29/12/2010 - 10:36

إلى متى؟../ علي جرادات

-

إلى متى؟../ علي جرادات
إن كان سهلاً فهم، (وليس تَفَهُّم)، مراوحة ملف الانقسام الفلسطيني في مكانه، ارتباطاً بغياب الإرادة السياسية الداخلية، المعطلة بقوة تداخلات عربية وإقليمية ودولية ملموسة، ناهيك عن الفعل الإسرائيلي الممنهج لتأبيد هذا الانقسام،  فإن من الصعوبة بمكان فهم، (ناهيك عن تَفَهَّم)، التأجيج المفاجئ لنيران هذا الانقسام مؤخراً، رغم توفر دفعة سياسية موضوعية أخرى لإنهائه، تمثلت في:
 
1: اتضاح انسداد آفاق عملية التفاوض مع الإسرائيليين عموماً، وحكومة نتنياهو خصوصاً، خاصة بعد ثبوت غياب إرادة إدارة أوباما، في الضغط على قادة إسرائيل، حتى ولو في حدود تجديد مسرحية التجميد الجزئي المؤقت للأنشطة الاستيطانية، ما يكشف خرافية الاعتقاد باستعداد الإسرائيليين للتسوية، وعبثية الاعتقاد بحيادية أمريكا تجاه القضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي عموما.
 
2: اتضاح أن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية المدعومة أمريكيا، ليست في وارد رفع الحصار المفروض على غزة، ولا حتى في وارد التعاطي مع "تهدئة" الأمر الواقع غير الرسمية، التي تلتزم بها "حماس" من طرف واحد منذ عامين في قطاع غزة، اللهم إلا إذا جاءت بصيغة ضمان الضبط المجاني الشامل والكلي للأوضاع في القطاع من جهة، وضمان منع تهريب الأسلحلة للقطاع من جهة ثانية.
 
 بلى، هاتان حقيقتان سياسيتان موضوعيتان كان على النخب القيادية الفلسطينية، وقيادتي "فتح" و"حماس" بخاصة، استثمارهما لدفع ملف المصالحة الوطنية خطوات نوعية الى الأمام، سيما مع ترافق هاتين الحقيقتين مع تسعير للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين على ثلاث جبهات مترابطة:
 
الأولى: جبهة في الضفة والقدس سلاحها مواصلة عمليات التهويد والاستيلاء على الأرض واستيطانها وتقطيع أوصالها، ناهيك عن الاعتقال وتدمير المنازل والتهجير والتضييق وتخريب المزروعات والاعتداء على المقدسات....
 
والثانية: جبهة في غزة سلاحها  استمرار الحصار والقصف والتوغلات المحدودة، والتهديد بتوسيعها وتعميقها على غرار ما جرى قبل عامين من عدوان همجي فاقت جرائمه كل تصور.
 
والثالثة: جبهة تطال كافة الفلسطينيين، خاصة أولئك الصامدين وراء الخط الأخضر، سلاحها تكثيف التشريعات والقوانين العنصرية التي تقونن إجراءات سياسة التطهير العرقي وتمأسسها.
 
   تلك هي التجليات الملموسة للصراع الموضوعي مع الاحتلال، في ظل أعنف حكومات إسرائيل وأكثرها تطرفا وعنصرية وفاشية، كما تصفها حتى الكثير من الأوساط غير الفلسطينية، بل والعديد من الأوساط الإسرائيلية نفسها. إنها تجليات لحالة حرب إسرائيلية شاملة على الفلسطينيين، يتضح يوميا أن غاياتها تتجاوز هدف المزيد من الإنهاك السياسي لبرنامج النضال الوطني الفلسطيني، وتمزيق أدواته، وتهبيط سقف مطالبه، وتمييع أهدافه، لتصل الى حد التهيئة الجادة لإسدال الستار على القضية الفلسطينية، ولو الى حين، عبر خديعة تجديد الحل "الانتقالي"، كما أعلن  نتنياهو علنا ورسميا قبل يومين.
 
