هذه الحكمة المتأخرة ليست وليدة الخروج من السلطة، إنها نتاج اختبار إسرائيل بأكملها الحرب. المؤكد أن حرب 2006 طوت صفحة مهمة في نمط التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، حتى أننا لا نتخيلهم اليوم يختلفون على أهمية الحل على المسارين الفلسطيني والسوري واستتباعاً اللبناني.

في هذه الحرب بات واضحاً أن المذهب العسكري الإسرائيلي قد دمرت دعامتاه الأساسيتان: نقل الحرب الى أرض العدو ومقايضة العمق (المدني) الإسرائيلي بالعمق المدني لدى الطرف الآخر. والإسرائيليون جميعاً عسكريون في إجازة مدة تسعة أشهر في السنة بحسب ما كان يقول بن غوريون، ويضيف المذهب العسكري هو الذي يحدد إمكانية استمرار إسرائيل.

هذا ما يجعلنا نقول إن هنالك شبه توافق إسرائيلي على ضرورة الخروج من المأزق بعد أن حانت ساعة الحقيقة، وهذا ما يجعل أولمرت يقول من دون أن يعلق عليه زملاؤه لا تنظيراً ولا مزايدة: «40 سنة بعد حرب الأيام الستة، ونحن نطور كل الوقت حججاً كيلا نفعل أي شيء. هذا لا يجدي اسرائيل. نحن نرفض أن نرى الواقع. الزمن لا يعمل لمصلحة اسرائيل، ليس لأننا لسنا محقين، بل لأن للزمن آثاراً خاصة به».

لن تكون هذه الجملة بمثابة مونولوج داخلي، فالسر فيها هو أن للزمن مفاعيله الخاصة، وهذا إقرار غير مباشر هنا بأنها ساعة الحقيقة، فبخلاف القناعات الايديولوجية، ثمة ما تقول الوقائع التي لا تستشير أحداً. فأولمرت يعبر عن الايديولوجيا بسخاء مونولوجي ولكن السخاء يتحول على إقرار على طريقته بأن الوقائع تفرض العيش المشترك والتقاسم والسلام مع السوريين: «اعتقدت أن التنازلات التي قدمها باراك مبالغ فيها وقلت له ذلك... اعتقدت أن كل ما بين النهر (الأردن) والبحر (المتوسط) هو لنا... لكن، في نهاية سيرورة ليست سهلة من الألم والتخبط، وبعد عملية عذاب وتردد توصلت الى الاستنتاج بأنه يتحتم علينا أن نتقاسم مع من نجلس معه (على هذه الأرض) اذا كنا لا نريد فعلاً دولة ثنائية القومية».

هنا بيت القصيد، إسرائيل أمام ساعة الحقيقة: لا هي قادرة بعد اليوم على الحرب، وقناعتنا أن حرب 2006 هي آخر الحروب، ولا هي قادرة على تحمل أن تكون "دولة لكل مواطنيها" أي ثنائية القومية، وهي بالتالي تريد أن تبعد الاستحقاق القادم سنوات الى الأمام، فعليها التخلص من فلسطينيي 1967 وليحلها الحلال بفلسطينيي 1949 وهو استحقاق قادم سيفرض نفسه عليهم ولكن بعد أن يخرجوا من الأنشوطة الأصغر نحو الأكبر.

والرؤية لا تنعقد حكمة شخصية، فاللافت أن صمتاً حولها وعدم ممانعة يكتنفانها من باراك ونتانياهو على رغم كل عناده اللفظي، خصوصاً عندما يبلغ الأمر بأولمرت أن يعلن ما لا يُعلن: «إن الغالبية الساحقة من الجمهور تدرك منذ زمن أن الوقت لا يلعب لمصلحة إسرائيل، وأنه ينبغي دفع المفاوضات مع الفلسطينيين. وأن اقتراح «التعويض والإخلاء» من الضفة هو «جزء من سيرورة إدراك الجمهور الإسرائيلي ما ينتظره إذ سيأتي يوم قريباً، أقــرب مما نتصور، ننشد فيه الحلول التي يــرفضها قــسم منا الــيوم، وعــندها ســنقول كــيف غفــلت أعيننا عن الرؤية، وعليه ينبغي التوصل الآن الى الــسلام مع الفلــسطينيين ومع ســورية من أجــل تغــيير الــتوازن الإقــليمي...».

المرور على الملف السوري بجملة تغيير التوازن الإقليمي يعني ما يعنيه في اللغة الاستراتيجية، فثمة توازن مختل ضد اسرائيل في معادلة المسار السوري المتوقف والذي كان مفتوحاً على (الحلم!) قبل ثماني سنوات الى أن كان الثمن الاستراتيجي عام 2006. اليوم باتت الوقائع (التوازن الاستراتيجي) مختلفة. والتهديد النوعي للمذهب العسكري الإسرائيلي يستدعي الذهاب إما الى حرب تنقلهم من المصيبة الى الكارثة، أو الى السلام بغير... حلم.

ليست قضية المسار السوري كما تحاول أن تقوضها ليفني على أنها مجرد «سفارات وتناول الحمص في دمشق» وتفضل عليها المسار الفلسطيني لأنه هو الذي يُدخل المشكلات الى بيوتهم في نهاية المطاف، فهي تحاول أن تخفف من وقع غياب المسار السوري عن التفعيل قبل سنوات والثمن المرتفع استراتيجياً لمصلحة آنيات المواجهة مع الفلسطينيين، وكأنها بهذا تخدم المسار السوري الذي من دونه لا يوجد سلام ومن دون انجاز سلام شامل لن يكون سلاماً بل مجرد توقيع اتفاقية سلام كما يقول الرئيس الــسوري.

ليس خطأ استنتاج إن ما قال أولمرت هو نوع من الوصية بــخصوص أن القوة ليست الوسيلة الأجدى لضمان أمن إسرائيل، وأن حقيقة الدولتين الفلــسطينية والإسرائيلية هــي الــضمان الــحقيقي لاســتمرار وجــود الدولة العبرية، مــعترفاً بأن الــعالم بات يضيق ذرعاً بالســياسات الإســرائيلية، وأنهم يتطلعون الى دولة فلسطينية مستقلة الى جانب الدولة العبرية، ولكن هذا يذهب الى أبعد من وصية، إنه تجسيد واضح لحقيقة جيو استراتيجية يتوافق عليها الكثيرون، مــمن كانوا لا يجرأون على قولها، فهل ســينفذون من دون أن يقولوا؟.

الإسرائيليون مولعون الى أبعد الحدود بالتجريب. ولكن، لا يمكن أن تكون التجربة القاسية الأخيرة مجالاً لمزيد من التجريب، إلا اذا كانت المعادلة تتلخص بأنه «في هذا العالم المتقدم جداً تنبع أشياء متأخرة جداً»، فهل يكون أولمرت كمتسناع حكيماً في الوقت الضائع أو بين حربين... لا نعتقد وحجتنا في هذا أن الإسرائيليين باتوا يعرفون جيداً حدود القوة... ومخاطر الاستمرار.
"الحياة"

التعليقات