31/10/2010 - 11:02

من رؤية بوش إلى مقاربة أوباما../ عوني فرسخ

من رؤية بوش إلى مقاربة أوباما../ عوني فرسخ
الرئيس باراك حسين أوباما في خطاب تنصيبه أبدى التزاماً بالتغيير في تعاطي إدارته مع هموم المواطن الأمريكي، وبخاصة القيود على الحريات والأزمة الاقتصادية التي أورثها إياه سلفه. ولكنه في كلمته عندما كلف جورج ميتشل بملف الصراع العربي الصهيوني حدد مهمته بما لا يخرج عن استنساخ رؤية بوش. مدللاً على صحة القول بأن الرئيس الأمريكي، أياً كان حزبه وبصرف النظر عن اسمه وجذوره، محكوم باستراتيجية وضعت خطوطها العريضة إدارة الرئيس ويلسون، عندما أقر وعد بلفور قبل أن تصدره بريطانيا سنة 1917. أي قبل أن تغدو جماعة الضغط اليهودية “اللوبي” مؤثرة في النظام والمجتمع الأمريكيين، ما يعني أنها استراتيجية قومية أمريكية، مؤسسة على النظر للمشروع الصهيوني باعتباره أبرز أدوات تحقيق المصالح الكونية للقوى الاجتماعية الأشد تأثيراً في صناعة القرارات الأمريكية. وهي استراتيجية تقوم على اعطاء الأولوية لكل ما فيه تمكين للمشروع الصهيوني، ولو اقتضى ذلك عدم التعاطي بموضوعية مع الواقع القائم على أرض الصراع، وإهمال متعمد لحقائق تاريخه الممتد. كما تجلى ذلك في موقف أوباما من المحرقة الصهيونية.

فالرئيس لم ير من مشاهد المحرقة غير إطلاق صواريخ المقاومة على مستعمرات النقب الفلسطيني المحتل، في تجاهل كلي لآلاف غارات طائرات “اف 16” ومروحيات الأباتشي أمريكية الصنع، ومئات آلاف القنابل الفوسفورية والعنقودية التي قذفت بها القطاع الأعلى كثافة سكانية في العالم، وما تسببت به من تقتيل مريع ودمار شامل. إذ بلغ الشهداء ،1530 وبمقارنة عدد مواطني القطاع بسكان الولايات المتحدة يبلغ ما يعادلهم 31 ألف قتيل أمريكي. فيما زاد عدد الجرحى على 5300 ما يعادل 106 آلاف أمريكي. وبلغ الذين شردوا من بيوتهم المدمرة مائة ألف ما يعادل 2مليون أمريكي. فضلاً عن تدمير شبه كامل للبنية التحتية في القطاع، والأوبئة التي تهدد حياة مواطنيه، خاصة الأطفال والحوامل وكبار السن، كما تحذر الهيئات الدولية المختصة. إضافة لشلل الحياة الاقتصادية، وما أصاب المؤسسات التعليمية والمساجد وغيرها من المؤسسات.

والسؤال الذي تفرضه هذه المقارنة ماذا كان الرئيس أوباما فاعلاً لو أن كوبا قذفت جوارها الأمريكي بمثل الحمم التي قذفتها “إسرائيل” على قطاع غزة وأوقعت بالأمريكيين مثل الذي أوقعته المحرقة الصهيونية بأهالي القطاع؟

ولو أن أوباما تحرى أسباب إطلاق صواريخ المقاومة، التي يدينها بحكم مسبق وهو القانوني الضليع، لتبين أن إطلاقها لم يجاوز كونه مقاومة مشروعة في القانون الدولي لاحتلال غير مشروع بموجب قراري مجلس الأمن 242 و338. ولكنه تمادى في نظرته غير الموضوعية للواقع باعتباره ضحايا الإرهاب الصهيوني المعتدين الذين يخالفون القرارات الدولية. بل واعتبر “إسرائيل” بإرهاب الدولة الذي تقترفه تمارس حقاً مشروعاً بالدفاع عن النفس، في مخالفة مفضوحة لما يقضي به العرف الدولي من أن الدفاع المشروع عن النفس إنما هو دفاع دولة معتدى عليها من قوة تفوقها في إمكاناتها المادية وقدراتها البشرية. وهذا غير قائم على أرض الواقع!

