31/10/2010 - 11:02

من أفشل الحوار؟../ مصطفى إبراهيم*

من أفشل الحوار؟../ مصطفى إبراهيم*
إفشال حوار القاهرة عمق الهوة وزاد من الفجوة بين طرفي الصراع حركتي "فتح" و"حماس"، والأمور ذاهبة في طريقها للتصعيد بشكل أكثر حدة من السابق، فالأيام القليلة الماضية شهدت حملة من الاتهامات والردح المتبادل، وتسابق الطرفان كل من جهته في كيل الاتهامات، والسيل الجارف من الكلمات التي تدخل في باب العيب والإساءة للشعب الفلسطيني وقضيته، واستعرض كل طرف عضلاته في قمع حريات الأخرين لإثبات قوته على الأرض.

فحسب المعلومات لم يكن موقف حركة "حماس" مفاجئا، من أنها لن تذهب إلى القاهرة، على الرغم من التصريحات الايجابية التي صدرت عن الدكتور محمود الزهار بعد عودته من القاهرة، وبعد أن سلم المصريين رد الحركة على الوثيقة المصرية، وتحفظاتها عليها، وعلى إثر عودته من القاهرة لم ترق تصريحاته بعض القيادات، في الحركة، واستغرب البعض الأخر اللهجة الايجابية التي تحدث بها، برغم التحفظات العديدة على الوثيقة.

وظل العديد من المراقبين على موقفه من أن حركة "حماس" لن تتوجه للقاهرة، ليس لأن الحركة كما تدعي هي استمرار حملة الملاحقة الأمنية، والاعتقالات السياسية ضد عناصرها في الضفة الغربية فقط.
بل هناك أسباب أخرى تدفع الحركة لعدم المشاركة في الحوار الوطني، منها تخوفها من أن تتعرض للضغط من الوفود المشاركة للحوار فلسطينياً وعربياً، والتوقيع على اتفاق أو إعلان مبادئ يلزمها التخلي عن قطاع غزة، وتخسر ورقة قوية من أوراقها، وكذلك الموقفان العربي الرسمي والمصري المؤيدان لموقف الرئيس محمود عباس، وغيرها من المستجدات الإقليمية والدولية.

السبب المعلن من قبل حركة "حماس" بعدم ذهابها للحوار، هو استمرار حملة الملاحقة الأمنية والاعتقالات السياسية ضد عناصرها في الضفة الغربية والتي وصلت إلى أعداد كبيرة. وهو مطلب مشروع، خاصة أنها أفرجت عن المعتقلين السياسيين من حركة "فتح" في سجون حكومتها بغزة، وعليه يجب الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، ليس لتهيئة الأجواء اللازمة لنجاح الحوار فقط، بل من اجل إغلاق ملف الاعتقال السياسي المسيء للشعب الفلسطيني.

وهذا لم يكن مطلب حركة "حماس" وحدها، بل هو مطلب وطني، وشارك العديد من المسؤولين في حركة "فتح" حركة "حماس" ذلك المطلب وإغلاق هذا الملف، واقر بعضهم أن هناك أعداد كبيرة من المعتقلين السياسيين من حركة "حماس"، والفصائل الفلسطينية الأخرى في سجون السلطة في الصفة الغربية، ولم يتوقف ذلك عند حركة "فتح"، بل طالبت هيئة العمل الوطني في قطاع غزة أكثر من مرة بإغلاق هذا الملف.

وتحدثت بعض مصادر هيئة العمل الوطني، أن عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" الدكتور زكريا الأغا، طالب في اجتماعات الهيئة ممثلي الفصائل في هيئة العمل الوطني بالطلب من قادتهم الضغط على الرئيس محمود عباس للإفراج عن المعتقلين السياسيين.

وأضافت تلك المصادر أنه كان الأجدر بالفصائل الأعضاء في منظمة التحرير عدم الذهاب للقاهرة والمشاركة في الحوار، قبل أن يتم الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، والتضامن مع "حماس"، لأنه كان هناك موقف موحد في هيئة العمل الوطني في قطاع غزة بضرورة الإفراج عن المعتقلين لتهيئة الأجواء لنجاح الحوار الوطني.

