31/10/2010 - 11:02

للتاريخ../ سليم الحص

للتاريخ../ سليم الحص
في الحادي والثلاثين من تشرين الأول (أوكتوبر)2007 أطلقتُ عبر وسائل الإعلام مبادرة إنقاذية ترمي إلى تأمين عبور للاستحقاق الرئاسي من دون التسبب بحصول فراغ ومن ثم فوضى واحتمال تفجر الوضعين السياسي والأمني في حال انقضت فترة الاستحقاق الرئاسي من دون انتخاب رئيس توافقي للجمهورية. والمبادرة قوامها استصدار مرسوم، بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، بتعويم الحكومة القائمة وترميمها وتوسيعها، بحيث تغدو حكومة وحدة وطنية فعلياً، فإذا انقضت فترة الانتخاب الرئاسي من دون انتخاب رئيس يحظى بتأييد شبه إجماعي من اللبنانيين فلن يكون هناك مشكلة بوجود حكومة وحدة وطنية تتسلم مهام رئاسة الجمهورية بحسب النص الدستوري، فيكون بالمستطاع عند ذاك التريث في انتخاب رئيس جديد بعد انقضاء الولاية الرئاسية الحالية إلى أن يتم التوافق على رئيس يجسد وحدة اللبنانيين. فيزول احتمال التفجر فتسلم الوحدة الوطنية ويسلم لبنان. وحكومة الوحدة الوطنية، في حال تعويم الحكومة الحالية وترميمها وتوسيعها، تكون بطبيعة الحال برئاسة رئيسها الحالي الأستاذ فؤاد السنيورة.

طُفت بهذا المشروع على الرؤساء الثلاثة. فكان لقاء مع العماد إميل لحود، رئيس الجمهورية، فلمست منه تأييداً للفكرة وتحبيذاً لها، ولكنه آثر عدم إعلان ذلك صراحة في تلك اللحظة فأصدر بياناً قال فيه إنه بحث معي في قضايا لبنان والمنطقة وكذلك في المبادرة التي طرحت، مؤكداً «أنه مع كل ما يجمع عليه اللبنانيون». وعند قراءتي البيان الرئاسي تساءلت في قرارة ذاتي: وما فضل الرئيس في دعم ما يجمع عليه اللبنانيون؟ مع ذلك، كانت أجواء اجتماعي مع رئيس الجمهورية في منتهى الإيجابية.

ثم كان لي لقاء ذلك اليوم مع الرئيس نبيه بري، رئيس مجلس النواب، وعند إطلاعه على مشروعي قال إنه مشروع إنقاذي وشجعني على المضي قدماً فيه. ولكنه ناشدني أن لا أزجّ إسمه في المشروع نظراً إلى أنه تعهد أمام الملأ أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية سوف يتم في موعده الدستوري. فإذا ما اقترن إسمه بمشروع وضع لتدارك المحظور في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية فإن ذلك سوف يؤخذ على محمل التراجع من جانب رئيس المجلس عن وعده بانتخاب رئيس للبلاد في الموعد الدستوري. تفهمت موقفه.

لم أدلِ بتصريح عند خروجي من لقائي مع رئيس الجمهورية لأنني لم أجد عند خروجي مندوبي وسائل الإعلام في انتظاري، خلافاً للمعتاد. وعند خروجي من لقائي مع رئيس مجلس النواب أدليت بحديث إعلامي، ورداً على سؤال عن رأي الرئيسين اللذين التقيتهما في مبادرتي، أجبت بأنني أتحدث عن نفسي فقط، أما رأي الرئيسين فأتركه لهما للتعبير عنه.
في اليوم التالي كان موعدي مع الرئيس فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة، في السرايا. وكان اللقاء بحضور أحد مستشاريه المقربين. فبادرني الرئيس السنيورة بتساؤل المستهجن: هل عدنا إلى نغمة حكومة الوحدة الوطنية؟

أجبت بأنني لا أطرح تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإنما تعويم حكومته القائمة وترميمها وتوسيعها بحيث تضحي وسيلة لتدارك المحظور في حال انقضت الولاية الرئاسية الحالية من دون انتخاب رئيس توافقي للبلاد. وأردفت متسائلاً: بعد نحو عشرة أيام يمكن أن ينفجر الوضع السياسي ومن ثم الوضع الأمني إذا وقع الفراغ الدستوري بعدم انتخاب رئيس توافقي للبلاد. فما هو مشروعك لتدارك هذا المحظور؟ هل تترك المصير الوطني في مهبّ الريح؟