والرئيس بحصره تواصل مندوبه مع محمود عباس وسلطة رام الله دون القوى الوطنية الفلسطينية صاحبة الوجود الفاعل وليس الشكلي يعمق الانقسام الفلسطيني بتعزيزه الوهم عند من لا يملكون غير دعمه وحلفائه الدوليين والإقليميين. وهذا ما تكرر بعدم شمول جولة ميتشل الأولى للمنطقة زيارة القطاع المنكوب تحسباً من لقاء سلطته الشرعية. وإن ظن الرئيس الأمريكي ومثله حلفاؤه الأوروبيون أنهم بذلك يعزلون حماس وفصائل المقاومة الأخرى فهم واهمون.

وإن حسب الرئيس أوباما وكذلك حلفاؤه الدوليون والإقليميون أنهم بالمناورات السياسية، وبإحكام الحصار البحري والبري على قطاع الصمود والعزة، قد يحققون لأداتهم الصهيونية ما عجزت عنه المحرقة. وإن هم تصوروا أنهم بالتحكم في عملية إعادة الإعمار من خلال السيطرة على المعابر فتصورهم وظنهم بلا أي أساس موضوعي. وليتذكروا أن اللاجئين الفلسطينيين، يوم أن كانوا في أكثر حالاتهم بؤساً وحاجة، رفضوا كل مشاريع التوطين والاسكان، وتمسكوا بحقهم في العودة لديارهم، وأنهم بالاعتماد على أنفسهم بالدرجة الأولى انتزعوا اعتراف العالم بأنهم الشعب الذي لا يفرط بحقوقه ولا تستلب إرادته. وليوفر الرئيس أوباما والقادة الأوروبيون وغيرهم “المعونات” التي يتحدثون عنها لدعم اقتصاداتهم المنهارة، وليأخذوا في حسبانهم أن المقاومة بصمودها استنهضت مواطن الخير لدى شعوب الأمة العربية والعالم الإسلامي وأحرار العالم، ما يوفر لقطاع العزة ما يغنيه عن جزرة حماة “إسرائيل” بعد أن تكسرت على صخرته الشماء عصيهم.

ولا شك أن الرئيس أوباما، ككل الرؤساء الأمريكيين السابقين، محكوم باستراتيجية التمكين لـ “إسرائيل” باعتبارها رصيداً أمريكياً. غير أن ما يواجهه من تحديات مختلف كيفياً عما واجه كل سابقيه. بدءاً من كونه من أصول إفريقية وأب مسلم يحتل موقعاً كان حكراً على البيض ذوي الأصول الأوروبية، ما يجعله ينحو للغلو فيما اعتادوه ليكسب ولاءهم. ثم إنه يتولى منصبه في مواجهة انهيار اقتصادي ومأزق متفاقم خارجياً، خاصة في العراق، وتصاعد التمرد على الإرادة الأمريكية، سيما في الأمريكيتين الجنوبية والوسطى، فضلاً عن تداعيات المحرقة التي عرت الطبيعة العنصرية للكيان، وأكدت فقدانها لقوة ردعها، وسقوط أساطير تفوقها، وصيرورة قادتها ملاحقين دولياً لاقترافهم جرائم إبادة الجنس، وبحيث غدت عبئاً على رعاتها وليست رصيداً استراتيجياً لهم. وذلك في مقابل امتلاك قوى المقاومة الفلسطينية زمام المبادرة واكتسابها عطف وتأييد أحرار العالم، بمن فيهم الأمريكيون منهم. وبالتالي فأوباما مرشح للفشل أكثر من بوش في تعاطيه مع الصراع العربي الصهيوني، ما لم يؤسس مقاربته على حقائق الصراع، وأولها كون الاحتلال الصهيوني للأرض العربية هو المشكلة، وأن التفاعل مع حماس وبقية قوى المقاومة سبيل التعاطي المنتج مع القوى العربية مالكة المستقبل.
"الخليج"

التعليقات