   عليه، لقد أصبح قرار إعادة توحيد الصف الوطني الفلسطيني في مواجهة هذه الحرب الإسرائيلية الشاملة، بمثابة شرط لازم لمنع استمرار "جرجرة" القضية الفلسطينية نحو التصفية، ما يفرض على قيادتي "فتح" و"حماس"، المبادرة لاتخاذ هذا القرار، لأنه القرار الوحيد القادر على توتير قوس الشعب الفلسطيني ورص صفوفه من جهة، ووضع العرب رسميا وشعبيا أمام مسؤولياتهم القومية تجاه القضية الفلسطينية من جهة ثانية، فيما هذا وذاك، يشكلان عاملاً لا مناص منه لزيادة التأييد الدولي والإقليمي المتنامي للفلسطينيين وحقوقهم الوطنية، وتحويل هذا التأييد إلى فعل سياسي ملموس في مواجهة الدعم الأمريكي لصلف حكومة نتنياهو، التي أعرب غير وزير من وزرائها، عن خشيتهم من عزلة إسرائيل، جراء تلاحق الاعترافات بالدولة الفلسطينية المستقلة، بل وقامت حكومة نتنياهو بتنظيم حملة مضادة بإسناد أمريكي للرد على هذا التنامي الحاصل لصالح الفلسطينيين وتأييد قضيتهم وحقوقهم الوطنية والتاريخية المغتصبة، فضلا عن تنامي التعاطف معهم جراء ما يُرتكب بحقهم من جرائم حرب موصوفة وتطهير عرقي قلّ نظيره في العصر الحديث. 
 
   إن كان أمر الحالة الفلسطينية على هذا النحو، وأعتقد أنه كذلك بامتياز، كيف يمكن فهم، (ناهيك عن تَفَهّم)، تأخر قيادتي "فتح" و"حماس"، في المبادرة للبدء في حوار وطني شامل، يعالج بمسؤولية وعمق كيفية إنهاء الانقسام الداخلي، كشرط لازم لرسم إستراتيجية وطنية موحدة قادرة على مواجهة تحديات الاحتلال المفروضة؟؟! والأنكى، كيف يمكن فهم، (ناهيك عن تَفَهّم)، تزامن إتضاح هذه الحقائق المرة مع التأجيج المفاجئ لنيران الانقسام الداخلي؟؟!! التأجيج الذي جرى التعبير عنه في تجدد كيل الإتهامات المتبادلة بين "سلطتي" الضفة وغزة، وبلغ ذروته في المؤتمر الصحفي للسيد محمود الزهار، القيادي المقرّر في "حماس".
 
  قصارى القول، فعلاً، لقد بات صعباً على كل من يملك الحد الأدنى من الحس الوطني السليم تفسير سلوك النخب القيادية الفلسطينية، سيما قيادتي "فتح" و"حماس"، في شأن تعاطيهما مع ملف المصالحة، خاصة في ظل تصاعد وتيرة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حرب إسرائيلية على كافة الجبهات،  وربما لا مبالغة في تشبيه هذا السلوك، بسلوك حكماء بيزنطة، الذين واصلوا جدلهم حول سؤالهم العبثي: كم من الملائكة أو الشياطين يستطيعون الوقوف على رأس الدبوس؟؟!! فيما مدافع الأعداء تدك حصونهم، راحت تتساقط واحدا بعد الآخر.
 

   والأنكى أن الجاري في المشهد الفلسطيني، يأتي تكراراً، إنما أكثر مأساوية، لما كانت عليه الحال قبل عامين، أي قبيل شن الحرب الإسرائيلية العدوانية التدميرية على غزة، التي كان يمكن تثمير صمود أهلها في وجه العدوان، في حصاد سياسي وطني ملموس، لو أن عامل وحدة الصف الوطني كان قائما قبل شن العدوان، وفي أقله، لو أن جرائم ذاك العدوان قادت الى توحيد هذا الصف. ففظاعة التدمير وجسامة التضحيات وعظمة الصمود أثارت عطف العالم وتضامنه من أقصاه الى أقصاه، وكان فعلا يمكن تحويل هذا التأييد الشعبي والرسمي العالمي غير المسبوق، الى إنجاز سياسي وطني ملموس، في أقله رفع الحصار عن غزة، لو أن الصف الوطني كان موحداً في تكتيكه وأدائه ومطالبه وشعاره السياسي الناظم للفعل الشعبي الميداني المذهل، والصورة الأسطورية لصموده. لكن، وبما أن ما حصل من تضييع للفرصة قد حصل قبل عامين، فإن من الجريمة تكرار ما حصل. فجرافات الإحتلال تواصل حربها هنا في الضفة، في وحدة سياسية مع دباباته وطاتراته تقذف الحمم هناك في غزة. فإلى متى تبقى الوحدة السياسية للشعب الفلسطيني ممزقة؟!               

التعليقات