دار على الأثر حوار متشعب لم يخل من الحدة بين الرئيس السنيورة وبيني، إذ أنحى باللائمة على المعارضة في تعطيل قواعد اللعبة. وعند سؤالي له عما يقصد باللعبة. قال إنها اللعبة الديموقراطية. فكان ردي أن ليس في لبنان ديموقراطية. وأنا صاحب القول إن في لبنان الكثير الكثير من الحرية وإنما القليل القليل من الديموقراطية. ومن الشواهد على ذلك تعرض لبنان لأزمات وطنية عنيفة متكررة منذ الاستقلال، كان آخرها الأزمة الوطنية التي نعيش اليوم، وقد انفجرت عام 2004 مع صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي وفي اليوم التالي تمديد ولاية الرئيس العماد إميل لحود بتعديل دستوري. وقد تبدل وجه الأزمة غير مرة مع تطور الأحداث، إذ تخلل هذه المرحلة أحداث جسام، كان آخرها انسحاب فريق وازن من الحكومة ثم انفجار أزمة الاستحقاق الرئاسي التي استعصت. ولو كنا نعيش حياة ديموقراطية فعلاً لما كانت هناك أزمات وطنية. فديموقراطيات العالم الأكثر تقدماً لا تعرف الأزمات الوطنية في حياتها العامة. إنها تواجه قضايا ومشاكل يومية، وكلها تُحل عبر المؤسسات بالوسائل الديموقراطية، فلا تنفجر أزمات وطنية. متى كان آخر أزمة وطنية مثلاً في أميركا أو بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو اليابان؟

فعلق الرئيس السنيورة بالقول: المعارضة هي التي تعطل قواعد الانتخاب وهم يتوخون إجهاض مشروع المحكمة الدولية التي ستنظر في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

فكان ردي: أنا مع المحكمة الدولية قلباً وقالباً. دعنا يا دولة الرئيس من كل هذا الكلام، وأنا لست هنا في اجتماعي معك لأناقش أية قضايا، بل جئتك لأسمع جواباً منك على سؤال بسيط هو: بعد نحو عشرة أيام يتعرض لبنان لاحتمال انفجار سياسي وأمني، فما هو تصورك لتدارك المحظور؟ فإذا بي أسمع ترداداً لكلام مماثل للذي سبق أن سمعته إذ قال: فليتوجه النواب إلى ممارسة واجبهم بانتخاب رئيس للبلاد.
فقلت: إنني أجاريك في هذا التوجه، وأدعو النواب إلى انتخاب رئيس في الموعد الدستوري، ولكن الخلافات مستحكمة بين السياسيين كما يعرف الجميع حول النصاب وحول هوية الرئيس العتيد. نحن نتمنى أن ينتخبوا رئيساً في الموعد الدستوري، ولكن لنفترض أنهم لم يفعلوا في ظل الخلافات المحتدمة بينهم، فهل نترك المصير الوطني في مهب الريح؟ وكررت السؤال: ما هو مشروعك لتدارك المحظور في أسوأ الاحتمالات؟

فاستمر النقاش بيني وبين الرئيس السنيورة يدور في حلقة مفرغة على هذا المنوال بلا طائل. واحتدم الجدل، واشتدت النبرة. كانت أجواء الجلسة قاسية ومتوترة حتى لا أقول عاصفة.

وعند خروجي من اللقاء خائباً كنت في حال من الانفعال فتجنبتُ اللقاء مع مندوبي الإعلام خوفاً من أن أنزلق إلى قول ما لا ينبغي أن أقول وأنا في تلك الحالة.
وبعد ساعات غادرت إلى البحرين للمشاركة في مؤتمر «برلمانيون عرب ضد الفساد»، وذلك بصفتي رئيساً للمنظمة العربية لمكافحة الفساد.

مساء ذلك اليوم جاء في وسائل الإعلام خبر عن لقائي ورئيس مجلس الوزراء، ووُصف هذا اللقاء بالعاصف، واستُشهد على ذلك بتجنبي لقاء مندوبي الإعلام عند خروجي من اللقاء. ونسب إلى الرئيس السنيورة كلام لم يقله. فأصدر مكتبه الإعلامي بياناً ينفي ما نسب إليه، ولكنه لم ينفِ أن اللقاء كان متشنجاً أو عاصفاً.
رفض الرئيس السنيورة مبادرتي للأسف فأجهضها.

وبلغني خلال وجودي في البحرين أن السيدة كوندليسا رايس، وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية، أدلت بتصريح من الجو، وهي تعبر في طائرتها إلى تركيا، دعت فيه اللبنانيين إلى عدم السير في طريق التسويات أو الرضوخ لمشيئة الآخرين على حساب المبادئ التي قامت عليها «ثورة الأرز». وذلك في تحريض مكشوف على عدم التوصل إلى حل للأزمة الرئاسية.

لو نجحت المبادرة التي أطلقتها لاطمأن اللبنانيون إلى سلامة المصير حتى وإن أخفق النواب في التوافق على انتخاب رئيس جديد للبلاد، فالمبادرة من شأنها أن تتدارك ما يمكن أن ينتج عن الفراغ في سدة الرئاسة من أخطار على المصير الوطني.
"السفير"

التعليقات