13/05/2012 - 18:04

دفاعًا عن العقل لا عن التجمع.. ردًّا على مقالة معاذ خطيب / وئام بلعوم

ليس من عادتي الرّد ومناقشة مقالات جلّ همّها التحريض والتهجّم وتأجيج العواطف بدلاً من إحكام العقل وإتيان الحجّة بأختها، وذلك لإيماني بان هذا النوع من المقالات تفنّد نفسها بنفسها فتضيع الحاجة لأن تقنع النّاس بخطئها وخطورتها، ولكن عندما يتمادى التحريض كما في مقالة معاذ خطيب "إلى التجمع الوطني الديمقراطي. وطنية نعم.. أما انحلال خلقي فلا وألف لا"، يجب أن يرَد عليه حتى لا يظن انّه بهذا يخلق حالة عامّة وواقعاً مبنياً على التضليل، فيتمادى أكثر.

دفاعًا عن العقل لا عن التجمع.. ردًّا على مقالة معاذ خطيب / وئام بلعوم

ليس من عادتي الرّد ومناقشة مقالات جلّ همّها التحريض والتهجّم وتأجيج العواطف، بدلاً من إحكام العقل والإتيان بالحجّة والبيّنة، وذلك لإيماني بأن هذا النوع من المقالات تفنّد نفسها بنفسها، فتضيع الحاجة لأن تقنع النّاس بخطئها وخطورتها، ولكن عندما يتمادى التحريض كما في مقالة معاذ خطيب  "إلى التجمع الوطني الديمقراطي. وطنية نعم.. أما انحلال خلقي فلا وألف لا"، يجب أن يرَد عليه حتى لا تتحوّل ظاهرته إلى حالةٍ عامّة، يظنّ نفسه منجزًا شيئًا ببناء مقولاته على التضليل، فيتمادى أكثر.

يناقش المقال المذكور فيديو صادرًا عن "مركز إعلام" حول الحق في حريّة التعبير، ويبدأ مناقشة الحريّات المعروضة فيه.

 

بخصوص الـحــريـــات،

 

بدايةً، يتعامل منطق خطيب مع جملة "بحقلي ما ألبسش شو ما بدك"؟ على أنها دعوة للتعري، وعلى "بحقلي أحب مين ما بدي" وتقبيل فتاة صاحبة المقولة للشّاب، على أنها دعوى لإقامة علاقات خارج إطار الزّواج، ومع "بحقلي ما أصليش"، على أنها دعوة لعدم الصلاة.

 

ولكن بحسب ذات المنطق، أليس عرض الفيديو جملة "بحقلي أصلي في الأقصى" هي دعوة للصلاة؟! وجملة الفتاة المحجبة "بحقلي ألبس شو ما بدي" دعوة للتحجّب والتديّن؟!

 

ثانيًا، يتسائل الكاتب مستنكرًا: "هل رأيناأاحدا يجبر فتاة على أن تلبس ما يشاء هو؟" و"هل رأينالأاحدا يجبر فتاة على أن تحب شخصا آخر ؟؟ " و"هل رأىأاحدكم شابا يجرّه الآخرون إلى الصلاة رغما عنه؟"، قد نفاجئ الكاتب بجوابنا: نعم.

 

نعم، هنالك من يفرض ومن يحاول أن يفرض معتقداته على النّاس، ولفرض المعتقدات على الناس عدة طرق، منها:

أ. الفرض المباشر: وهي تبدو بشكل مخفف في بلادنا (مثلاً إحراق محال بيع الكحول وتشويه اللافتات التي تحمل صور الفتيات)، إذ لا نملك سلطة على بلادنا، ولكن إن قارنا الوضع مع البلدان العربيّة المجاورة، فنرى أن مرشحين رئاسيين مصريين ينتمون إلى التيار الإسلامي (ما بين إخواني وسلفي)، يقول أحدهم صراحة إنّه "إذا سمع أن فتاة تلبس غير محتشم سيبعث للقبض عليها"، ناهيك عن النيّة في تقييد الفن والحريّات العامة والخ.. فهل ننتظر تحررنا من الاحتلال حتى نقع تحت دكتاتورية أخرى بوعاء يتقمّص الدين؟

ب. الفرض غير المباشر: وهي الضغوطات التي يمارسها المجتمع لفرض المعتقدات على الأفراد، ليس بالضرورة بمحاكم التفتيش أو بالتخيير بين القتل أو الحجاب (مثلاً)، بل يكفي أن تقاطع عائلة ابنتها بسبب عدم تحجبها، أو أن يلصق المجتمع صفات بذيئة في من لا تتحجب، إلى درجة أن تحجّبها قد يكون إكراها، أو أن ترفض عائلة تزويج ابنتها لمحبوبها لأنه ابن العائلة الفلانية، فبالتالي تجبرها على اختيار ابن العائلة الأخرى.

