31/10/2010 - 11:02

لم يعد بوسعك أن تجادل!../ محمد زبيب

لم يعد بوسعك أن تجادل!../ محمد زبيب
في ظل الفوضى العارمة التي تصيب الأسواق المالية العالمية، والتهديد الجدّي بدخول الاقتصادات الكبيرة والمهيمنة في دورة ركود جديدة تشبه دورة نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، التي عززت صعود الأنظمة الفاشية في أوروبا وأسهمت في التأسيس لأسباب الحرب العالمية الثانية... لا بد من استخلاص بعض الاستنتاجات الأولية التي لم يعد سهلاً المجادلة فيها، والمتصلة بما أفرزته «النيوليبرالية» من أفكار على مدى ثلاثة عقود من سيطرتها:

* إن النظام الرأسمالي هو نظام مأزوم في ذاته، لا يملك القدرة إلا على تكرار الاختلالات نفسها، ولو بصور مغايرة في الظاهر، فالخطط المكلفة التي يجري فرضها اليوم على دافعي الضرائب، لا تحقّق التوازن المنشود، ولا يدّعي أحد ذلك على أي حال، بل هي، كالعادة، تنقل النظام من حالة غير متوازنة إلى حالة أخرى غير متوازنة، وهكذا دواليك، وليس هناك دليل واحد في التاريخ يمكن أن يثبت العكس.

* إن توسّع السوق بأقل قدر من التقنين، هو نظام متخيّل غير واقعي، وبالتالي، ليس هناك قوانين طبيعية تحقق التوازن، فما يحصل اليوم يؤكّد، بما لا يقبل الجدل، أن هذه الأسواق تقنّنها سلطات تمثل رأس المال، وهي تقف دائماً على أهبة الاستعداد للتدخّل من أجل حماية مصالح من تمثّل، وغالباً على حساب الضحايا أنفسهم، فمصالح الرأسمال تسيطر في الواقع على السياسة، وتلغي قدرتها على الموازنة، وبالتالي، ثبَت أن الدولة ليست «محايدة»، ووظائفها ليست منفصلة عن عمل السوق، بل هي الأداة التي تُمارَس من خلالها سياسات رأس المال.

* إن التوسّع في السوق الحرة غير المقننة يتعارض مع التوسّع في الديموقراطية، وبالتالي ليس هناك تكامل بينهما، إذ إن «نهاية التاريخ» لم تكن في الواقع إلا نهاية للتقاليد الديموقراطية، ولو في حدّها الأدنى، فمقولة «ليس هناك بديل» فرّغت الديموقراطية من أي مضمون، إذ إن الديموقراطية لا تقوم إلّا على أساس تعدد الخيارات، وما يحصل اليوم من سباق محموم للبحث عن خيارات بديلة يؤكّد ذلك.

* إن «النيوليبرالية» أسهمت في تدمير الثقافة البورجوازية، لا العكس، فطبقة المافيا حلّت محل البورجوازيات الوطنية، وبات رجال الأعمال والمضاربون والمديرون التنفيذيون والمشعوذون ولاعبو القمار ورجال العصابات وصنّاع الأوهام... هم الذين يديرون السلطة، بل ويجسّدون «المثل العليا» والمواصفات «القيادية» من جورج بوش إلى برلسكوني، وما بينهما... والأهم أن «النيوليبرالية» نقلت العالم من «التنوير» إلى «الظلامية»، على المستوى الوطني، كما على المستوى العالمي، فأنتجت المزيد من الأيديولوجيات الدينية والطائفية، والحروب الاستباقية على غرار حروب القبائل القديمة، وأسهمت في إعادة إنتاج «العنصرية»، وتراجعت الثقافة إلى أدنى مرتبة، لتحلّ محلّها ثقافات منغلقة من نوع «لماذا يكرهوننا؟» و«نحب الحياة» و«يغارون من نمط عيشنا»... والأخطر هو سيادة ثقافة «التكيّف» والاكتفاء «بالعيش يوماً بيوم» بذريعة أن زمن الأفكار والخطط قد مات بموت الاشتراكية، التي قيل إنها لم تؤمّن الشرطين الأساسيين «كفاءة الاقتصاد والديموقراطية»، فما تؤكّده الفوضى اليوم أن الرأسمالية أيضاً لم تؤمّن أياً من هذين الشرطين.

* إن الاقتصاد «الرياضي» وغلبة «رجال الأعمال» على «الاقتصاديين»، والترويج لإبداعات «بهلوانية» للحائزين جوائز نوبل... كلها عوامل أسهمت في خلق الاقتصاد الوهمي، وتأكّد أن الاقتصاد لا يمكن أن يكون إلا سياسياً واجتماعياً، وبالتالي لا يمكن ترك أمر إدارته لحاملي الآلات الحاسبة ومستعملي برامج الاكسيل... فتحليلات هؤلاء لم تكن علمية ولا موضوعية وكانت أقرب إلى السحر منها إلى العلم، أليس غريباً أنّ تنبؤاتهم لم تصحّ ولا مرّة إلا في سياق التوقّعات المتعلقة بتراكم الثروة الشخصية واتساع قائمة فوربس الخيالية لأغنى الأغنياء في العالم.

* إن العولمة بالصيغة التي كانت مطروحة فيها سابقاً، أي باعتبارها مجموعة أدوات ونظم كفيلة بجعل العالم بمثابة قرية صغيرة تسودها السوق المفتوحة والمتحررة من أي قيد أو شرط، ليست إلا وهماً شبيهاً بألعاب الكومبيوتر الافتراضية، وبالتالي، لم تكن وظيفتها إلا تأكيد ممارسة إمبريالية جديدة تهدف إلى سيطرة القوي والاستئثار بمقدّرات الضعفاء، إذ ليس غريباً أن يشهد العالم اليوم انكفاءً نحو الحدود الوطنية لحصر الأزمة العارمة والحد من آثارها في كل سوق على حدة، بل إن البعض بات يتوقّع انهيار النظم الدولية الموحّدة في مجالات عدّة، أهمها السياسات النقدية، فضلاً عن تفكّك الاتحادات الإقليمية وما فوق الإقليمية.

* إن محاباة الولايات المتحدة الأميركية بوصفها القوّة الإمبريالية المسيطرة قد تنقلب إلى انتقادات واسعة لنموذجها، الذي أثبت فشله عالمياً، فمقولة إن الرأسمالية جدّدت شبابها عبر الرأسمالية الأميركية الفتية سقطت الآن، وعاد الحديث عن دور أوروبا العجوز في إنتاج البديل الرأسمالي، بما يسمح بتجديد الثقة بالنظام «الذي لا بديل عنه».
"الأخبار"

التعليقات