20/09/2016 - 19:18

"هي ليست قضية رمانة بل قلوب مليانة"

إذا كان التجمع قد وقع في أخطاء وتجاوزات إدارية ومالية في انتخابات 2013 فإنه لم يشذ عن غيره من الأحزاب التي تخوض انتخابات الكنيست

 مسموح للعدو، طالما اعتبر كذلك، أن يستغل العيوب والثغرات وينفذ منها لضربنا بصفتنا عدوه، بالمقابل ممنوع علينا ضمن ما يعرف بـ"تحصين العامل الذاتي" ارتكاب أخطاء وترك ثغرات يسهل على العدو المتربص بنا النفاذ منها لضربنا والنيل من صمودنا.

في كثير من الأحيان يرتفع دور ووزن العامل الذاتي تناسبا مع حجم الخطأ أو "الخطيئة" التي ارتكبت، والتي سهلت للعدو النفاذ والانقضاض وتسجيل النقاط والانتصار. والتاريخ الفلسطيني والعربي يحفل بالأمثلة الصغيرة والكبيرة الشاهدة على ذلك، ولكن مهما بلغ وزن العامل الذاتي في تقرير مصير المعركة ونتائجها فلا يجب أن يحجب عن ناظرينا رؤية طرفي المعادلة، وتمييز العدو من الصديق فيها، وخوض المواجهة مع العدو وإلى جانب الصديق عبر توحيد وحشد الطاقات والإمكانيات، وتأجيل كل الحسابات والمحاسبات إلى ما بعدها، لأن العدو هو المعني والمستفيد من خلط الأوراق وبعثرة الصفوف للاستفراد بنا الواحد تلو الآخر.

وإذا كان التجمع الوطني الديمقراطي قد وقع في أخطاء وتجاوزات إدارية ومالية في انتخابات 2013، كما يقول مراقب الدولة، فإنه لم يشذ عن غيره من الأحزاب التي تخوض انتخابات الكنيست، بل جميع الأحزاب التي تخوض انتخابات الكنيست، وهي تجاوزات عادية وروتينية تنتهي في الغالب بغرامة مالية يفرضها مراقب الدولة الذي يمتلك صلاحية العقاب أيضا.

لكن يبدو أن هذه القاعدة المتعارف عليها لا تنسحب على الأحزاب العربية، خاصة عندما يقع هذا الحزب في دائرة الاستهداف مثل التجمع، حيث يجري استغلال تقرير مراقب الدولة لشن حملة بوليسية شعواء شملت حتى الآن اعتقال أكثر من 20 من قياداته وكوادره الميدانية، ناهيك عن التحقيق مع المئات من أصدقائه ومناصريه. وعندما يتم ذلك فبدون شك تكون "القضية ليست قضية رمانة بل قضية قلوب مليانة" كما يقول مثلنا الشعبي.

لم يتم في تاريخ إسرائيل التي يزخر سجل أحزابها وقياداتها السياسية بالفساد الإداري والمالي، الانتخابي وغير الانتخابي، اعتقال هذا الكمّ من الناشطين السياسيين وبهذا الأسلوب البوليسي المخابراتي، والتحقيق مع هذا الكم من المناصرين، الأمر الذي يشي بالهدف الحقيقي للحملة التي تندرج ضمن الملاحقة السياسية التي تستهدف تحجيم وضرب العمل الوطني في الداخل الفلسطيني.

ولعله من المفيد التذكير، أنه في أكبر هذه القضايا والتي تعرف بقضية "جمعيات باراك"، وهي جمعيات "صورية" تم من خلالها إدخال ملايين الشواقل لتمويل حملة برك الانتخابية عام 1999، حيث تحدث تقرير مراقب الدولة عن مبالغ وأشار الى متهمين بالاسم، وأدان وغرم حزب "إسرائيل واحدة" الذي كان يرأسه باراك، قبل أن يأمر المستشار القضائي بالتحقيق. في هذه القضية الكبرى التي استمر التحقيق فيها من سنة 2000 حتى سنة 2006 وجرى خلالها التحقيق مع باراك (رئيس حكومة في حينه) لم تقم الشرطة بمداهمات ليلية، ولم تقم باعتقال أي شخص من المتورطين، والذين كان على رأسهم زعيم المعسكر الصهيوني وزعيم حزب العمل الحالي يتسحاق هرتسوغ، والذي حافظ حينها على حقه "في الامتناع عن الكلام" خلال التحقيقات معه، ولاحقا تم تعيينه وزيرا للبناء والإسكان، فيما تم تعيين من أغلقا ملف التحقيق المستشار القضائي أمنون روبينشطاين والمدعية العامة عدنا أربيل قاضيين في العليا.

إذا، القضية تتعدى التعامل مع مسألة إدارية تختص بتمويل الأحزاب بأساليب بوليسية مخابراتية، إلى تلفيع الحملة البوليسية المخابراتية بعباءة "التجاوزات المالية"، أو استغلال قضية التجاوزات المالية لشن حملة بوليسية إرهابية ضد قيادات ميدانية في أحد الأحزاب الوطنية للنيل منها ومن حزبها ومن مجمل العمل الوطني، وطبعا مخابرات إسرائيل من الذكاء بحيث تختار الزمان والسياق المناسبين. ومثلما جرى ضرب الحركة الإسلامية وإخراجها عن القانون في ظرف ما كان يمكن أن تحظى به بأكثر مما حظيت من التفاف وتعاطف، فإنها توجه ضربة للتجمع في سياق تأمل أن يحظى معه بأقل قدر من التضامن الجماهيري. أما نحن فسنبقى نكرر في كل مرة مقولة "أكلت يوم أكل الثور الأبيض".

التعليقات