24/12/2016 - 12:34

القرار 2334: من أجل العدالة وليس المفاوضات

نحن مقبلون على سنوات تبدو فيها ثقة النفس الإسرائيلية فوق المتوقع في ظل حكم ترامب، وخير دليل على ذلك بيان نتنياهو المتعجرف أمس في أعقاب قرار مجلس الأمن، والذي أعلن فيه صراحة بأن إسرائيل لن تلتزم بالقرار، ووصفه للقرار بـ"الحقير".

القرار 2334: من أجل العدالة وليس المفاوضات

أكد تبني مجلس الأمن القرار ٢٣٣٤، والذي يدين ويجرم الاستيطان الإسرائيلي، أمس الجمعة، أن السياسة الأميركية، كقوة عالمية عظمى، مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن مآسي الشعوب والدول. فها هي بقدرة قادر تمتنع عن استخدام حق النقض (فيتو) ضد قرار يجرم الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، الذي انتشر في العقدين الأخيرين بشكل بات يصعب إقامة كيان فلسطيني على أراض متواصلة جغرافيا.

لا، ليست هذه 'صحوة ضمير أميركية'، وليس فقط 'تصفية حسابات' بين الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، باراك أوباما، ورئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بل تأكيد على أن الأول هو 'سيد العالم الحر وغير الحر' وأنه 'أشد حرصا على مستقبل إسرائيل' من نتنياهو، إذ كان بمقدوره إحراج الحكومة الإسرائيلية وإدخالها في أزمة سياسية دولية لو تراجعت الإدارة الأميركية عن 'الحصانة الدبلوماسية' لإسرائيل طيلة السنوات الثماني الأخيرة، إذ استخدمت إدارة أوباما حق الفيتو في العام ٢٠١١ ضد مشروع قرار فلسطيني في مجلس الأمن يدين الاستيطان الإسرائيلي.

والحرص 'الأبوي' الأميركي على مستقبل إسرائيل يبدو واضحا في تصريحات وزير الخارجية، جون كيري،  التي فيها إنه كان لدى الولايات المتحدة هدف واحد ووحيد، هو الحفاظ على إمكانية التوصل إلى حل الدولتين، باعتبار أنه 'الطريق الوحيد لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية'.

والقرار الذي تبناه مجلس الأمن ليس الأول الذي يجرم الاستيطان، إذ تبنى مجلس الأمن القرار رقم ٤٦٥ في العام ١٩٨٠ والذي أدان الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة.

لكن، ليست أميركا هي المسؤولة الحصرية عن مآسي الشعوب العربية؛ فقبل يوم واحد، قرر عبد الفتاح السيسي سحب مشروع قرار شبيه في مجلس الأمن بناء على طلب نتنياهو وبضغط من الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب. وبررت الرئاسة المصرية في بيان مساء الخميس القرار بأن السيسي وترامب 'اتفقا على أهمية إتاحة الفرصة للإدارة الأميركية الجديدة للتعامل بشكل متكامل مع كافة أبعاد القضية الفلسطينية بهدف تحقيق تسوية شاملة ونهائية لهذه القضية'. وزعم النظام أنه لم يكن متأكدا من أن إدارة أوباما لن تستخدم الفيتو.

على عكس التقديرات المصرية، ووفق التصريحات الإسرائيلية الرسمية، فإن مشروع القرار المصري كان سيحظى بأغلبية ساحقة بمجلس الأمن، وأن الولايات المتحدة لن تستخدم 'الفيتو'، وخنوع السيسي لنتنياهو وترامب دفع صحيفة 'يديعوت أحرونوت' إلى اختيار عنوان 'وشكرا للسيسي'، يوم أمس الجمعة.

هذا هو حالنا. تتعامل أنظمتنا مع قضايا الأمن القومي العربي على أنها سلعة في سوق مصالح النظام أو الحاكم. يقرر السيسي التراجع عن القرار وكأنه لا يتعلق بقضية أمن قومي عربي وبمشروع استيطاني احتلالي لأرض عربية محتلة. بالنسبة له هذه 'مناورة' لابتزاز الدعم الإسرائيلي، ومن الإدارة الأميركية الجديدة، وهي ليست مقايضة حتى بل ابتزاز على طريقة العصابات، لكن المصيبة أن الحديث يدور عن نظام في أهم دولة عربية ويتوقع منها أن تكون في طليعة المدافعين عن القضايا العربية وليس سندا فقط. لكن نظام السيسي لا يجيد إلا الابتزاز من أجل بقاء النظام، مرة مع السعودية بقضية الجزيرتين، ومرة مع الإمارات، والمرة الأخيرة مع إسرائيل.

رغم الغضب الإسرائيلي من تبني مجلس الأمن للقرار أمس، إلا أنه يجب التعامل معه بواقعية كبيرة، إذ أنه لا يعني في المدى القريب فرض عقوبات على إسرائيل بسبب الاستيطان أو فرض نظام رقابة على الاستيطان، لأنه يأتي تحت الفصل السادس في ميثاق الأمم المتحدة أي أنه غير ملزم (توصية)، لكن الأمر الإيجابي هو أن على الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقرير فصلي كل ٣ شهور عن الاستيطان الإسرائيلي.

فلسطينيا، يؤمل بألا يستخدم القرار للمناورة من السلطة الفلسطينية 'لإجبار' نتنياهو للعودة إلى 'طاولة المفاوضات'، وإنما ضمن إستراتيجية نضالية لإحقاق العدالة للشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال. إذا ما تعاملت السلطة الفلسطينية مع هذا القرار على أنه مجرد ورقة ضغط على حكومة نتنياهو للعودة للمفاوضات مع وقف الاستيطان عشية تسلم ترامب الحكم في الولايات المتحدة، فإن ذلك سيعني للدول الداعمة للقرار ولنضال الفلسطينيين، أن السلطة الفلسطينية غير معنية فعلا بملاحقة إسرائيل وفرض عقوبات عليها نتيجة الاستيطان، بل هي وسائل لإجبار إسرائيل على العودة إلى المفاوضات العبثية.

الفصائل الفلسطينية قاطبة رحبت بتبني مجلس الأمن للقرار أمس، وهو ما يعني أنه يشكل بارقة أمل في ظل انسداد الأفق عربيا بسبب الاحترابات الداخلية، وفي ظل صعود حكومات يمينية شعبوية في الغرب منحازة لإسرائيل بشكل مطلق، وهذا يعني أننا مقبلون على أعوام لا جدوى فيها من الحديث عن 'عملية سلمية' أو 'مفاوضات ثنائية'، وإنما بحاجة لـ'تدفيع' الحكومة الإسرائيلية ثمن ممارستها الاستيطانية والعنصرية.

نحن مقبلون على سنوات تبدو فيها ثقة النفس الإسرائيلية فوق المتوقع في ظل حكم ترامب، وخير دليل على ذلك بيان نتنياهو المتعجرف أمس في أعقاب قرار مجلس الأمن، والذي أعلن فيه صراحة بأن إسرائيل لن تلتزم بالقرار، ووصفه للقرار بـ'الحقير'.

نأمل، مرة أخرى، ألا يشكل هذا القرار بالنسبة للقيادة الفلسطينية مجرد ورقة ضغط على الحكومة الإسرائيلية للعودة للمفاوضات، مثل التهديد بالتنازل عن حل الدولتين أو حل السلطة الفلسطينية، بل نتوقع أن يكون جزءا من إستراتيجية لملاحقة جرائم إسرائيل سواء الاستيطانية أو العنصرية أو على حصارها لقطاع غزة.

اقرأ/ي أيضًا لـ رامي منصور

التعليقات