ثالثًا، يقول الكاتب: "فمعلوم أن حرية الفرد تنتهي إذا كانت ستمس بمعتقدات ومشاعر الآخرين"، وهنا أيضًا يقوم الخطيب بخلط الأوراق، فحريّة التعبير في النظام الديمقراطي توضع في الميزان (بالمفهوم القانوني) أمام المس بالآخر، وقد يكون المس عن طريق التشهير (تشويه السمعة)، أو التحريض (على القتل أو العنف أو العنصرية والطائفية)، أو إهانة المشاعر، وهي تهم يحاسب عليها القانون الجنائي والفردي، ولا يمكن ادعاء إهانة المشاعر على "الطالعة والنازلة"، فكما أن كلمة "العلمانية الفاجرة" (مثلاً) ليست إهانة للمشاعر ولا يمكن إدخالها بباب القانون الجنائي، ليس ما يسمّيه الكاتب بـ"التعري" إهانة للمشاعر أيضًا.

رابعًا، يقول الكاتب: "لن نستغرب أن يقوموا مستقبلا بالدفاع عن قيام الفتيات بلبس التنانير القصيرة (الميني) في حاراتنا وقرانا (..)،.بادعاء أن لها الحق في أن تلبس ما تشاء... ولا يحق لأحد أن يعترض أبدا، فهي "بحقلها ما تلبسش شو بدك"!!!"، وفي هذا تصريح خطير يخرج من قلم الكاتب، إذ يعترف صراحة بجاهزيته لأن يعترض أو يؤيد التعرض لها.

يضاف إلى خطورة حديث الخطيب، أنّ "لبس التنانير القصيرة" هي عادة موجودة في الكثير من حاراتنا وقرانا ومدننا، ولا نعرف على من تعود أو من يقصد بالضمير "نا" في "حاراتنا وقرانا".

 

خامسًا، تختلط الأمور على الكاتب بموضوع الحريّات، فهو يختم كل حريّة "بالبَسبَسة"، "نحن مع الحرية.. ولكن"، وإذا تتبعنا وراء كلماته، نرى بأنّه وبكل بساطة يؤيّد الحريّة فقط إذا كانت لا تعارض عاداته وتقاليده ومفاهيمه، وأن على الأقليّة احترام تقاليد وعادات الأغلبية، وهذا مفهوم مشوّه للحريّات.. إذ أنّ الغاية في إطلاق حريّة التعبير في النظام الديموقراطي هي الدفاع عن الأقليّات (وليس بمفهومها الطائفي، هذا إن سلّمنا جدلاً بادعاء الكاتب بأن الأغلبية محافظة والأقليّة منفتحة).. فما حاجة أن تقوم الدولة بالدفاع عن حق الأغلبية أو الرأي السائد في التعبير عن رأيه؟! فهل يحتاج نازيًّا في ألمانيا النازية (في حينه) لأن يكفل له أحدٌ حقّه في التعبير؟ وهل يحتاج شيوعيٌّ / قوميٌّ في نظام شيوعيّ / قوميّ دكتاتوريّ بأن يكفل له أحدٌ الحقّ في التّعبير في بيئةٍ يسيطر عليها خطابه؟

إن امتحان الدولة الديمقراطيّة الحقيقيّ، هو في قدرتها على أن تكفل حق الأقليّة في أن تعبر عن نفسها دون أن تعترض الأغلبية لهذا الحق.. ولو قبلنا ادعاء ومنطق الأخ كاتب المقال، لكان على الفتيات المسلمات في أوروبا أن يخلعن حجابهن احترامًا للأغلبية وعاداتها وتقاليدها!

وأما بخصوص الطائــفـيـة،

يدّعي الكاتب بأنّه ليس طائفيًّا، معللاً ذلك بأنّه لم يسمع في حياته من والده أو أعضاء الحركة الإسلامية "ما يمكن اعتباره موقفًا غير ودّي تجاه المسيحيين"، وهنا يختلط على الكاتب مصطلح الطائفية، فلست بحاجة لأن تقول مثلا: "أنا أكره أبناء الطائفة الفلانية"، أو "أنا أكره فلان لأنه مسيحي / مسلم / درزي" حتى تكون طائفيًّا، إذ ليست الطّائفيّة أو عدمها ما تقول، ولكن، يكفي أن تتعامل مع ابن الوطن وتصنّفه وفق دينه ومذهبه، وليس وفقا لمواطنيته (أي انتمائه للوطن)، حتّى تكون طائفيًّا.

 

 

ليست الطائفيّة بالضرورة كرهًا للآخر، بل إنّ التعامل مع المواطن بصفته ينتمي للطائفة الفلانيّة، هو الطائفية السياسية بعينها، والتعامل مع نفسك على أنّك منتمٍ للطائفة الفلانية دون غيرها، تتحدّث باسمها وعنها، وتظنّ نفسك تمثّلها، فهو الطائفيّة.