وهذا ما يبرر الاتهامات التي توجهها حركة "حماس" لحركة "فتح" والرئيس عباس من أنه يتخذ من هيئة العمل الوطني غطاءً في تمرير مواقفه، واتهامها أيضاً الفصائل المشكلة للهيئة أنها تستخدم كأداة طيعة في يد حركة "فتح" والرئيس عباس.

وبناء على ما ذكرته تلك المصادر قامت هيئة العمل الوطني، وبمبادرة من بعض الفصائل خاصة الجبهة الشعبية بالاتفاق مع الرئيس عباس للعمل من أجل الإفراج عن المعتقلين السياسيين. وفي شهر رمضان الماضي وبالتعاون والتنسيق مع مؤسسات حقوق الإنسان في فلسطين، شكلت هيئة العمل الوطني اللجنة الوطنية لإنهاء ملف الاعتقال السياسي، واجتمعت اللجنة، وحددت المعايير اللازمة للإفراج عن المعتقلين السياسيين، والتقت في غزة أكثر من مرة بمسؤولين من حركة "حماس"، واستجابة الحركة لمطالب اللجنة وتم الإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين من أعضاء "فتح".

وقوبل ذلك في الضفة الغربية بالتسويف وعدم الاعتراف بوجود معتقلين سياسيين أصلاً، ما حدا باللجنة إلى حل نفسها، مع إقرارها بوجود نحو "200" معتقل سياسي من أعضاء "حماس" والفصائل الفلسطينية في سجون السلطة في الضفة الغربية، مع أن العدد اكبر من ذلك بكثير.

وما أثار حفيظة "حماس"، وقبل توجه الوفود إلى القاهرة بأيام معدودة، إعلان الرئيس عباس في مؤتمره الصحافي المشترك مع كوندوليزا رايس، "إن المعتقلين القابعين في السجون هم على خلفيات جنائية "مالية أو استحواذهم على أسلحة غير شرعية"، وهذا أيضاً أثار حفيظة واستنكار الفلسطينيين خاصة انه أعلن عن ذلك مع رايس، وهو بهذا يؤكد أمام رايس التزامه والسلطة بخارطة الطريق والالتزامات الأمنية المترتبة عليها، وهذا سبب من أسباب الخلاف في الساحة الفلسطينية.

من أفشل الحوار ليس حركة "حماس" وحدها، بل الكل الفلسطيني مسؤول عن إفشال الحوار الوطني، الذي ينتظره الفلسطينيون للخروج من الأزمة التي يعيشونها وقضيتهم، وإنهاء حال الانقسام، فالرئيس عباس وحركة "فتح" مسؤولون عن فشل الحوار بالتساوي والتوازي مع حركة "حماس"، لإنكار الرئيس عباس عدم وجود معتقلين سياسيين، وكأنه يدفع حركة "حماس" لإفشال الحوار وتوجيه الاتهام لها لاحقا أنها المسؤولة عن فشل الحوار، وكذلك عدم وجود الإرادة والشجاعة لذلك، والتحضير جيدا للحوار وإنضاجه بتوفير الأجواء الملائمة لنجاحه.

والفصائل الفلسطينية مجتمعة تتحمل المسؤولية عن إفشال الحوار، خاصة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والشخصيات الوطنية والمستقلة المشكلة لهيئة العمل الوطني في قطاع غزة، والتي هرولت للذهاب للحوار قبل تنفيذ التزاماتها ووعدها بإنهاء ملف الاعتقال السياسي، وغيره من الملفات التي من الممكن البث فيها وحلها قبل التوجه للقاهرة.

مسؤولية فشل الحوار هي مسؤولية جماعية يتحملها الفلسطينيون جميعاً، فالفلسطينيون لم يعملوا بما فيه الكفاية لإنجاح الحوار، وغلب كل فريق مصالحه الحزبية والشخصية على حساب المصلحة الوطنية، من خلال تجنيد فصائل على حساب أخرى، خاصة من قبل الرئيس عباس، وفصائل المنظمة التي لم تلتزم بما وعدت به، والاصطفاف كل ضد الأخر لإنجاح مشروعه على حساب المشروع الوطني.

التعليقات