27/12/2010 - 12:43

إدراك حقيقة الموقفين الأمريكي والأوروبي../ فايز رشيد

-

إدراك حقيقة الموقفين الأمريكي والأوروبي../ فايز رشيد
أدرك المسؤولون في السلطة الفلسطينية أخيراً أن الجهود الأمريكية للتسوية قد فشلت تماماً، وجاءت تصريحات عديدة بهذا الاعتراف على ألسنة العديدين منهم. لا نناقش صحة ودقة التصاريح، ولا استنتاجهم الواقعي، ولكن يلمس من هذه التصريحات استغراب كبير لدى أركان السلطة من الموقف الأمريكي، مع العلم أن فن السياسة القائم على معرفة موضوعية بحقيقة الآخر، والحدود التي من الممكن له الوصول إليها بالنسبة إلى وضع سياسي معين وهو في هذه الحالة: الصراع العربي-الصهيوني، يقتضي عدم إضفاء الرغبات الذاتية على خطوات الآخر، لأنه والحالة هذه فإن التقييم لا يكون صحيحاً، بل من الضرورة إدراك ما يمكن لهذا الآخر أن يصل إليه ويفعله.
 
صحيح أن الرئيس الأمريكي في فترة ترشحه، وفي خطاباته العديدة في بداية تسلمه للرئاسة، وفي خطابه الشهير في جامعة القاهرة، بدا كأنه يمثل نهجاً جديداً في السياسة الأمريكية، وأنه سيصنع معادلات جديدة في الشرق الأوسط، وأنه إلى حد ما سيُنصف الفلسطينيين، ويمارس ضغطاً على “إسرائيل”، وبخاصة عندما ردد في خطاباته ضرورة وقف الاستيطان بما في ذلك القدس الشرقية، كشرط ضروري لاستئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”، كذلك وعوده بإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة.
 
بالطبع تفاءل كثيرون من المسلمين والعرب بمن فيهم الفلسطينيون بوعود أوباما، غير أن نظرة معرفية للتجارب السابقة للإدارات الأمريكية المختلفة في ما يتعلق بالشرق الأوسط، تبين بما لا يقبل مجالاً للشك، الحدود المرسومة للتحرك الأمريكي تجاه الصراع الأساسي في المنطقة، المحكوم بخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها. هذا ما أثبتته بشكل عام مختلف الإدارات الأمريكية، وبخاصة إدارة الرئيس بيل كلينتون في ولايتيه، وإدارة الرئيس بوش الابن أيضاً في ولايتيه. أما الخطوط الحمراء فتتلخص في التحالف الاستراتيجي العضوي بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” وتداعياته وتسليح عسكري ل”إسرائيل” بالشكل الذي تتفوق فيه عسكرياً على كافة الدول العربية، واعتبار الأمن “الإسرائيلي” جزءاً من الأمن القومي الأمريكي، ومساعدة “إسرائيل” مالياً واقتصادياً، وسياسياً، ودبلوماسياً بكافة السبل والوسائل المتاحة في كافة الهيئات والمؤسسات الدولية، وحتى في الاجتماعات العالمية للمنظمات غير الحكومية. وفي كل ما طرحناه هناك إثباتات وبراهين كثيرة على صحة هذه المسألة إن في مواقف الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة، أو في المنظمات التابعة لها، فمواقف أمريكا المساندة ل”إسرائيل” بحاجة إلى مجلدات كثيرة لتعدادها، وليس إلى مقالة صحافية.
 
ثاني هذه الخطوط الحمراء عدم إجبار “إسرائيل” على اتخاذ مواقف من التسوية لا تريد قبولها، وهناك رسالة ضمانات استراتيجية أمريكية قُدّمت ل”إسرائيل” في عام ،2004 وهي رسالة باسم الولايات المتحدة وليست باسم الرئيس بوش الابن ولا باسم إدارته، وقد قُدّمت في عهده. لهذا فإن الموقف الأمريكي من موضوع اللاجئين الذي ترفضه “إسرائيل”، هو أيضاً رفض لهذا الحق، أما بالنسبة إلى موضوعي القدس والاستيطان فهما من وجهة النظر الأمريكية يجب بحثهما في إطار التفاوض من قبل الطرفين.
 
ثالث هذه الخطوط الحمراء يتمثل في عدم ممارسة الضغوط على “إسرائيل” بل تُمارس على الطرف الآخر في أية مفاوضات “إسرائيلية” مع الفلسطينيين أو العرب أو أية دولة أخرى، ولذلك فإن وجهة النظر الأمريكية تتقاطع مع الجانب “الإسرائيلي” إن في التسوية مع الفلسطينيين أو بالنسبة إلى ما يسمى بمبادرة السلام العربية، إضافة إلى الكثير أيضاً من نقاط التقاطع الأخرى.
 
رابع هذه الخطوط الحمراء التقاطع الأمريكي “الإسرائيلي” في العمل المشترك لتلافي أي أخطار مستقبلية قد تهدد “إسرائيل” باعتبار أن الأمن “الإسرائيلي” هو جزء من الأمن القومي الأمريكي.
 
السلطة الفلسطينية تكرر الخطأ ذاته بالنسبة إلى حدود الحركة السياسية للاتحاد الأوروبي، في ما يتعلق بالنظرة إلى الصراع الفلسطيني العربي الصهيوني، فقد طالبت السلطة الدول الأوروبية، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 أسوة بالخطوات التي اتخذتها بعض دول أمريكا اللاتينية، وطالبت اللجنة الرباعية باتخاذ مواقف حاسمة بالنسبة إلى التسوية.
 
بداية من الضروري التأكيد أنه لا اللجنة الرباعية ولا دول الاتحاد الأوروبي قادرة على تجاوز السقف الأمريكي. وبالفعل جاء رد الاتحاد الأوروبي في أن أوروبا ستعترف بالدولة الفلسطينية في الوقت المناسب، وهذا يتواءم تماماً مع ما قاله الناطق الرسمي الأمريكي منذ أيام حول الموضوع ذاته، إذ صرّح بالحرف الواحد “إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سابق لأوانه”.
 
وبعد، هل ستفاجأ السلطة بعد مدة بسلبية الموقف الأوروبي وبانطباقه التام على ما تقرره الولايات المتحدة؟ سؤال برسم الإجابة عنه من قبل السلطة الفلسطينية.
"الخليج"

التعليقات