 

ليست المشكلة هنا بالطبع بالإيمان والتديّن، بل المشكلة في تحديد علاقة الفرد بمجتمعه ودولته على أساس الديانة، وطبعًا بفرض المعتقدات بالطرق المباشرة وغير المباشرة.

 

وهنا، لا بد لنا من التأكيد –مجددًا- رفضنا تقسيمة الأغلبية والأقليّة على أساس طائفي (بشكل يذكّر بالنظام السياسي اللبناني المقيت)، فالأغلبية في النظام الديمقراطي هي أغلبية الأفكار بمقابل أقليّة الأفكار، فقد يكون أصحاب أغلبية الرأي الفلاني من المسلمين والمسيحيين، وأصحاب رأي الأقليّة من المسيحيين والمسلمين.

 

 

وأما بخصوص عـزمي بشـــارة

 

برغم أن المقالة تناقش موضوع فيديو صادر عن مركز إعلام، تفتتح المقالة بفقرة مقدِّمَة تخصّ مقولة للدكتور عزمي بشارة بخصوص اعتزازه بالحضارة الإسلامية، لسبب ما نشرت هذه الفقرة فقط في مدوّنة الكاتب معاذ خطيب ولم تنشر في موقع "فلسطينيو 48"!!!!

 

بغض النظر عن مضمون المقولة (والذي سنناقشه بمقالة آخرى)، فإن إدخال عزمي بشارة في المقال يشكل نهجًا عند الكاتب، إذ يدخل اسم عزمي بشارة في كل مقالة تحوي انتقادًا / تجريحً/ تحريضًا على التجمع.

 

فمثلاً، في مقال تهجمي سابق للكاتب بخصوص "موقع 48"، اختار الكاتب أن يعَنوِنه الكاتب بـ" هل تحول حزب عزمي بشارة ’التجمع الوطني‘ إلى حزب إسلاموفوبي فاشي؟" .

 

كذلك يذكر الكاتب في مقاله الأخير أن "...عزمي بشارة (مؤسس التجمّع الوطني الديمقراطي – الحزب السياسي الذي يشارك في انتخابات الكنيست الصهيوني وله تمثيل فيه) عنه قوله إنه (رغم كونه مسيحيا)...".

 

وهنا نسأل، ما السبب الذي يجعل خطيب يذكر هذه المعلومات الأساسية والأوليّة عن بشارة؟ ألا يعرف أبناء الداخل الفلسطيني الذين يوجه خطيب مقاله لهم (كما يذكر لاحقًا) ما هي علاقة التجمع ببشارة؟!!!

من الواضح إذن أن خطيب يهدف بهذا إلى ملامسة مشاعر أصدقاء خطيب العرب خارج أراضي فلسطين، إذ لا بد ألا يخفى على الكاتب قدر الاحترام الذي يحظى به بشارة في أوساط الشباب والمثقفين العرب، وهو ما لا يمكنه إنكاره، فيقول لهم بكلمات أخرى يمكنني استنباطها: "انظروا إلى بشارة الذي يخرج عليكم في الإعلام، إنه مسيحي مؤسس لحزب يشارك في الكنيست الصهيوني، وحزبه يدعو للانحلال الخلقي، فكيف تستمعون إليه"!!

وبخصوص مـركـز إعــلام،

يدّعي خطيب أن "مركز إعلام" تابع للتجمع، وهو ادّعاء لا بد منه كي يستطيع أن يحيك شباك نظريته "العبقريّة النّبهانيّة"، أما عن ادعائه هذا، فمن المعروف أن "مركز إعلام" مؤسسة غير حزبية، وليست تجمعيّة، ولا تقوم المؤسسة على فعاليات مشتركة مع التجمع.

بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم الأشخاص الذين يظهرون في الفيديو لا ينتمون إلى حزب التجمع، إنما لتيارات سياسية أخرى، ويعكسون التنوع السياسي في المجتمع العربي، لكنهم ظهروا بالأساس بسبب مهنتهم وليس الانتماء الحزبي أو الديني.

وأعتقد أن الزميل خطيب يعرف قسما من المشاركين بشكل شخصي، ويعرف انتماءاتهم جيّدًا، فمنهم مثلاً زميل إعلامي لخطيب، وهو محرر جريدة الاتحاد، وناشطون في مؤسسات مجتمع مدني.

ولا يعني هذا التوضيح للعلاقة بين "إعلام" والتجمع تنصّلاَ مني لما عرض في الفيديو، العكس تمامًا.. بل إنّ مركز إعلام وإصداراته يزيد فخرًا كل حزب قد يدّعى أنه ينسب إليه، ولكن لبيان حجم التلفيق والتّضليل الذي قد يرتكبه أحدهم ليؤسّس رأيًا يقتنع به الآخرون، دون أن يكلّف نفسه عناء الموضوعيّة والمصداقيّة.

 

 

فيديو موقع إعلام:

 


 

مقالة معاذ خطيب، عن موقع فلسطينيو 48.

 

التعليقات